القدرات اللوجستية المتقدمة للمغرب عززت إشعاعه على الصعيد الدولي (نائبة سابقة للرئيس الكولومبي)    ثقة الأسر تسجل التحسن في المغرب    سعر صرف الدرهم يرتفع أمام الأورو ويتراجع مقابل الدولار    الشرع: الاستقواء بالخارج يفاقم الأزمة    المغرب واليونسكو يعلنان عن تحالف جديد لتعزيز التنمية في إفريقيا عبر التعليم والعلم والثقافة    فرحات مهني: النظام الجزائري يحوّل تالة حمزة إلى قاعدة عسكرية ضمن مخطط لاقتلاع القبائل    وزان يفشل في اجتياز الفحص الطبي للانتقال إلى نادي ريال مدريد    موجة حر شديدة تضرب مناطق واسعة من المغرب يوم السبت    "واتساب" يساهم في إبعاد وليامس عن "البارصا"    لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية تكشف عن مشاريع الأفلام المرشحة للاستفادة من الدعم            ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة    فيلدا: جاهزون لكل السيناريوهات في نصف نهائي الكان    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    إصابة 19 شخصا في حادث ألعاب نارية خلال مهرجان شعبي بألمانيا    76 في المائة من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة    كيوسك السبت | المغرب الأفضل بشمال إفريقيا في مؤشر الحرية    أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    محمد المهدي بنسعيد    أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    المهدي حيجاوي    اعتقال مغربي مطلوب دوليا على متن سفينة بين مالقة ومليلية    القوات الملكية الجوية تنفذ عملية إنقاذ ناجحة لمواطنين فرنسيين على متن زورق شراعي قبالة أكادير        أنفوغرافيك | ⁨جامعة محمد الخامس تقود سفينة البحث العلمي في المغرب خلال 2025⁩    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المنتخب المغربي يعبر لنصف النهائي بفوز مقنع على مالي    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    استئناف موسم صيد الأخطبوط بالمغرب    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    فتاح العلوي: مونديال 2030 فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي كبير    سائقو النقل بالتطبيقات يطالبون بترخيص السيارات المستعملة عبر دفتر تحملات    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات    أخنوش: تنظيم مشترك لكأس العالم 2030 يسرع التحول الاستراتيجي للمغرب        الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي    "أطاك" تستنكر الإعتداءات على المهاجرين المغاربة بإسبانيا وترفض تحويل المغرب "لشرطي حدود"    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التناوب.. بقايا حلم متروكة للتاريخ
نشر في اليوم 24 يوم 27 - 03 - 2018

"التعثر، الكبح، التراجعات، الضبابية.." كلمات تلخص النفس الذي ميز ندوة نظمتها: "مؤسسة عبدالرحيم بوعبيد"، وجمعية "المشروع الجديد" أول أمس، في المكتبة الوطنية حول: "ماذا بقي من التناوب؟". الندوة طرحت أبرز إيجابيات ونقائص التجربة ومستقبل المغرب بعد 18 عاما على مرورها بمشاركة مجموعة من وزراء التناوب السابقين منهم: محمد اليازغي، سعيد السعدي، إسماعيل العلوي، محمد الأشعري وعبدالله ساعف.
حسن طارق، الذي سير الجلسة الأولى للندوة، نبه إلى أن الهدف من اللقاء ليس الإغراق في "تبادل أحكام القيمة" حول تجربة هي جزء من تاريخنا السياسي، وتابع قائلا: "لا نريد تناول التناوب بمنطق التبخيس أو التمجيد" أو كلحظة للمقارنة مع التراجعات، أو كجزء من متتالية من الخيبات في الحياة السياسية، وقدرية الفشل الجماعي، بل "أن نتوجه نحو المستقبل"، لكن يبدو أن المداخلات فيما بعد اتجهت إلى محاسبة التجربة وانتكاساتها، أكثر مما أثارت الدروس الممكن استخلاصها منها في المستقبل.
أما محمد الأشعري، وزير الثقافة في حكومة التناوب، فاعتبر أن التناوب "وصف ملتبس"، لوضع يجمع نقيضين هما إرادة صناديق الاقتراع من جهة، والسلطة التي استبدت بالحكم لعقود من جهة أخرى. كان الأهم، يقول الأشعري هو طَي صفحة الماضي بأثقاله وعقده. فسياق التناوب تميز من جهة بمعطيات موضوعية تمثلت في القبضة الحديدية للسلطة، وأيضا بزخم نضالي شاركت فيه القوى السياسية والنقابات والحقوقيون "ردا على حملات الاعتقال والنفي ومصادرة حرية التعبير والطرد من العمل وتزوير الإرادة الشعبية، وتحويل البلاد لبقرة حلوب لفئة من المتنفذين".
هكذا تم التمهيد للتناوب بمجموعة من الخطوات الأولى مثل عودة المنفيين والإفراج عن المعتقلين وانتخابات "نزيهة نسبيا"، وهو"توجه استراتيجي فتح باب التحول العميق لأول مرة في المغرب المستقل" بالحوار والتفاوض وتجنب التأزيم والصراع، وباعتماد التوافق عِوَض الانتقالات الحاسمة. وهنا يعترف الأشعري أن ما حصل من توافق "كان أقل من طموح المغاربة الذين انتظروا عقودا صابرين من أجل التغيير. لهذا اعتبر البعض أن الديمقراطية لا تقبل التدرج والتوافق، وهناك من اعتبر أن "التوافق في حد ذاته عائق بنيوي نحو الديمقراطية". وللتقليل من التوجسات "كان يجب أن ينزل الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي ليؤمن ثقة الناس في مغرب جديد".
هذا التحول أدى إلى انبثاق عهد جديد فتح تفاؤلا لدى المغاربة بشكل عميق. وحدث تغيير وإصلاحات وعادت الثقة للعمل السياسي. وحصل إحساس بأن التناوب "ليس تحايلا لتغيير موازين القوى، بل هو عمل منتج لصالح المستقبل".
ثم جاءت تجربة "الإنصاف والمصالحة" لتعزز الشعور المشترك "بأننا في طريق متصاعد نحو مزيد من الإصلاحات والديمقراطية، وساهم انبثاق خطاب جديد حول المفهوم الجديد للسلطة، وتبني الديمقراطية، ومحاربة الفقر في هذا التوجه.
وفي20 فبراير 2011 خرج الشباب معتقدين أن الإصلاح ممكن. لهذا يقول الأشعري: "لم يطلبوا إسقاط النظام، وإنما طالبوا بالملكية البرلمانية ومحاربة الفساد". وجاء الدستور الجديد "قبل أن نبدأ في التراجع شيئا فشيئا".
وطرح الأشعري عدة تساؤلات في هذا الإطار: هل نجحنا في تحقيق الدولة الديمقراطية الحديثة؟ ولماذا تبدو الحياة السياسية أعقد بكثير من طموحنا للحداثة والديمقراطية؟ وهل ابتعدنا عن المغرب المعطوب الذي يتجه للسكتة القلبية؟ ولماذا تتوسع الفوارق الاجتماعية ويزداد عدد الفقراء مقابل جشع الأغنياء؟ ولماذا تتسع التعبيرات الاجتماعية؟ وهل ممكن أن تتقدم السياسة بمعزل عن رفع الظلم عن الناس؟ أسئلة بقيت معلقة رغم أنها تحمل أجوبة في طياتها.
أما عبدالرحمان العمراني، الأستاذ الجامعي والبرلماني الاتحادي السابق من جهته، فقدم عدة ملاحظات عن التناوب وصفها بأنها "تأمل خافت بصوت مرتفع".
بالنسبة إليه"التناوب ليس معزولا عن الانتقال"، وأن الجيل الذي عاش التناوب تصوره "كمرحلة قصوى في الانتقال". ولهذا يرى أنه يجب ألا نتحدث عن المنجزات على أهميتها، بل الأهم هو الخلاصات والدروس للمستقبل.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بمقارنة الانتقال في المغرب بتحارب أخرى دولية وما هو المشترك والفرق بينها، أو ما سمّاه "العام والخاص"، مثل تجربة إسبانيا واليونان والبرتغال ودوّل أمريكا اللاتينية.
القاسم المشترك مع المغرب هو تفجير اهتمام الجماهير بالشأن العام، والقطع مع الرتابة السياسية. التناوب جعل المغاربة يقتنعون بأن السياسة يمكن أن تخلق الفرق. لكن ما يميز التجربة المغربية هو "الكبح والتعثر"، وبدا ذلك واضحا سنة 2002، بالتراجع عن المنهجية الديمقراطية. "لهذا فإن التجربة لم تحقق القطائع التي انتظرنا منها"، يقول العمراني، وبدأ شعور بعودة الأمور إلى حالها.
لماذا حصل هذا التعثر؟ يجيب العمراني أن هناك من يحمل المسؤولية لما هو بنيوي، وهناك من يحملها للفاعلين، خاصة بعد التعثر سنة 2002.
وهناك من يحمل المسؤلية لما يُوصف بالجهاز الإداري أو الدولة العميقة، ولكن هذا الرأي"يقود للقدرية السياسية، ونكران إمكانية التغيير عبر السياسة". إنه موقف غير صحيح، يقول العمراني، لأنه يؤدي إلى القول بأن التغيير غير ممكن بالسياسة. ولهذا يركز على العوامل الذاتية. من جهة، هناك "ضعف العصبية السياسية" خلال التناوب، بحيث نسي الناس أنهم أحزاب وتنظيمات، ووراءهم مناضلين، وجمهور، ووقع نوع من "التماهي غير الضروري" مع الدولة، خاصة من جانب الوزراء، مع استثناءات قليلة.
أيضا بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي، في مرحلة ما، تبين أنه "يمارس سياسة غير اشتراكية"، ولم يوضح ذلك بما يكفي، خاصة دفاعه عن الخوصصة، ما أربك الرأي العام. لكن هناك أسبابا ذاتية أخرى وصفها ب"مرض اليسارية الطفولي" في الصحافة، من خلال ما وصفه ب"النبش في الماضي البلانكي".
أيضا تعرضت التجربة للنيران الصديقة من مكونات التحالف، خاصة مع اقتراب نهاية التجربة الأولى، فضلا عن دور الإدارة الترابية.
الممارسة لم تتغير
أما علي بوعبيد، رئيس مؤسسة عبدالرحيم بوعبيد، فاعتبر أن العنصر الأساس، في تقييم التناوب هو كيف مرت التجربة ما بين 1998 و2002، بغض النظر عن طرح سؤال، هل كان ملائما الانخراط في التناوب؟ ويجيب أن اختيار المشاركة في التناوب "كان مهما"، لكن كيف تم تصريف المشاركة في الحكومة؟ هذا هو السؤال؟ أي إلى أي حد استطاعت الإصلاحات السياسية والدستورية أن تفرز ممارسة سياسية ترقى إلى مستوى النصوص وإلى تطلعات المغرب، وتحسم مسألة الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية؟
المفارقة هي كيف وصلنا بعد الإصلاحات التي تمت بتوافق، إلى مشهد سياسي مبلقن يستجيب لرغبات كل الأطراف، لكنه عاجز عن فرز أغلبية تقود الإصلاحات، "مشهد كأنه محفز لخدمة المسارات الشخصية في غياب الانخراط في مبادرة جماعية للإصلاح". بالنسبة إلى بوعبيد، فإن نفس المنطق والحدود لازالت موجودة إلى اليوم. فرغم "دستور2011 المتقدم جدا"، إلا أن الممارسة لم تتغير، "النص تغير والممارسة لم تتغير".
من جهة أخرى، تحدث جليل طليمات، اليساري الاتحادي، بدوره عن الآمال التي فتحتها تجربة التناوب، بعد انسداد الأفق الديمقراطي، والتي التف حولها المثقفون،"لكنها انطلقت حاملة بذور فشلها" لأن "إرادة الدولة لم تكن لها إرادة الأحزاب"، والتناوب تم تحت ضغط البحث عن قوى لها مصداقية لتمهيد طريق لانتقال العرش، ولم تكن هناك إرادة للنظام نحو الديمقراطية . هكذا بقي الانتقال "معلقا"، ودخلت تجربة التناوب منطق التدبير بدون مشروع ديمقراطي، وتابع قائلا إن التناوب يعد "تجربة مغدورة من الدولة، ومن قوى مجتمعية"، لهذا تم في2002 ، إغلاق القوس. وفي 2008 تم خلق حزب جديد لضبط الأمور، (البام) وعدنا بملكية تنفيذية مفرطة، مقابل قوى مشتتة.
خطورة الملكية التنفيذية
نجيب كديرة، مستشار سابق في ديوان اليوسفي، تحدث بامتعاض عن التجربة. وفي هذا الصدد يتذكر قصة معبرة عاشها في ديوان اليوسفي، يقول "كنت كما لو أنني في قاعة انتظار"… كان عندي ملف فساد وأعطيته لمسؤول يهم شخصا له علاقات واصلة مع الحكم المدني والعسكري، لكن لم يتحرك شيء لأنه "لم تكن لنا الجرأة"، ويروي أنه تم وضعه تحت التنصت.
وكان رفاقه يقولون له: "تكلم بهدوء هناك تنصت علينا".
وحسب كديرة، فإن الحسن الثاني كان يعرف مصيره، ولهذا رغب في انتقال الحكم بعده، وهذا ليس سلبيا لكن "هل عرفنا كيف نحلل الوضع لتقديم مشروعنا؟". طموحاتنا كانت مرتفعة، ولم تكن لنا التجربة. ويضيف كديرة، بحسرة، "لقد تم استعمالنا"، لأننا اعتقدنا أننا دخلنا في مرحلة تغيير، لكن في الواقع كانت هناك "رغبة في تطويع الاتحاد"محذرا من أن العملية نفسها تجري اليوم، مع البيجيدي". واعتبر كديرة أن هذه سياسة "سيئة" من جانب السلطة، لأن "المجتمع يتغير ومنهجية الملكية التنفيذية خطيرة على المغرب"، مضيفا "لا خيار غير الملكية، لكن على الملكية أن تراجع نفسها"، داعيا إلى "ميثاق جديد بين المجتمع والملكية حتى لا نسير في المغامرات".
خطر زواج السلطة بالمال
سعيد السعدي، الوزير السابق في حكومة التناوب، أثار الأزمة التي أثيرت بسبب خطة إدماج المرأة في التنمية التي طرحها في بداية التناوب. كانت تلك "تجربة مهمة"، أظهرت حدود ما يمكن القيام به في إطار مؤسساتي معين. مثل هذه القضية كانت تتطلب دعما قويا وتوافقا مع المؤسسة الملكية، لكن سيظهر بعد انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس كيف تم التقاط هذا الملف، وكان الأمر إيجابيا. يتذكر السعدي أن الخطة كان منصوصا عليها في البرنامج الحكومي، وصادق عليها مجلس وزاري، ومع ذلك تم التصدي لها.. وبخصوص الإشكالات التي تعوق نهوض المغرب، يرى الوزير السابق أن المشكل في المغرب هو أن القرارات الاستراتيجية توجد بيد الملك، وخاصة في المجال الاقتصادي وأن الحل هو الملكية البرلمانية، ليكون القرار الاقتصادي بيد الحكومة إن أردنا عودة السياسة. ثانيا، يعتبر ان أسوأ أنواع الريع يوجد في المغرب وهو "زواج الثروة بالسلطة"، فهذا "أكبر عائق في الاقتصاد المغربي، وكل من ليس له ارتباط مع الدولة لا يستطيع التقدم في الاستثمار وخلق فرص الشغل". يقول السعدي: "إن لم نكسر الزواج الكاثوليكي بين السلطة والمال لن نذهب بعيدا"، مشيرا إلى دراسات حديثة في تونس ومصر والمغرب تظهر كلفة هدا النوع من الريع.
التقنوقراط حاربوا التناوب
عبدالله ساعف، الأستاذ الجامعي والوزير في حكومة التناوب قدم من جهته قراءته للتجربة، رافضا الحكم على التناوب بالفشل. التناوب بالنسبة إليه لا يمكن فصله عن النقاشات الفكرية والإيديولوجية، خاصة وسط اليسار، بشأن موضوع المشاركة السياسية بين من مع ومن ضد العمل من داخل النظام. قرار المشاركة في حد ذاته يعني وجود "مراهنة، ومخاطرة"، لهذا لم يكن هناك ادعاء بالإصلاح الجذري، بل كانت هناك مخاطرة بالمشاركة.
وبخصوص دور التناوب في عودة السياسة، يلاحظ ساعف أنه اعتقد بداية أن التناوب أدى إلى عودة السياسي للقيادة، لكن أقر بأنه كان على خطأ لأن التقنوقراط شكلوا قاعدة اجتماعية وانتقموا من تجربة التناوب، وقال: "لقد أتيحت لي فرصة تابعت فيها كيف كانوا يضربون حكومة التناوب بحقد.. ويعملون ضد الأحزاب اليسارية".
المستقبل ضبابي وسيئ
محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي والوزير في حكومة التناوب، قدم تقييما لتجربة التناوب وأثرها على الواقع الحالي. بدأ كلمته بالتساؤل، لماذا اختار الحسن الثاني الاحتفاظ بإدريس البصري، رغم أنه كان مسؤولا عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعن وتزوير الانتخابات منذ 1976، كما احتفظ بوزير الأوقاف العلوي المدغري، الذي وصفه ب"العالم الوهابي"، الذي أرسل1000 طالب لجامعة أم قرى في الرياض. للإجابة عن هذه الأسئلة قال اليازغي إن الحسن الثاني لم تكن له ثقة في قيادة الاتحاد، أي في اليوسفي. هكذا استطاع البصري منع اجتماع أمنيستي في المغرب وعرقل لقاء اليوسفي بالعمال والولاة، وبعد إلحاح اليوسفي وتدخل الحسن الثاني، أصر البصري أن يكون الاجتماع بمقر الداخلية. ورغم أهمية خطاب اليوسفي في الاجتماع أعطى وزير الداخلية الأمر ألا يشارك أي والي أو عامل في النقاش،"وتحدث شخص واحد بخطاب خشبي".
ويذكر اليازغي أنه كوزير لإعداد التراب حينها، أعطى البصري أمرا للولاة والعمال لعدم المشاركة في الحوار الوطني حول إعداد التراب.
وبخصوص وزير الأوقاف، فإنه لما اقترح السعدي خطة إدماج المرأة، جمع المدغري العلماء وقرروا رفضها. حينها اقترح اليوسفي على الملك تشكيل لجنة، وفي هذا السياق يقول اليوسفي "الملك تحفظ أن يجمع اللجنة واحتاج الوزير الأول لإقناعه". وهي اللجنة التي ترأسها بداية إدريس الضحاك، ثم امحمد بوستة.
لكن من جهة أخرى، يقول اليازغي "من واجبنا أيضا أن نقوم بنقد ذاتي"، وهنا يعترف بعدة أخطاء: منها إعطاء الحكومة الأولوية للتوازنات الاقتصادية، على حساب الجانب الاجتماعي، وفشل الحكومة في إنجاح ميثاق حسن التدبير لإصلاح الإدارة ومحاربة الفساد، وعدم تشريع
الإصلاح الدستوري، وتابع: "كان من الممكن أن نطرح الإصلاح الدستوري مع صعود الملك محمد السادس". أما بخصوص الكتلة، فقد "تفككت اثناء التناوب وهذا جعل المراحل المقبلة صعبة". وبعد انتخابات 2002 أصدر الاتحاد الاشتراكي بلاغا في 5 أكتوبر رفقة حزب الأحرار يدعو إلى تشكيل حكومة منسجمة، فيما حزب الاستقلال جمع قياديي أحزاب البيجيدي والاتحاد الدستوري والحركة وقالوا، إن باستطاعتهم تشكيل الحكومة "ما سهل التخلي عن المنهجية الديمقراطية".
ومع ذلك اعتبر اليازغي أن حكومة اليوسفي أدخلت المغرب مرحلة انتقال ديمقراطي نعيشه إلى اليوم، لا يقل أهمية عن تجارب اليونان وإسبانيا، مع فرق يكمن في أن التجربة المغربية تمت بالتوافق مع الملكية. في هذه المرحلة عرفت بلورة "عهد المواطنة وإنهاء عهد الرعية"، وحصل اتساع في الحريات الفردية والجماعية. لكن ماذا عن اليوم الآن؟ وأين نتجه في المستقبل؟ حسب اليازغي، لما هبت رياح الربيع العربي وخرجت حركة 20 فبراير كان المغرب هو الوحيد الذي فيه هياكل إيجابية بسبب دخوله الانتقال الديمقراطي، لهذا كان الملك والأحزاب والنقابات جميعا مع 20 فبراير، لكن انتخابات 2011 و2016 أدخلت الانتقال غرفة الانتظار، وأضاف: "أنا متشائم من المستقبل". متحدثا أن إضعاف الأحزاب أدى إلى هذا الوضع، معبرا عن تشاؤمه من إمكانية أن تنهض من جديد وتضع ميثاقا جديدا مع الملكية. بالنسبة إليه فقد غابت آليات التحديث وهي الأحزاب كما أن "تجذر الحركات الأصولية لا يساعد على تسريع التحديث"، وكل هذا لا يساعد على التنبؤ بما سيحصل، يقول اليازغي "هناك ضباب في المستقبل"، متسائلا "هل ستظهر حركات داخل المجتمع؟ لقد ظهرت في الريف وجرادة وزاكورة، لكن الجميع يتفرج عليها أحزاب وحكومة. كيف نفسر هذا؟ لا يجيب اليازغي عن السؤال، مكتفيا بالقول: "إنه وضع سيئ". التقييم نفسه عبر عنه إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية والوزير السابق، حين عبر عن مخاوفه من المستقبل قائلا: "أظن أن المستقبل غير مشرق، والحالة غير مرضية، وإذا لم نتحرك ليصبح مشرقا، فقد يتحول إلى ما لا تحمد عقباه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.