أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    دراجي يهاجم "الكاف" بعد قراره الذي أنصف نهضة بركان    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الفنان عبد السلام بوكلاطة
نشر في أريفينو يوم 11 - 09 - 2010


سيميائية الأزياء الأمازيغية
( تجربة الفنان عبد السلام بوكلاطة نموذجا)
الدكتور جميل حمداوي
توطئة:
من المعلوم أن المسكن والمأكل والملبس من الأركان الثلاثة التي تنبني عليها الحياة الإنسانية، أي إنها من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا، وبدونها تكون الحياة شاقة وعسيرة، ومن المستحيل أن يعيشها البشر. وتعد الأزياء المظهر المادي للجانب الثقافي لدى الشعوب؛ لأنها تعبر عن مكانة الأمم ، ورقي حضارتها، وتعبر كذلك عن التطور الذي حققته في الميدان الفني والاجتماعي والاقتصادي. أي إن الأزياء أو الملبوسات وثيقة صادقة عن العمران والحضارة، ومدى الاهتمام بالفنون الجميلة. وفي الحقيقة” تعتبر دراسة تاريخ الأزياء مصدرا وثائقيا يعكس مظاهر الحياة لأي بلد من البلدان، وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها عنصرا من عناصر الحضارة الإنسانية، حيث تدل على مدى رقي الأمة وعلى مستوى الدولة الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والفني، كما أنها تعطي الباحثين الأبعاد الثقافية والحضارية. ولذلك، تظهر الحاجة إلى دراسة تلك الأزياء بكل مالها من خصائص ومسميات، وتحليل محتواها الفني من نسيج ولون وزخرفة وتطريز ومكملات للزينة والحلى” .
وترتكز فلسفة الزي على ثلاثة جوانب أساسية:
1- الحاجة: لقد اتخذ الإنسان الزي لضرورة وقائية، أي لحماية جسمه من الأخطار الطبيعية: الفزيائية والكيميائية. وكان هذا الزي يستوجبه تغيير المناخ: حرارة ورطوبة. ويعني هذا أن الزي يحافظ على الوجود الإنساني من كل ما يمكن أن تفاجئه به البيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان.
2- الاجتماعية: ويعني هذا أن الزي يعبر عن شخصية كل إنسان داخل المجتمع، وبذلك يأخذ وظيفة اجتماعية. أي إن اللباس قد يعرف بالأفراد من الناحية الاجتماعية: يحدد الوظائف التي يمارسونها، ونوع الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها….
3- الديكور: يتخذ الملبوس كذلك وظيفة جمالية تعبر عن أناقة الشخص وجماله وأبهته، والاهتمام بالذات. أي إن الزي ذو وظيفة ديكورية جمالية تساهم في إثراء الفن والحضارة في ميدان الفنون الجميلة.
وللزي تاريخ طويل يمتد من الفراعنة مرورا باليونان والرومان إلى تاريخ الحضارة الإسلامية وأوربا الحديثة.
ويمكن أن نحدد عبر هذا التاريخ الطويل مع بداية ظهور الإنسان ثلاثة ثوابت أساسية في فلسفة الملبوس:
1- العري( مرحلة الإنسان البدائي)؛
2- البساطة( أشكال بسيطة في استعمال الزي)؛
3- البذخ( التحلي بفلسفة الترف والبذخ والتجميل والتأنق الفني والحضاري).
ويمكن أن نبرز كذلك أن الإنسان مر بمراحل بارزة في تطوير حياته، والحفاظ على جسمه وذاته وجماله، منها:
٭ عري البدن.
٭ الاتقاء بالزي النباتي.
٭الاتقاء بالزي الحيواني.
٭مرحلة النسيج( الكتان والصوف ).
٭ مرحلة الزي المزخرف.
وهناك مرحلتان أساسيتان في تطور الزي النسيجي:
٭ مرحلة الأشكال البسيطة
٭ مرحلة الأشكال الزخرفية المعقدة.
ويعني كل هذا أن ” الإنسان الأول نجد أنه لم يكن له من وسائل الكساء شيء، وكان يهيم في أول الأمر بين الأدغال عاري البدن شأنه شأن الحيوان، على أن قسوة الطبيعة دفعته إلى التفكير في صنع ما يقيه من البرد القارس أو الحر اللافح. وكان أول ما استتر به الإنسان هو ورق الشجر. ثم ، تدرج بعد ذلك إلى استعمال الحشائش والأغصان والليف، وصنع منها نسيجا ملائما، ثم اتخذ من جلد الحيوان وفرائه مآزر قبل أن يهتدي إلى طريقة عمل الخيوط من الكتان أو الصوف أو غيره. ثم، صنع من تلك الخيوط نسيجا بسيطا- بدائيا في أول الأمر، ثم حور فيه، وتولاه بالزخرفة لكي يتخذ مظهرا يشعر من يلبسه بشيء من الفخر.”
وعند تحليل الأزياء لابد من التركيز على عناصر أساسية في الملبوس مثل:
1- الشعر وغطاء الرأس.
2- ألبسة العنق.
3- ألبسة الجسد.
4- ألبسة الفخذ والرجلين.
5- الأحزمة أو الزنار.
6- ألبسة القدم.
7- المجوهرات والحلي.
8- الألوان.
9- الأشكال.
10- اللوحات والصور.
11- الأماكن المخصصة لحفظ الأزياء.
وإذا كان العالم الثالث، ومنه العالم العربي، يميل إلى البساطة في الأزياء لأسباب دينية ومناخية ومادية وثقافية، فإن الغرب سار خطوات مذهلة في مجال الأزياء، إذ مال إلى الزخرفة والتغيير، وتعقيد الملبوس، والدليل على ذلك تلك العروض التي تنعقد من فينة وأخرى في لندن وباريس وميلانو ونيويورك لعرض أحدث الموضات والتصاميم الزخرفية الجديدة ، وذلك حسب الفصول والفلسفات السائدة في المجتمع.
لكن على الرغم من هذه الأسباب، فلقد عرف العالم العربي تطورا كبيرا في الإقبال على الأزياء ذات الزخارف الجميلة والمعقدة التي تستوحي الفن الراقين وذلك مع تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، و لاسيما في دول الخليج والشام والمغرب العربي، علاوة على سياسة انفتاح هذه الدول على الغرب، و استلهام الأزياء الشرقية ، ولاسيما الصينية والهندية واليابانية والباكستانية والتركية منها.
وفي هذه الدراسة سنقوم بدراسة الأزياء لدى الفنان المغربي عبد السلام بوكلاطة قصد معرفة البنية الجمالية والدلالات التي تنبني عليها ملبوساته وأثوابه.
 عتبة الفنان:
ولد عبد السلام بوكلاطة سنة 1960 ببني توزين بإقليم الناظور بالمغرب، وتلقى تكوينه على يد أبيه الذي كان صانعا تقليديا في اللباس التقليدي القومي. بيد أن الابن طور صناعة أبيه، واتجه نحو الزخرفة الفنية والتشكيل البصري. وقد شارك في عدة معارض محلية ووجهوية ووطنية ودولية. فقد شارك في موسم المعرض الوطني للصناعة التقليدية المنعقدة في مراكش سنة 1993م، وحصلت على الجائزة الأولى، جائزة المهارة وجائزة أمهر صانع من مؤسسة البنك الشعبي المركزي. وشارك أيضا في المعرض الذي أقيم على هامش اتفاقية الگاط بمراكش سنة 1994م، دون أن ننسى مشاركته بمعرض ميناء بني أنصار ، حيث انطلق لحاق غرناطة- دكار، وكذلك عرض في رواق المغرب العربي بالناظور، دون أن ننسى مشاركته بمؤتمر المجلس العالي للصناعة التقليدية الدورة( 13) بالعاصمة العلمية فاس سنة 1996م، وقد تسلم أخيرا رسالة تهنئة ملكية ، وذلك بسبب لوحته التي تحمل في طياتها أيقون الهوية الأمازيغية.
هذا، وقد طور الفنان بوكلاطة صناعته ، وذلك حسب متطلبات العصر الحديث حتى تأخذ مكانتها الوطنية والدولية والعالمية ، دون إغفال للجانب الحضاري والثقافي للشخصية المغربية والأمازيغية على حد سواء. كما قام بتكوين كثير من الطاقات الشابة في هذا المضمار التطريزي والفني، وسارت على منواله في الإبداع والعطاء والإنتاج. ومن المعلوم أن لهذا الفنان طموحات وأماني كثيرة تتمثل في تكوين رواق أو متحف أو معرض دائم لعرض المنتوجات التي يساهم بها الصانع التقليدي، ولاسيما منتوج القفطان. لذا، فهو في حاجة إلى ممولين للمساهمة في إنجاح هذا المشروع المربح ماديا ومعنويا وفنيا.
 الدلالات السيميائية اللوحات المطرزة:
رسم عبد السلام بوكلاطة مجموعة من اللوحات الفنية فوق الزي جامعا في ذلك بين الأصالة والمعاصرة. ومن هذه اللوحات نجد لوحة المشبك الحضاري( اللوحة رقم1) أو ما يسمى (تيسغنست أومزروي) ، والتي وضعت في إطار مستطيل منمق بزخرفة خشبية يتقاطع فيها اللون الأخضر مع اللون المذهب. وهذا له علاقة سيميائية مع صورة اللوحة. وإذا تأملنا اللوحة داخليا ، فإننا نجد قطعة ثوب من “لمليفة” طرز فوقها مشبك أمازيغي، يعبر عن أصالة الريفيين الأمازيغيين بشمال المغرب، ويتحدث أيضا عن حضارتهم الممتدة عبر التاريخ، وذلك قبل حضارة الفراعنة بكثير. وقد اختار الفنان عبد السلام ثوبا أحمر للدلالة على النضال والمقاومة والدفاع عن الهوية الأمازيغية. وتتخذ هذه اللوحة المشبكة طبيعة تزيينية كشكل من أشكال الزينة والحلي للمرأة أو الرجل. وتتسم زخرفة المشبك بتعقد الأشكال الورقية والنباتية والأشكال الهندسية، وتنماز كذلك بزخرفة ذهبية وفضية متناسقة ومتناظرة في شكل تصاعدي متدرج من الأسفل نحو الأعلى. وقد استعان بوكلاطة في إنجازها بمواد نفيسة منها:الذهب والمرجان و كريسطال و الصقلي الذهبي والصقلي الفضي والحرير.
وفي اللوحة الثانية( رقم اللوحة 2)، يتحول عبد السلام بوكلاطة من صانع تقليدي وخياط ماهر إلى فنان تشكيلي يتقن الرسم والتشكيل، وينطلق من رؤية للعالم تصيغ واقعه الفني والجمالي. لذلك ، يلاحظ أن رؤيته حضارية بعيدة عن التعصب والعرقية الشوفينية. ويعني هذا أن بوكلاطة فنان محلي ووطني وقومي وعالمي لا يعرف فنه حدودا ضيقة أو عقدية؛ لأنه يكتب الفن، ويوثق الإبداع الجمالي بالإبرة والخيط والمخراز.
هذا، وتصور اللوحة الأيقونية امرأتين جبليتين بمنديلهما الملون الذي يغطي فخذيهما ورجليهما، ويمتاز بصوف غليظ وخشن يراعي حاجات المنطقة المناخية ، والتي تتسم بكثرة الجبال، وقسوة البرودة، وشدة الرطوبة. وغالبا ما يوضع هذا الزي فوق ألبسة داخلية. وبالتالي، فهو لباس نصفي يساعد المرأة الجبلية على العمل والسفر، وقطع المسافات الطويلة لبيع منتجاتها، وقد يتحول إلى بساط لافتراشه أو الجلوس عليه. ويلاحظ كذلك أن اللوحة تشير إلى عناصر أخرى من زي الجبلية مثل : ارتداء شال أزرق أو أبيض يشبه الحجاب يوضع على العنق اتقاء للبرودة ، ورغبة في التستر والتحجب والاستحياء. كما أن هذا الشال طويل يغطي تقريبا الظهر كله. كما نلاحظ طربوشا جبليا مصنوعا من الخيش، وتجميع الخيوط في عقد كبيرة لتزيين هذا الغطاء الرأسي، وتحقيق توازن بين أجزائه الأربعة.
هذا، وقد اعتمد الفنان في تطريزه لهذه اللوحة على التناظر والتقابل في الألوان والأشكال والأجساد، فمثلا نلاحظ صدريين من القطن أحدهما:أبيض والآخر أزرق، كما نجد منديلين مختلفين في اللون: أبيض في أحمر وأزرق في أحمر مفصولين بخطوط بيضاء، ناهيك عن تقابل الأجساد: الرشاقة مع البدانة. وقد أحسن بوكلاطة كثيرا، وذلك حينما طرز هذه الحياكة التطريزية على ثوب أزرق شفاف وواضح يثير الإعجاب، ويجعل من هذا الخياط الماهر فنانا يجيد انتقاء واختيار أدواته الفنية والتشكيلية.
وفي اللوحة الأخرى( اللوحة رقم 3)، نجد إطارا تشكيليا خشبيا يصور بطريقة حضارية أصيلة امرأة أمازيغية تلبس إزارا محاطا بحزام تقليدي( أحزام )متعدد الألوان، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى اهتمام المرأة الأمازيغية بالزخرفة والألوان الداكنة كالأحمر والأخضر والأصفر… وتضع هذه المرأة على رأسها غطاء من الكتان الأحمر(ثاسبناشت) ، والذي تتداخل فيه بعض الأشكال كالوشوم على الوجه مثل: المرأة السوسية والشلحية. كما أن هذا الإزار الذي يكون غالبا أبيض ومتماوجا في انسيابه وتطريزه ، فقد يتناسب مع فترات الزواج أو الحضور في حفلات الفرح والمناسبات الاجتماعية والدينية. لذلك، يقترب لونه الأبيض من دلالات الدين الإسلامي. ويلاحظ في صورة المرأة مدى اهتمام المرأة الأمازيغية بالزينة والحلي كالخواتم والأقراط وأطواق العنق والمعاصم، والاهتمام كذلك بزينة الرجل، إذ يتخذ الخلخال والبلغة للتزيين، وإضفاء الجمال على الجسد. كما أن الضفيرتين(إيموزارن) رمز للجمال، والتباهي بالشعر الطويل، وتأكيد الأنوثة ، وأناقة الحسن والجاذبية.
وإذا انتقلنا إلى اللوحة( رقم 4) ، فإننا نجد مشبكا معقدا في زخرفته يوظف فيه بوكلاطة التصوير الهندسي وشكل المثلث كأنه كأس طافح بالنقوش المطرزة. وفي المثلث نجد مثلثات صغرى ودوائر هندسية تتوسطها دوائر أصغر منها. كما أن هذه اللوحة المطرزة بالألوان المتناسقة(الأبيض والأزرق) مزينة بالأشكال الرياضية والنباتية الدالة على الهوية الأمازيغية. إنها فن أرابيسكي أمازيغي يدل على الانتصار والصمود، والتشبث بالهوية الحضارية.
هذا، ونلاحظ في اللوحة ( رقم 5) صورة مطرزة تقليدية أصيلة. إنها حجرة من المسيد، حيث يدرب الفقيه تلامذته على حفظ القرآن في ألواح تقليدية مصنوعة من الخشب، ويكتب فوقها بالصمغ، وتمسح بالماء والطين الرسوبي. كما يلاحظ أن الفقيه يلبس جلبابا صوفيا على غرار العلماء وفقهاء الدين. و يفترش هذا الفقيه حصيرا صوفيا ( ثعراوت) مثل: فراش أو زربية متعددة الألوان.
وهكذا، يتبين لنا أن هذه الألواح المطرزة تجمع بين المعاصرة والأصالة وبين التقليد والحداثة، وتمتح من مرجعية ثقافية أصيلة تعبر عن الحضارة الأمازيغية والشخصية المغربية والإنسية العربية.
 الأحزمة:
يستخدم عبد السلام بوكلاطة عدة أشكال حزامية لتزيين خصر المرأة ، وشده بأناقة وجمال وتوازن أخاذ، يجذب الأنظار بألوانها المختلفة الساطعة والباهرة بجاذبيتها الساحرة. فهناك أحزمة ذات سمك طويل، وذلك بخطوط عمودية متوازية متقطعة بشريط يتلوى ارتفاعا وانخفاضا، متخذا سمكا غليظا في شكل أسهم الانعراج( اللوحة رقم 12). ويقسم هذا الحزام الثوب إلى قسمين: الجانب العلوي والجانب السفلي، ويتخذ هذان القسمان شكل مفتاح مطرز يتوسطه حزام دائري يساهم في شد الجسد، وإظهار رشاقته وفتنته.وقد يتخذ الحزام شكلا ورديا مفتوحا في الوسط الأمامي يشير إلى الحب والمودة والأمل والتفاؤل كما في اللوحة رقم 11.وقد يتخذ الحزام شكلا دائريا متقعرا في الوسط تتقاطع فيه مجموعة من الطبقات الزخرفية الملونة بالبياض والسواد، لتترك مساحة فارغة لتشكيل لوحة منقوشة لحيوانات متوحشة، وذلك بطريقة محاذية متوازية، ويمكن تسميته بحزام الفم المطرز بالزخرفة الحيوانية كما في اللوحة رقم 13. وهذا الطرز يذكرنا بالطرز الشرقي، ولاسيما الصيني الذي يستعمل الطرز الحيواني. كما يصبح الحزام منشطرا إلى نصفين مشبكين في بعضيهما البعض، حيث تبدو لوحة الحزام كريش الطاوس الجميل كما في اللوحة رقم10، وقد يتخذ الحزام شكل نصف داري منشطر( اللوحة رقم12)، ونجد كذلك حزام التاج المذهب الذي يحيل على المكانة الاجتماعية العليا، والأصالة، والزخرفة المتداخلة المعقدة، ولمعان اللؤلؤ الذهبي (اللوحة رقم9). وهناك الحزام التاجي المغلق بالخيوط المتشابكة على شكل خيوط الأحذية المترابطة (اللوحة رقم 7). وهذا النوع من التصميم الذي قد يتخذ عدة ألوان حسب ذوق المصمم أو المشتري وحسب اختلاف الفصول. أما الحزام الطويل المتموج في انسيابه وسريانه المائي (اللوحة رقم6) ، فهو أكثر روعة وبهاء وجاذبية. ويستعمل الفنان كذلك في بعض أزيائه المقدمة للعمل المسرحي أحزمة أمازيغية ملونة بألوان معروفة في تراثنا المحلي كالأحمر والأخضر الدالين على الوطنية في تقاطعها مع الموروث الأمازيغي المحلي(اللوحة رقم 14).
الزخارف الصدرية:
نعني بالزخارف الصدرية الأشكال الزخرفية التي تزين صدر الزي، وتجمله قصد إضفاء طابع تشكيلي وجمالي على لوحة الثوب أو الملبوس. وقد وظف عبد السلام بوكلاطة ألبسة بدون زخارف صدرية ، وأخرى اتخذتها كعلامات بصرية للدلالة والديكور والجمال والتسويق. وتتربع هذه الزخارف على جانبي الصدر بشكل متواز وهندسي دقيق. ومن بين هذه الزخارف الصدرية نجد الأنماط التالية:
1- زخارف صدرية نباتية (وردية أو زهرية أو غصنية) كما في اللوحة رقم:7.
2- زخارف صدرية شجرية كما في اللوحة رقم:8.
3- زخارف صدرية ذات المشبك الأمازيغي للدلالة على الأصالة والهوية الحضارية، هذا المشبك هو الذي يعطي الفرادة لهذا الزي والملبوس، ويتمثل في اللوحة رقم:15.
4- زخارف صدرية هندسية مذهبة وهي تحمل دلالات تاريخية تحيل على المجد والسلطة والأبهة والعظمة الملوكية كما في اللوحة رقم:14.
 الأكمام والذيول:
يلاحظ على أزياء الفنان بوكلاطة أنها ذات أكمام وذيول طويلة، وقد زخرفت بأبهى الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية والأحجار الكريمة وبأروع زخارف الشبكة وزعانف الحوت وذيوله المتموجة السابحة كما في اللوحة رقم:17.
 العنق:
يتخذ الطرز العنقي في أغلب الأحيان عند الفنان عبد السلام بوكلاطة طابعا دائريا مزخرفا يشبه شكل المفتاح. وهذا العنق يتميز في لونه عن لون الزي بسمكه وطرزه المتميز بكثافة الخطوط، وارتفاع سمك الخياطة والخرز، ووجود كثرة الأشرطة والخيوط الهندسية المتوازية الدالة على جمال الاتساق، وثراء الانسجام ، وجاذبية المنظر.
تركيب استنتاجي:
يبدو من خلال هذا العرض الوجيز أن عبد السلام بوكلاطة فنان تشكيلي حاذق وماهر يرسم بالخيط والإبرة، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويحمل زيه المطرز كثيرا من الدلالات الفنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.