أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كريم العمراني.. «مانادجر» الحسن الثاني الذي ترأس 6 حكومات
نشر في اليوم 24 يوم 24 - 09 - 2018

«لقد كان الفقيد الكبير من الوطنيين الصادقين المتشبثين بثوابت الأمة ومقدساتها، والعاملين بكل إخلاص ونكران ذات واجتهاد في خدمة وطنهم. فتقلد أكبر المسؤوليات في عهد والدنا المنعم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، مستشارا لجلالته ووزيرا أول، ومديرا عاما للمكتب الشريف للفوسفاط، ومؤسسا للعديد من المؤسسات الاقتصادية المغربية، مبرهنا خلال قيامه بما تقلده من مهام عن كفايته وتبصره، وحنكته كرجل دولة ورجل اقتصاد مشهود له ببعد النظر وثاقب الفكر».
هكذا كتب الملك محمد السادس معزيا أسرة الراحل محمد كريم العمراني، قبل أن يحف جنازته التي جرت أول أمس بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، بعناية خاصة، تمثلت في حضور يتقدمه الأمير مولاي رشيد. جل الوجوه الأخرى التي كانت تطلّ على قبر الراحل لحظة دفنه، مصطبغة بالحزن كما بدا صلاح الدين مزوار، أو مرتلة الآيات القرآنية بخضوع كبير كما ظهر على محيا إدريس جطو، أو ملتحفا بصمت وهدوء كما كان المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري؛ (جل تلك الوجوه) وغيرها من الأسماء التي هيمنت على الواجهة في العقود الثلاثة الماضية، تخرّجت من مرحلة تولي كريم العمراني ترؤس آخر حكوماته، في النصف الأول من التسعينيات.
فإدريس جطو الذي يتولى حاليا رئاسة المجلس الأعلى للحسابات قادما من مهام رسمية كبرى مثل الوزارة الأولى، كان قد تسلم مهامه كوزير للتجارة والصناعة في حكومة كريم العمراني، ومنذ ذلك الحين وهو في صعود دائم. والمستشار الملكي الذي أشرف على المشاورات السياسية لإخراج أول دستور في عهد الملك محمد السادس، محمد المعتصم، كان قد حمل حقيبة وزارة العلاقات مع البرلمان في حكومة عبد الكريم العمراني من 1993 إلى 1995. وإمبراطور الهاتف والأنترنت في المغرب، عبد السلام أحيزون المتربع على رأس اتصالات المغرب، والذي حضر مراسيم الجنازة أول أمس مرتديا قبعته المستديرة ومواليا لقاءاته مع مستشاري الملك وباقي رجالات الدولة، كان في منتصف التسعينيات أصغر وزير في حكومة كريم العمراني. بل إن جل الوجوه التي قادت مرحلة انتقال العرش ورافقت عهد الملك محمد السادس إلى اليوم، بمن فيهم خليفة العمراني على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، هم نتاج لمرحلة بداية التسعينيات ومجموعة g14 التي أحدثها الحسن الثاني محاولا جمع ما أنفلت من قبضته السياسية الخانقة من عقول وكاريزمات يمكنها تجنيبالمملكة خطر «السكتة القلبية».
محمد كريم العمراني هو حالة خاصة واستثناء في كل شيء، جاور الملك الحسن الثاني ورافقه في جل سنوات حكمه، لكنه لم ينحدر من أي من الفئات الأساسية التي جاءت منها نخب الحسن الثاني. فالرجل لم يعرف عنه أي انخراط أو تقارب مع الحركة الوطنية رغم انتسابه إلى فاس، معقل القيادات الوطنية البارزة خلال فترة الحماية، كما لم يتسلّق كريم العمراني سلّم الصعود مستفيدا من انتمائه العائلي أو تكوينه الأكاديمي أو تجربته الأمنية أو العسكرية. فالرجل كما يقول مجايلوه، لم يحصل على شهادة البكالوريا رغم بلوغه المستوى الدراسي الذي كان يؤهله لاجتيازها، كما ينتمي إلى أسرة فاسية متوسطة. سرّه الوحيد يكمن في شطارته التجارية التي جعلته ينتبه إلى ما يشبه ظاهرة رواج الهواتف المحمولةفي عصرنا الحالي، حيث توجّه نحو سوق أجهزة الراديو، مستفيدا من قدرة شرائية مريحة في صفوف المعمرين الفرنسيين، خاصة حين انتقل رفقة أسرته نحو مدينة الدار البيضاء، ملتقى جل الأنشطة الاقتصادية الصاعدة والنخب التجارية، الفاسية منها والفرنسية.
الشفرة الثانية في سرّ صعود كريم العمراني، هي الفوسفاط. مصدر خبر المسار المتعرّج للثروة الفوسفاطية بالمغرب، حكى ل»أخبار اليوم» كيف أن خبرة رجل اسمه كريم العمراني، على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، هي ما أوصله إلى الوزارة الأولى بداية السبعينيات. العمراني الذي بدأ مساره سنة 1957 مكلفا بالمكتب الشريف للفوسفاط في ديوان وزير الاقتصاد الوطني والمالية، عيّن سنة 1958 مديرا للمكتب الشريف للفوسفاط بالنيابة، ثم مديرا عاما له في سنة 1967، موازاة مع تعيينه مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. ما جعل قطاع الفوسفاط أكثر من قطاع اقتصادي منجمي، بل مجالا سياديا يرتبط مباشرة بقمة هرم السلطة: الملك.
مسار حياة كريم العمراني يكثّف الكثير من عناصر النجاح التي يكفي واحد منها فقط لفتح طريق المجد، بينما اجتمعت له من ذكاء وتواضع وشطارة في التجارة وقدرة على فهم الملفات الكبرى وتدبيرها، علاوة على عنصر حاسم، هو الحظ. فخلال الفترة التي تولى فيها المسؤولية على الذراع الفوسفاطي للمملكة، كانت هذه المادة الطبيعية سهلة الاستخراج، تتحوّل إلى ذهب في الأسواق العالمية. أسباب تلك الطفرة التاريخية في أسعار مادة الفوسفاط في الأسواق العالمية ابتداء من الستينيات، تفسرها أزمة مناخية ضربت عددا من كبريات الدول الآسيوية، في مقدّمتها الهند، وأدخلتها في سنوات من الجفاف الحاد، مما رفع من طلبها على مشتقّات الفوسفاط من موادّ التسميد. معطيات تكشف البوادر الأولى للهدية التي سيتلقاها الملك الراحل وهو يحاول الخروج من أزمته السياسية التي بدأها سنة 1965 بإعلان حالة الاستثناء، وتعمّقت بالمحاولتين الانقلابيتين ل1971 و1972، وأحداث 1973. وكما لو أن شفرة المغرب في هذا المجال اسمها كريم العمراني، ظل هذا الأخير محتفظا بإشرافه على المكتب الشريف للفوسفاط حتى عندما عيّن على رأس الوزارة الأولى. إشراف استمر خلال الفترة التي جاء فيها صهر الملك، أحمد عصمان، ليرأس الحكومة بأغلبية مريحة ستتحوّل إلى حزب اسمه التجمّع الوطني.
رغم الصعوبات والأزمات التي عاشها المغرب، وما فاقمها من تداعيات حرب الصحراء وبرنامج التقويم الهيكلي الذي فرض على المغرب ونفذه كريم العمراني في الثمانينيات، إلا أن التصريحات الرسمية كانت تردد بأن كل مغربي سيستفيد بعد هذه الطفرة من مكتسبات جديدة وسيعيش في رفاهية نتيجة مداخيل الفوسفاط لوحده، وكان هناك تفاؤل مبالغ فيه، باعتبار أن صادرات الفوسفاط ستوفرّ دخلا فرديا لكل مغربي يجعله في منأى عن الأزمات والفقر والحاجة.
هذه الإمكانات المالية الاستثنائية التي وضعتها عائدات تصدير الفوسفاط بين يدي الملك الراحل الحسن الثاني، لم تغيّر من قناعاته الفكرية والسياسية والاقتصادية، وبدل التأسيس لبنية اقتصادية صناعية حقيقية، كانت تلك العائدات تصبّ في صناديق الدولة وتغطّي نفقاتها الخاصة، فتقوّت أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وتأسست مراكز جديدة للريع الاقتصادي العمومي عبر تفويت بعض القطاعات ودعم اللوبيات الحليفة للدولة (كريم العمراني وحده كان يقود في إحدى المراحل حوالي 300 مقاولة وشركة في ملكيته).
الدراسة التي أنجزتها أستاذة العلم السياسية، أمينة المسعودي، حول وزراء المغرب، تقول إن الأصل الفاسي الذي يتميز به محمد كريم العمراني، كان الأكثر حضورا في منصب الوزير الأول في الفترة التي شملتها الدراسة، أي إلى غاية 1985. وإجمالا، فإن عائلات كبرى مثل عائلة الطعارجي في مراكش وعائلة الخطيب في تطوان وعائلة بركاش في الرباط وأيضا عائلات باحنيني وبلافريج والشيكر والعمراني، كانت بمثابة عائلات حاكمة من الوزراء وخاصة في القرن الماضي، حيث تركت شخصيات منها بصمات في الهندسة الوزارية للحكومات المغربية المتعاقبة وخاصة محمد كريم العمراني الذي تولى منصب الوزير الأول على رأس ست حكومات.
الصحافي العراقي المشهور بتخصصه في أخبار المشاهير، والذي اختار المغرب لإقامته الدائمة، كان قد كتب في أحد مقالاته في جريدة «الأسبوع»، ملخصا لما عرفه عن الراحل كريم العمراني. «تعرفت عليه في أحد أيام ربيع 1981 في بيت صديق عمري المرحوم أحمد بنسودة، الذي كان يومها مستشارا لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيب لله ثراه»، يقول رمزي صوفيا في مقاله المنشور سنة 2014. من خلال تلك الجلسة، يقول الصحافي العراقي-المغربي إنه وجد كريم العمراني شخصا لطيفا جدا بالغ الذكاء. «والغريب أن أي شخص يجالس محمد كريم العمراني من الوهلة الأولى، يعتقد بأنه رجل بسيط، ولكنني عندما خضت في الحديث معه اكتشفت أن له عالما خاصا من الأرقام، حيث كان أول انطباع أخذته عنه هو اطلاعه الكبير واللامحدود على كل معاملات البورصات والشركات والمؤسسات العالمية وليس المغربية فقط، ناهيك عن كونه سياسيا محنكا ورجل دولة قوي الشخصية».
من جانبه، القيادي الاتحادي المخضرم، محمد الحبابي، قال في استجواب سابق له مع الزميلة «المساء»، إنه وأثناء مفاوضات الاتحاديين مع الحسن الثاني لمحاولة إدخالهم إلى الحكومة في بدية السبعينيات، «عرض علينا صيغتين: إما أن يقود الحكومة وزير أول من الكتلة الوطنية وإما أن نشارك فيها تحت قيادة كريم العمراني؛ ولم نرفض الصيغتين لأننا كنا نعتبر أن كريم العمراني قريب منا، بل إننا نحن الاتحاديين من سهل اقترابه من القصر». الحبابي يضيف متحدثا عن كريم العمراني، ليصفه بكونه «إنسانا عصاميا، كون نفسه في عدة مجالات، وأساسا في مجال المال والأعمال وتسيير المقاولات. وكان كريم العمراني قد وصل إلى مستوى الباكلوريا في بداية الخمسينيات، وقد كانت للباكلويا آنئذ قيمة مهمة؛ فمن بين كل الذين اجتازوا امتحان الباكلوريا برفقتي لم ينجح إلا 12 طالبا. من ناحية أخرى، ربط كريم العمراني علاقات متميزة قبيل الاستقلال مع رجال الأعمال الفرنسيين، وعلى رأسهم لوران كريز الذي كان رئيس الباطرونا الفرنسية في المغرب، وكان صديقا لكريم. وشيئا فشيئا أصبح كريم العمراني رجل أعمال وهو لا يزال بعدُ شابا.
وعندما تم تعيين عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد الوطني والمالية، قررنا مغربة المكتب الشريف للفوسفاط، حيث طلب مني عبد الرحيم بوعبيد أن أقترح عليه شابا مغربيا تكون له علاقات متميزة برجال الأعمال الفرنسيين، ليكون عيننا في «L'OCP» ثم يتدرج إلى أن يعوض المدير الفرنسي جاك أندري بوندون الذي بقي على رأس»L'OCP» من 1944 إلى 1958».
الحبابي يحكي كيف انتقل إلى الدار البيضاء لملاقاة كريم العمراني، «وكان حينها رجل أعمال مبتدئا، وعرضت عليه الأمر فقبل. ثم ذهبت إلى المدير جاك أندري بوندون، بصفتي مديرا لديوان وزير الاقتصاد، وطلبت منه أن يشغل كريم العمراني في الكتابة العامة، فأعطاه مكتبا مجاورا للكاتب العام الفرنسي. اشترطت على كريم ألا يتصل بي إلا بعد شهر منالعمل. وقتها لم يكن يشتغل في إدارة المكتب الشريف للفوسفاط غير موظفين مغربيين اثنين، أحدهما كان مؤذنا بمسجد في حي يعقوب المنصور بالرباط، وكانت له مشاكل مع الإدارة؛ والثاني كان «شاوش». المهم أن الكاتب العام للمكتب الشريف للفوسفاط، الذي كان يكره الوطنيين ويعتدي عليهم، عندما كان في خريبكة، أهمل كريم العمراني ولم يكترث لوجود ولم يسند إليه مهام ذات بال. بعد أقل من شهر، توجهت إلى المدير بوندون وقلت له: يجب أن تغير الكاتب العام». رغبة سوف تتحقّق، لكن المسؤول الفرنسي ترك كريم العمراني دون مهمة ولا ملفات، وهو ما تطلّب تدخلا آخر من عبد الرحيم بوعبيد، والذي أمر بتمكين العمراني من صلاحياته كاملة. صراع انتهى باستقالة المدير الفرنسي، وتعويضه بمحمد الغزاوي، لكن كريم العمراني بقي منذ ذلك الحين العين الساهرة الحقيقية على شؤون مكتب الفوسفاط. إشراف سوف يرسّم سنة 1967، أي خلال مرحلة الاستثناء، ليبقى على رأس المكتب الشريف إلى غاية 1990، ما جعله في فترات قيادته للحكومات، الرجل الماسك بجميع الخيوط الاقتصادية للمملكة.
العمراني المزداد في فاتح ماي 1919، عيّن ثلاث مرات كوزير أول في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لكنه أشرف على ست حكومات، بالنظر إلى التعديل الحكومي الذي يقضي العرف المغربي بإجرائه في منتصف كل ولاية حكومية. المرة الأولى التي عيّن فيها كانت في 6 غشت 1971 إلى 2 نونبر 1972، أما الثانية فكانت في نونبر 1983 والثالثة في غشت1992، حيث بقي وزيرا أولا إلى غاية 1995، حين تم تعيين عبد اللطيف الفيلالي على رأس الحكومة.
الصحافي رمزي صوفيا المتخصص في مواضيع المشاهير، يقول في مقاله حول العمراني إنه كان يهتم أكثر بمعرفة أسرار نجاح العمرني كرجل أعمال أكثر منه كوزير أول. «ذات مرة سألته: ألاحظ أنك تستثمر في السيارات وفي العقار بشكل خاص؟ وقبل أن أكمل سؤالي، قال لي مبتسما: أنا بطبعي رجل فلاح رغم إقامتي في المدينة بحكم أشغالي، لهذا فإن نقطة ضعفي الكبرى هي اقتنائي للأراضي الفلاحية الشاسعة حتى يمكنني الاستثمار فيها باعتبار بلدي هو بلد فلاحي بالدرجة الأولى، وأن ما لا يأتي من الأرض لا يمكننا الحصول عليه من جهة أخرى، فالخيرات كلها من الأرض. ثم واصل كلامه قائلا: أما عالم السيارات الذي أستثمر فيه بتركيز وبرأسمال هائل، فإنه يشكل المستقبل الواعد الذي سيمكنني منتشغيل الآلاف من أبناء وطني، فالسيارة هي العمود الفقري للحياة داخل المدن وخاصة الكبرى، كما أن أبناء بلدي هم شعب ذواق، فلابد من تزويدهم بأحدث موديلات السيارات التي أستوردها لهم من الخارج، كما أن مجال الاستثمار في السيارات هو مربح جدا كما تعلم، لهذا فأنا أحقق الربح كرجل أعمال وأشغل أكبر عدد من العاطلين من جهة أخرى».
الصحافي العراقي-المغربي قال إنه جالس العمراني خلال توليه رئاسة حكومته الخامسة، أي ما بين 1992 و1993، وعبّر له عن استشعاره وجود تنافر بينه وبين بعض وزرائه، عبّره عنه الصحافي اللبق بعدم الانسجام. العمراني رد بالقول: «إنني أعرف جيدا من هم الذين لا يرتاحون للعمل معي من بين وزرائي، إن هؤلاء يطلبون مني طلبات كثيرة وزائدة وأرفضها، فأنا لا أتبع سوى تعليمات ملكي الذي يقتدي به عظماء العالم العربي». العمراني كان شديد الحرص على إبداء ولائه وطاعته العمياء للملك الراحل، فحين سأله الصحافي عن سبب غياب منصب وزير الدفاع ضمن حكومته، ردّ بالقول إن أحسن وزير للدفاع هو الحسن الثاني نفسه، في تعبير دبلوماسي عن أن المجال محفوظ بالكامل للملك.
رمزي صوفيا يعيد أول لقاء بين كريم العمراني وبين «المخزن»، إلى لقاء جمعه في بيت أحد أصدقائه بأحمد العلوي، الصديق المقرب من الملك الراحل الحسن الثاني في الزمن الذي كان فيه مازال وليا للعهد. العلوي التقط، حسب رمزي صوفيا، الحس البارغماتي والرغبة الملحة في إنجاح الأعمال لدى كريم العمراني، «فقربه منه، وحينها وجد كريم العمراني طريقه إلى بيوت الكثير من رجال الأعمال المغاربة والفرنسيين، وبفضل ذلك، حصل على مهام إدارة بعض أعمال هؤلاء وأولئك، في مجالات الاستيراد والتصدير والصناعة، لقاء عمولات معينة، وفي فترة حاسمة في حياته العملية، حيث خبر كواليس الأرباح الطائلة، التي يجنيها وسطاء مجالات المبادلات التجارية، وظهرت عليه معالم الحياة البورجوازية الصغرى، حيث انتقل للسكنى في أحد أحياء المعمرين الفرنسيين بالدر البيضاء، ليترك إلى الأبد الحياة الاجتماعية التي انطلق منها أول مرة من مدينة فاس».
الرجل الذي توفي أول أمس عن عمره يناهز قرنا من الحياة، قضى العقدين الماضيين متقاعدا من السياسة والأعمال، دون أن تنقطع علاقاته مع علية القوم وأصدقاء مرحلة أمجاده في السياسة والاستثمار.
وعلى عرش إمبراطوريته الاقتصادية، تربعت كريمته سعيدة العمراني. هذه الأخيرة تولت تدبير ثروة والدها، دون أن تقتصر على ذلك، حيث يشهد لها العارفون بمجال المال والأعمال، بتطوير هذه الإمبراطورية الاستثمارية. تشغل سعيدة العمراني رسميا منصب نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة «سفاري» التي أسسها والدها، كما أنها عضو في الأجهزة التقريرية لكل من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، حيث شغلت منصب نائب الرئيس، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن. تصنفها مجلة «فوربس» الأمريكية بانتظام ضمن قائمة أقوى النساء العربيات بفضل موقعها الاقتصادي وثروتها المالية، كما اعتبرتها مجلة «جون أفريك» ضمن أكثر الإفريقيات تأثيرا في القارة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.