شدد المشاركون في ندوة حماية الموارد التراثية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي نظمتها مؤسسة آسا الزاك، ضمن فعاليات الموسم الديني لزاوية آسا في فعاليات ملگى الصالحين، على الحاجة الملحة إلى بلورة برامج تنموية مندمجة وفعالة، والعمل على الاستثمار الأمثل لموارد وإمكانات الأقاليم الصحراوية. ودعا الباحثون المشاركون في الندوة التي حذرت من إهمال الموروث الثقافي، إلى حماية الموارد التراثية في الأقاليم الجنوبية، محذرين من اندثار المعالم الحضارية والمعمارية بالصحراء، داعين أيضا إلى مأسسة الفعل التنموي ووضع سياسات تنموية مندمجة تستوعب صعوبات تنزيل السياسات التنموية، التي استهدفت الأقاليم الجنوبية في السنوات الماضية، وفِي مقدمتها الدراسات التي قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي بات من المستعجل تفعيل توصياته التي من أهمها تعميم نقاش المسألة التنموية وإشراك الفاعلين المختلفين، حيث تشكل هذه المقاربة التشاركية، مدخلا لتحقيق ما سموه مستوى متقدم من الفعالية خاصة في الأقاليم الجنوبية. وفي هذا السياق، كشف الباحث، جلال المعطى، المنسق الوطني لبرنامج التثمين المستدام، في ندوة حماية الموارد التراثية، أن العديد من المعالم المعمارية والحضارية والطبيعية الصامدة منذ مئات السنين، والتي توجد بعضها بالمناطق الصحراوية، وفي مقدمتها القصور والقصبات باتت مهددة بالاندثار من المشهد الحضري المغربي، بسبب التخلي عنها لمدة طويلة، دون القيام بإجراءات تهم أعمال الصيانة، وكذا بسبب آثار التقلبات المناخية من فيضانات وتعرية. وأوضح الباحث في علوم البيئة، والإطار السابق بقطاع إعداد التراب، أن وزارة التعمير والإسكان وسياسة المدينة، باتت تولي اهتماما متزايدا بهذا الموروث الحضاري الوطني، من خلال بلورة «برنامج للتثمين المستدام للقصور والقصبات بالمغرب»، بشراكة مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والذي يستهدف إيجاد إطار يعزز تبني الفاعلين المحليين لنتائج عمليات التثمين، المستدام للقصور والقصبات التاريخية، ولآثارها الاقتصادية والاجتماعية على السكان المحليين. وأوضح المشاركون في ندوة حماية الموروث التراثي للأقاليم الصحراوية، أن العناية بهذا الموروث يتطلب صياغة سياسات تنموية تستهدف الحيّز الجغرافي للأقاليم الجنوبية، عبر تملك حقيقي لخصوصية المجال الصحراوي، ويتحقق هذا التملك بداية على المستوى العلمي، عبر استثمار التراكم المعرفي في خلق خلفية علمية تسند عمل الفاعل التنموي وتجعله أقدر فهمًا لمتطلبات فعل التنمية، الذي يسعى إلى تثمين موارد كل مجال واستيعابها في بلورة السياسات التنموية المراعية لخصوصية المجال الصحراوي. ويمتد برنامج تأهيل القصور والقصبات، على 5 سنوات (2015-2019)، يسعى من خلال أنشطته إلى تمكين السلطات الوصية، وباقي الفاعلين من التوفر على رؤية وآليات ومنهجية لمواكبة عملية إنقاذ القصور والقصبات، وتأهيل ستة عشرة قصرا في إطار عمليات نموذجية تسعى إلى تحسين ظروف عيش قاطنيها، خصوصا في الميدان السكني، وتقوية القدرات وإخبار وتحسيس الفاعلين الخواص والعموميين والساكنة حول أهمية القصور والقصبات وطرق وأساليب العناية بها وتنميتها. وأوضح جلال المعطى أن واقع القصبات والقصور التاريخية أصبح مقلقا، كما أن هذه الآثار تعاني من مشاكل متعددة (هيكلية، مؤسساتية وبيئية). وشدد الإطار السابق في إعداد التراب، أن هناك إكراهات تعترض البرنامج الوطني للعناية بالقصور والقصبات، منها غياب أو قلة المهندسين المعماريين ومكاتب الدراسات المختصة في ميدان اشتغال البرنامج، وغياب إطار تشريعي ملائم لعمليات الترميم والبناء بالمواد المحلية، وعدم قدرة الجماعات الترابية المعنية على المساهمة المالية في تنفيذ هذا البرنامج، ثم الفقر الذي تعاني منه الساكنة المحلية يحد من إمكانية مساهمتها في إنجاز برنامج مماثل. وعلاقة بفشل النموذج التنموي، قال محمد بنعتو، أستاذ التعليم بجامعة ابن زهر، والباحث في التنمية والجغرافيا، إن التحديات التي اعترضت النموذج التنموي ضاغطة جدا، لأن المحيط الاقتصادي والاجتماعي المغربي ضاغط بفعل ثقل مديونية الدولة، التي تفرض وضع أولويات سياسية مرتبطة بالمؤسسات المانحة. وللتدليل على أهمية التأهيل البشري والترابي في التنمية الاستراتيجية والتراثية بالأقاليم الجنوبية، شدد بنعتو على أن بناء الهويات المحلية والجهوية ليس موكولا فقط، في زمن العولمة الاقتصادية والتحديات الترابية والضغوط الاجتماعية المعيشية، للموروث الثقافي الجماعي مهما كانت درجة رقيه وتجذره الاجتماعيين، مؤكدا على أن الأفراد يعملون على بناء أنواع من الهويات لا ترتبط بماضيهم وأصلهم الاجتماعي، ولكن أيضا بالتكوين والتجارب المعيشة في الحياة اليومية استجابة لسياسات معينة، وانطلاقا من مختلف التمثلات التي يكونها المجتمع عن نفسه، فهي تمثلات تخضع للتقييم الذاتي، الذي يغير باستمرار ذكريات المجتمع وأحكامه القيمية. وأوضح الباحث الجامعي في التنمية، أن المغرب بحاجة إلى بناء هويات اجتماعية، متأقلمة مع شروط نموج تنموي جديد، بشرية كانت أم مجالية، أم استراتيجية، بإمكانها أن تحسن المعيش اليومي للمغاربة، وتفتح آفاقا تنموية كبديل للجمود والبطالة والتشرذم السياسي والعصبية القبلية، التي تجمد بدورها القرار التنموي، وتساهم في مزيد من الاحتقان الاجتماعي، والعيش على مكاسب الماضي ولو كانت محدودة حتى لا نقول زائفة، يضيف بتعتو. مؤكدا أن من مشاكل التنمية في أقاليم الجنوب، هي عدم تجديد النخب القادرة سياسيا على مسايرة التغيرات والتطورات الحالية، الدولية والوطنية، وعدم قدرتها، أيضا، على جلب الاستثمار وابتكار اقتصاد محلي وجهوي، يقوم على إصلاح وترتيب البيت الداخلي، تكون في مستوى المؤهلات المجالية الصحراوية، عِوض المقاربة القبلية بهدف سياسي أو ريعي. ففي الوقت الذي شدد فيه المحاضرون في ندوة حماية التراث في الأقاليم الجنوبية، على أهمية وجود أنماط تراثية تعتبر رأسمالا ثقافيا في إقليم آسا الزاك، حذر الباحث الأنتروبولوجي، محمد بوصلح، مدير مركز ترميم وتوظيف التراث المعماري، بالمناطق الأطلسية، من أن التراث الصحراوي، يواجه مخاطر الزوال، لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية، وثقافية، وهو ما يفرض على المؤسسات والهيئات المعنية، المساهمة في الحفاظ على هذا التراث المهدد بالاندثار، حفاظا على الترابط والعلاقة بين الإنسان المغربي وتراثه.