كان الأمر أشبه بالصدمة التي حلت بالمغاربة لما اكتشفوا أن مياه الصرف الصحي لإحدى المؤسسات السجنية تصب في سد سيدي محمد بن عبد الله، المزود الرئيسي بمياه الشرب لملايين المغاربة في مدن الرباط وسلا والمحمدية والدار البيضاء، ما دفع برئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى تنظيم زيارة رفقة عدد من وزرائه إلى محطة معالجة مياه أبي رقرراق لطمأنة المواطنين. هل يشرب المغاربة من مياه الصرف الصحي؟ على مدى أسابيع شغل هذا السؤال بال ملاييين المواطنين، الذين صدموا لدى علمهم، لأول مرة، بأن ما يخرج من منازلهم أو من أية جهة أخرى كمياه عادمة، قد يعود إلى هذه المنازل عبر صنابير المكتب الوطني للماء والكهرباء، وكذا شركات التوزيع التي تتزود مما ينتجه هذا الأخير. رغم أن المسألة ليست بالأمر الجديد، حيث تصب مياه الصرف الصحي لعدد من المدن الداخلية، ومنذ عقود من الزمن، في مجاري الأنهار والوديان، فإن عموم المواطنين فوجئوا بالمسألة كونهم يكتشفونها لأول مرة. المسؤولون عن القطاع أددوا ألا خطر يتهدد سلامة المياه على اعتبار أن نسبة المياه العادمة تكون شبه مهملة بالنظر إلى الكمية الهائلة التي تضمها الأنهار والسدود، بالإضافة إلى أن هذه المياه تتم معالجتها في أغلب الأحيان قبل وصولها إلى مجاري الماء. وبحسب عبد العزيز الزروالي، مدير وكالة الحوض المائي أبي رقراق، فإن حجم المياه العادمة التي كانت صادرة من سجن العرجات لا تتجاوز في أقصى حد 200 ألف متر مكعب، من أصل 721 مليون متر مكعب، أي أن النسبة 0.0283 بالمائة من إجمالي المياه الموجودة في السد، ما يعني أنها لا تشكل أي خطر على صحة المواطنين، مؤكدا في الوقت ذاته أن تدابير اتخذت لوقف التسرب. كيف تتم المعالجة؟ عبد الرحيم الحافظي، المدير العام بالنيابة للمكتب الوطني للكهرباء والماء، أكد خلال جولته رفقة الصحفيين أن عمليات المراقبة في عموم محطات المعالجة بالمغرب تبدأ انطلاقا من مصدر المياه، والتي تتمثل في الرباط ببحيرة سد مولاي عبد الله حيث يتم التأكد عبر تحاليل خاصة من أن المياه غير ملوثة كيميائيا بشكل أساسي، الأمر الذي يصعب التعامل معه، على خلاف التلوث العضوي (بقايا عضوية) التي يمكن معالجتها في المحطة. بعد جلب المياه تبدأ عمليات التنقية الأولى، يقول المسؤول ذاته، حيث تتم التصفية الميكانيكية لإزالة الشوائب والعوالق، ثم المرور إلى الترشيح باستعمال الرمال الدقيقة، تليها المعالجة الكيميائية للتأكد من خلوها من البكتيريا بشكل نهائي، ليتم بعد ذلك التأكد من الجودة عبر سلسلة من التحليلات المخبرية. هل تضمن عمليات المعالجة سلامة المياه؟ وعن مدى قدرة المختبرات على ممارسة وظيفة الرقابة على ما يشربه المغاربة، أكدت شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء، على أن محطة معالجة المياه تخضع لنظام دقيق للولوج إليها، مشيرة إلى أن جودة المياه المنتجة بها مطابقة للمعايير الدولية، وتمر عبر مختبر يعتبر مرجعا على المستوى الوطني، حيث يتواجد بالمغرب 87 مختبرا جهويا. وأشارت المتحدثة إلى أن المختبر يتوفر على كفاءات جيدة جدا وله تقنية عالية وحاصل على علامة "ايزو" للمختبرات التي تتمتع بمصداقية، نظيفة بالقول: "ممكن أن نقبل كل شيء إلا الإضرار بسلامة المواطنين، لذلك جودة المياه هنا مضمونة وتتوفر على المعايير الوطنية". العثماني يطمئن: كلنا نشرب من الصنبور ذاته رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أكد خلال الزيارة أن كل الإشاعات حول عدم سلامة مياه الشرب المنتجة انطلاقا من سد سيدي محمد بن عبد الله بالرباط غير صحيحة، مؤكا أنه شخصيا، في منزله، يشرب ماء الصنبور، كاشفا أن عدد من الوزراء أكدوا له أنهم يقومون بالشيء نفسه.