أعلنت الحكومة الإسبانية أنها بصدد تصحيح خطأ تاريخي بإقرار مشروع قانون يرمي إلى تجنيس أحفاد اليهود الشرقيين (سفارديم) الذين تم طردهم من إسبانيا قبل أكثر من خمسمائة عام جاء ذلك على لسان وزير العدل، ألبرتو رويز جالاردون، أثناء لقائه في مدريد مع ممثلين عن بعض الجمعيات اليهودية الأمريكية الذين حدثوه في الموضوع، مشجعين الحكومة الإسبانية على أن «تكمل جميلها» بعدما اعتذرت إلى اليهود عن الطرد الذي تعرضوا له في عام 1492م. ما تعرض له المسلمون كان أضعاف ما حل باليهود، الذين كان حظهم التهجير والطرد، فلم يجدوا مأوى لهم إلا في رحاب الدولة العثمانية، حيث اتجهت أعداد منهم إلى تركيا بينما اختار آخرون أن يستوطنوا المغرب وتونس، أما المسلمون فإن اقتلاعهم استغرق أكثر من مائة عام ومر بمراحل عدة، بدأت بمحاولة تنصيرهم وإجبارهم على تغيير أسمائهم، وتحويل كل مساجدهم إلى كنائس ومصادرة أوقافهم، ولما فشلت العملية تقرر تخيير المسلمين بين التنصير أو التهجير أو القتل. فهاجرت أعداد منهم إلى بلاد المغرب، ولايزال أحفاد بعضهم يحتفظون حتى الآن بمفاتيح بيوتهم -على غرار الفلسطينيين- وهؤلاء تعرضوا لأهوال كثيرة في محاولتهم الهجرة. إلا أن العذاب الأكبر كان من نصيب من قرروا البقاء والتفوا على قرارات الكنيسة بأن أظهروا تنصرهم في العلن في حين ظلوا متمسكين بدينهم في السر. وقد وصفهم الإسبان بالموريسكيين، حيث كان يطلق على المسلمين العرب بأنهم «المور» (موريتانيا مشتقة من الاسم وكذلك موروكو (المغرب) وجزيرة موريشيوس وجبهة تحرير مورو وهم المقاومون المسلمون في جنوبالفلبين التي فتحها الإسبان وأطلقوا الاسم على منطقة تجمع المسلمين هناك). الموريسيكون هؤلاء تعرضوا للمراقبة والملاحقة والتعذيب الذي يشكل صفحة سوداء في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وهي التي أنشأت لأجل اقتلاعهم محاكم التفتيش التي راقبت سلوكياتهم وتقاليدهم وأطعمتهم وختانهم، ونصبت المحاكم والمشانق ومنصات التعذيب لكل من ثبت عليه منهم أنه لايزال على دين الإسلام. فأفلت منهم من أفلت، واحتمل العذاب من احتمل، واضطر إلى الهجرة من ضاقت بهم سبل الحياة وعجزوا عن البقاء في ظل أجواء الرعب المخيمة. ما يهمني في الأمر أن ما أصاب اليهود بعد سقوط ممالك المسلمين في الأندلس لم يتجاوز حدود التهجير القسري، أما ما حل بالمسلمين الذين قدر عددهم بمليون شخص فقد كان أفظع من ذلك بكثير، وما أشرت إليه مما أصابهم بمثابة إيجاز مخل ومبتسر يسجل عنوان الصورة دون تفاصيلها وبشاعاتها. مع ذلك فقد اعتذرت الحكومة الإسبانية لليهود ولم تعتذر للمسلمين. وسمحت لأحفاد اليهود بالعودة واكتساب الجنسية، ولم يتحقق ذلك بالنسبة للمسلمين، أن الموريسيكيين يقدر عددهم الآن بنحو أربعة ملايين شخص، وهؤلاء لايزالون واعين بأصولهم، وقد عقدوا في عام 2002 مؤتمرا طالبوا فيه بحقوقهم ومساواتهم بما اتخذته حكومة مدريد من إجراءات تخص اليهود. المفارقة مسكونة بملامح العبث المفرط، فاليهود الذين تقف وراءهم دولة تضم 9 ملايين نسمة (مليونان منهم عرب) أخذوا حقوقهم. والمسلمون الذين تقف وراءهم أمة ضمت نحو مليار ونصف مليار نسمة يتوزعون على 57 دولة، لم يستردوا شيئا من حقوق إخوانهم.