قد لا تخرج محادثات جنيف بالنتائج المأمولة من لدن المغاربة، أي إحراز تقدم في تسوية النزاع على أرضية السيادة المغربية، لكن، لا يمكن أن نهمل مكتسبات تحققت للقضية قبل وصول الوفود المجتمعة إلى جنيف. تمثل المكتسب الأول في تركيبة الوفد المغربي، الذي يضم، فضلا عن وزير الخارجية والتعاون، السيد ناصر بوريطة، والسفير المغربي لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، المجتمع المدني والمنتخبين الصحراويين، هم رئيس جهة العيون-الساقية الحمراء، حمدي ولد الرشيد، ورئيس جهة الداخلة-وادي الذهب، ينجا الخطاط، والممثلة عن المجتمع المدني الصحراوي وعضو المجلس البلدي في السمارة، فاطمة العدلي. المكتسب الثاني الذي تحقق للقضية قبل اللقاء هو نجاح المبعوث الأممي، هورست كوهلر، في انتزاع موافقة أطراف النزاع على حضور اللقاء، بدعم من مجلس الأمن طبعا، ذلك أن هذا اللقاء يأتي بعد 6 سنوات من الجمود والتعثر، نتيجة عدم التزام المبعوث السابق، كريستوفر روس، بالحياد والموضوعية في تدبير الملف. نجاح كوهلر في جمع الأطراف الأربعة (المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا) حول مائدة واحدة ليس هيّنا، خصوصا أن الحوار سيكون مباشرا بين الأطراف، وهذا لم يقع منذ سنوات طويلة. وبتحقق اللقاء وانعقاده، يبقى أن يظهر كوهلر كفاءته في إدارة حوار معقد، يرى المختصون أنه لن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ما لم تقتنع الجزائر بأنها طرف رئيس في النزاع مع المغرب، وليس البوليساريو. لا نعرف، إلى حد الآن، ما يقترحه كوهلر أسلوبا لإدارة الحوار والتفاوض، لكن المعروف أن المغرب جرّب مداخل مختلفة مع مبعوثين أمميين آخرين، آخرها أسلوب «المفاوضات غير المباشرة» مع كريستوفر روس، لكن أسلوب روس لم يحقق نتائج ذات بال في النهاية، بل تسبب في أزمة بين المغرب والأممالمتحدة، انتهت بدفع روس إلى الاستقالة من منصبه. ولا يبدو أن المغرب مستعد لتكرار السيناريو نفسه دون التوصل إلى نتائج ملموسة. وعلى كوهلر أن يستفيد من كل ذلك، خصوصا أنه أمام موقفين متعارضين: الموقف المغربي الذي أكده الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء سنة 2017، مباشرة بعد تسلم كوهلر ملف الصحراء، إثر تعيينه في غشت من السنة نفسها، وهو الموقف الذي يتكون من أربعة عناصر تحظى بإجماع وطني؛ أولا، رفض أي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، مع التذكير بمبادرة الحكم الذاتي، التي شهد مجلس الأمن الدولي بجديتها ومصداقيتها. ثانيا، تأكيد أن المشكل لا يكمن في التوصل إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه، ويتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له. ثالثا، الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية، وليس أي منظمة أخرى إقليمية أو غيرها. رابعا، الرفض القاطع لأي تجاوز أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تعالجها المؤسسات المختصة. الموقف الثاني جزائري: جزء منه تكرره البوليساريو حين تصر على اعتماد مبدأ تقرير المصير في صيغته التقليدية، التي لم تعد النزاعات الدولية تسوى بها إلا نادرا، وجزء منه تقوله على لسان وزارة خارجيتها، ومفاده أن الجزائر ليست طرفا في النزاع، وإنما بلد جار يرغب في المساعدة للتوصل إلى حل في إطار المساعي الأممية. والتوفيق بين الموقفين يبدو صعبا، وهو التحدي الأول الذي يواجه كوهلر. لقد كان أحد مرامي الدعوة الملكية إلى حوار مباشر مع الجزائر، في خطاب المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر الماضي، إثارة انتباه المنتظم الدولي إلى حجم التعقيد الذي يواجهه كوهلر، بسبب أن النزاع حول الصحراء المغربية إنما هو في الحقيقة والواقع مع الجزائر وليس غيرها، وهي القناعة التي أشار إليها باحتشام قرار مجلس الأمن 2440، ولم يؤكدها صراحة. لأنه كيف يستقيم أن يفاوض المغرب طرفا لا يملك قراره في تندوف، فيما مالك القرار الحقيقي في الجزائر. أما التحدي الثاني فهو أن الجزائر غير مؤهلة في الظرف الحالي للتفاوض المباشر مع المغرب أو مع غيره، ويبدو حكامها غارقين في الصراعات الداخلية حول من يخلف الرئيس بوتفليقة، أكثر من أي شيء آخر. وهو سياق لا يمكن تجاهله إذا رغب كوهلر في إحراز أي تقدم حقيقي.