عاد الجدل السياسي حول ضرورة تعديل الفصل 47 من الدستور، الذي ينظم العلاقة بين مكونات السلطة التنفيذية، ويحدد علاقة الملك بالحكومة والكيفية التي تتم بها مسطرة تعيين وإعفاء رئيسها، إلى واجهة الأحداث. وفي هذا السياق، يطالب قياديون من حزب الأصالة والمعاصرة بفتح نقاش دستوري يمهد لتعديل هذا الفصل، واصفين الحزب المتصدر للانتخابات، “بالقدرية المفروضة على الشعب باسم الشرعية الانتخابية، التي تكبل المغرب، وتضيع عليه فرص التقدم”. وهو الموقف الذي يرفضه حزب العدالة والتنمية بشدة، ومشككا في نوايا أصحاب هذه الدعوات، لأنها تستهدف المس بالخيار الديمقراطي الذي احترمه الملك، فإجراء تعديل دستوري على الفصل 47، بدعوى “البلوكاج” الحكومي، ليست له أهمية، لأنه من المفروض أن مشاورات تشكيل الحكومة ينبغي أن تراعي فيه “المقتضيات الدستورية، والإرادة الشعبية المعبر عنها في الانتخابات، وأن تحظى بثقة ودعم الملك”. محمد أمحجور، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، يعتبر أن الدساتير توضع لتحسين الإطار العام للمجتمعات، وتساهم في تحسين العقد الاجتماعي والسياسي، لأن الأصل فيها أنها تسير بالمجتمع نحو الأفضل ديمقراطيا. أمحجور يرى بأن الدستور كنص بشري قابل للتطوير، إلا أن الإطار الضابط لهذا التطور والمراجعة في وجهة نظره، هو أن يتم التوافق مع الملك والفرقاء السياسيين، حتى يعكس التعديل الدستوري آراء الفاعلين والمجتمع، خصوصا إذا كانت الحاجة إليه تعكس مقتضيات حقيقية تحتاج أن تراجع، لكن بمنهج توافقي، أما إذا كانت نوايا أصحاب التعديل تمس المكتسبات التي جاء بها دستور 2011، والنفس الديمقراطي وتسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الملك الذي نحا دائما نحو التأويل الديمقراطي للدستور، فهي مرفوضة في نظر أمحجور، لأن أي مراجعة للدستور آنئذ ستتم بمنطق نكوصي وتراجعي يعيد المغرب إلى الخلف، وهذا أمر غير مقبول. وفي الوقت الذي رفض فيه أمحجور دعوات تعديل الدستور بنفس نكوصي، فإنه شدد بالمقابل على الاحتكام إلى منطق التنافس الديمقراطي، على قواعد سليمة، ومنافسة نزيهة واحترام إرادة المواطنين، مؤكدا أن دعوات التعديل الدستوري من طرف بعض الأحزاب هي محاولة لإيجاد مخارج من أجل اقتناص فوز غير ديمقراطي. وحسب محمد أمكراز، الكاتب الوطني لشبيبة البيجيدي، فإن المطالبين بتعديل الدستور لهم رغبة في التراجع عن المكتسبات التي حققها المغاربة في دستور 2011، ومن ثم، فأي تعديل يمكن أن يكون تراجعيا عن المكاسب الديمقراطية، فإنه لن يُقبل لأن الدستور الحالي أصبح مكسبا كبيرا، علاوة على أنه لم يعرف فترة تسمح بتنزيله بالكيفية السليمة التي سنكتشف بها بعض المقتضيات التي ينبغي تعديلها. الدساتير ليست بقوانين عادية ولا تتغير إلا بعد مرور فترة كبيرة، تترسخ فيها أعرافه الديمقراطية، وحتى نستنفد الهامش السياسي والقانوني الذي يتيحه الدستور، آنذاك يمكن أن نتحدث عن تعديل الدستور بالكيفية التي تجعل مؤسساتنا تتقدم إلى الأمام. في اعتقاد أمكراز هذه الدعوات ليست في محلها ووراءها قصد آخر تراجعي ونكوصي، ويستهدف بها أصحابها الإعداد للانتخابات بالكيفية التي يرونها مناسبة لهم. الكاتب الوطني لشبيبة البيجيدي، يرى بأن تبني دستور المملكة للخيار الديمقراطي كثابت من ثوابت الأمة أمر لا رجعة فيه، يقتضي أن يتجند جميع الفاعلين من أجل الوفاء بالتزاماته ومتطلباته، ومن هنا فأي محاولة للنكوص أو التراجع أو الالتفاف على هذا الاختيار الوطني، سيشكل انقلابا سياسيا على الميثاق الذي أسس له خطاب 9 مارس، وأكده دستور 2011، وسيخلف نتائج سلبية أقلها اهتزاز ثقة الشعب في البلاد ومؤسساتها. استئناف النقاش حول مراجعة الدستور تحت طائلة معالجة وضعيات سياسية، لا يبدو بريئا بالنسبة إلى حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وإن كان النقاش حول مراجعة الدستور، ليس محرما ولا ممنوعا في اعتقاده، لكنه لا يمكن أن يكون مفيدا، إلا إذا تمت إثارته في سياقات عادية، تحترم التراكم، وتجد مبررا في أعطاب موضوعية أفرزتها الممارسة السياسية، بفعل تدافع وصراع ديناميات حزبية أو غيرها، مستقلة وغير مصنوعة أو موجهة. وحتى تكون مراجعة الدستور ذات معنى وذات إضافة بالنسبة إلى حمورو، وجب أن تستهدف المستقبل، بعنوان التطوير والتقدم، ومعالجة الاختلالات وسد الفراغات المسجلة، بما يقلص هامش التأويل الذي يمكن الاستناد عليه، لإفراغ النص من المضمون وجعله بدون روح. لكن أن يتم فتح نقاش تعديل الدستور من جهة واحدة، وفي سياق يعتمل فيه مخاض قاسٍ، باستعمال أسلوب “خلق الحاجة” وإن كانت وهمية، يدخل الشك والريبة في الأسباب الحقيقية، التي تقف خلف هذا الموضوع. القيادي في اللجنة المركزية لشبيبة البيجيدي، قال: “إن الدعوات المقنّعة إلى تعديل دستور 2011، وخاصة الفصل 47 منه، ليست جديدة، فقد أثيرت أواخر أكتوبر 2016، بشكل رسمي من قبل حزب معروف، خرج لتوه منهزما من انتخابات 7 أكتوبر غير القابلة للنسيان، ادعى أنه رفع مذكرة للملك، قال فيها إن دواعي مذكرته تتعلق بما سمّاه فراغا معياريا، غير أن الحقيقة أنه كان يحاول مداراة هزيمته الانتخابية وانهياره السياسي، وكان يحاول تقديم عرض للالتفاف على نتائج الانتخابات، مستدركا بشكل مفضوح انتصار الملك للدستور، وذلك بتعيينه الأمين العام – حينها- للحزب الفائز رئيسا للحكومة طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 47 المراد إعدامها”. بالنسبة إلى حمورو دعوات تعديل الدستور، هدفها هو ترسيم الارتداد الجاري منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومحاولة تبييض ما عُرف ب”البلوكاج” الحكومي، الذي أطاح بعبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة، ونقل تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، من معيار نتائج الانتخابات إلى معيار الأغلبية البرلمانية، التي يسهل تحصيلها بعيدا عن اتجاه أصوات المواطنين. في رأي حمورو، فاللجوء إلى هذه الطرق الملتوية، التي تلتف حول معيار تعيين رئيس الحكومة، تقف خلفها معطيات ومؤشرات، تقول بأن حزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من كافة الضربات، ومحاولات الإضعاف من الداخل والخارج، مرشح للفوز بالانتخابات المقبلة، لذلك وجب الإسراع بتعديل الفصل الذي يخول له نصا وروحا، إمكانية ترؤس الحكومة لولاية ثالثة. وفقا لهذا التحليل الذي بسطه حمورو، فالدستور وإن كان ليس مقدسا وقابلا للمراجعة، لا يجب أن يخضع تعديله للأهواء أو لاستغلال تغير ظرفي في موازين القوى، كما لا يقبل أن يستعمل سلاحا بيد أطراف ضد أطراف أخرى، وإنما المطلوب أن يكون فوق الصراعات السياسة المعنية بتدبير اليومي، معبرا عن توافقات كبرى تراعي تاريخ الدولة ومستقبلها، وتعزز لحمة المجتمع ووحدته.