التصويت العقابي انتصرت الديمقراطية التونسية بعد أن انتصرت ثورة الياسمين، لكن للانتصار مقدمات وقد تكون في غاية السوء وكارثية النتائج، لكن على العموم التوانسة ما زالوا في كامل يقظتهم خشية من سرقة ثورتهم باسم الديمقراطية. وفرح ذيول العثمانيين الجدد بين ظهرانينا بالفوز، الذي حققه حزب النهضة الإسلامي وبشكل دقيق الإخواني، واستوى في ذلك المشارك منهم في اللعبة السياسية مع المقاطع لها مع الرافض لها بالبث والمطلق. وللذيول الذين لا يفهمون التاريخ إلا من مؤخرته نقول إن فوز النهضة كان حيلة تضافرت فيها عدة عوامل وتكدست لتمنحها رتبة غير متوقعة، وتعطيها من المقاعد مالم تحلم به. لقد غابت النهضة عن تونس حوالي 20 سنة، وكان منافسوها حاضرون، ومارسوا المعارضة حتى لو بشكل محتشم مداري للقمع، وحضروا في النقابات العمالية والمهنية والجمعيات الحقوقية والثقافية، ورغم ذلك فإن الفارق بين النهضة والحزب الثاني شاسع، فما تفسير ذلك؟ الحاضر يخسر والغائب يريح. إن أحزاب المعارضة ورغم حضورها أثناء غياب النهضة لم تستطع أن تمتد جماهيريا وذلك لأنها لم تشكل معارضة قوية لنظام بنعلي بل أكلت من موائده أحيانا، ورغم أنه في الوقت الذي كان الغنوشي يتجول بين لندن والدوحة كان بعض الزعماء إما في السجون أو تطاردهم أجهزة الأمن التونسية، فإنه لم يتم استثمار هذا الرصيد بشكل إيجابي. وبالنتيجة فإن الشعب التونسي صوت بشكل عقابي على أحزاب لم يصدق أنها كانت في المعارضة، لأن مناورات بنعلي أظهرتها على أنها أحزاب في خدمة الدولة وليس الشعب، ولهذا ذهبت الأصوات إلى النهضة. وإذا كان ذلك غير صحيح، فبماذا نفسر هزيمة النهضة في سيدي بوزيد مهد ثورة الياسمين وحصول قائمة الهاشمي الحامدي، الإسلامي المحسوب على بنعلي، على أغلبية المقاعد بتلك المنطقة؟ والسبب الثاني الذي نراه يبرر فوز النهضة الكاسح هو ازدواجية الخطاب السياسي لدى حزب النهضة الإخواني، وهذه طبيعة الأحزاب الإخوانية، فحزب النهضة استعمل أسلوبا يوحي بمدلولات متعددة حسب كل منطقة. فعندما تستعمل حركة النهضة مفهوم محاربة الفساد، فإن ذلك يعني في تونس العاصمة الفساد على المستوى السياسي والاقتصادي، لكن في القرى والبوادي يعني الفساد الأخلاقي ومحاربة الدعارة والخمور، وهذا خطاب يدغدغ عواطف بسطاء الناس المتشبثين بدينهم. ولقد استعملت حركة النهضة خطاب الهوية في العديد من الأماكن مما جعلها تحصد الأصوات بسهولة، إذ كيف يعقل أن تحصل على 90 مقعدا وهي لم تكن موجودة في تونس خلال 20 سنة، ويحصل حزب منصف المرزوقي على ثلاثين مقعدا فقط وهو الحزب الذي رغم ضعفه ظل موجودا في النقابات العمالية والجمعيات الحقوقية والثقافية وعلى الساحة الإعلامية؟ إذن فوز النهضة ليس محطة للابتهاج ولكن محطة للتساؤل، حتى نعرف خلفياته، وبالتالي هو لن يأتي بقيمة مضافة بقدر ما سيكرس حركة النهضة الإخوانية كحزب سياسي.