يبدو أن مصير الشعوب بات مرتبطا بمدى مناعتها تجاه وباء الشبكة العنكبوتية، وقدرتها على كيفية التعايش مع أنظمة العوالم الافتراضية وقراصنتها وشبكاتها الإجرامية. وأن الحروب الحقيقية التي تهدد أمنها واستقرارها ووجودها، لن تستعمل فيها الأسلحة النارية و النووية و الجرثومية وغيرها من مدمرات الحياة والجماد. بل هي تلك التي تدار داخل تلك العوالم، والجارية حاليا بواسطة الحواسيب والهواتف داخل المقاهي والمنازل وحتى غرف النوم. حيث الآلاف من الزعماء الافتراضيين والملايين من الجنود من كل الفئات والأجناس، ضمنهم المجندون دون علمهم. مسلحون بأسلحة الدمار الشامل للعقول النامية. شغلهم الشاغل تسويق الإشاعة والقرصنة والفوتوشوب والنصب والاحتيال وانتحال الصفات.. وغيرها من الوسائل التي يواظبون بواسطتها يوميا على تدمير القيم والأخلاق والهمم. وتفكيك الترابط والتلاحم داخل الأسر والمجتمعات. منشغلون بفرض وترسيخ عدم الثقة في نفوس الأطفال اليافعين والشباب. وتحقير القرارات والمبادرات و تيئيس المسؤولين و تبخيس المسؤوليات. زعماء وجنود يتقاضون أجورهم بكل العملات الأجنبية، في خدمة الأنظمة ذات النفوذ العالمي المالي والتقريري. تلك الأنظمة التي تصدر شبح الديمقراطية ووهم حقوق الإنسان لسكان العالم، علما أنها هي أول من يطعن في قلب الديمقراطية ويستبيح حقوق الشعوب. هي من تتغذى من هموم ومعاناة البشر. لا تجد حرجا في تسليح الشعوب للتقاتل فيما بينها. واستعمال حق الفيتو داخل مقر الأممالمتحدة من أجل وقف قرار إنصاف شعب مظلوم أو تأديب نظام حليف لها. وهي تعلم علم اليقين أن حقها (الفيتو)، أجهض حقوق شعب وبخر أحلام مستحقة.. على الشعوب أن تبادر إلى اقتحام تلك العوالم الافتراضية، ولعب أدوارا القيادة والريادة داخلها. وتنقيتها وتطهيرها من تلك الكائنات البشرية التي تقضي الساعات في تعبئة وشحن الأطفال واليافعين والشباب بالحقد والكراهية والانتقام والانسلاخ عن الهوية والعقيدة والوطن. وتلويث أفكارهم ورؤاهم بسلوكيات مستوردة. وعليها أن تحولها إلى منابر للتربية والتعليم والتكوين وتبادل التجارب والخبرات والتواصل الإيجابي. إن الشعوب النامية تؤدي ضرائب إدمانها على توظيف برامج وآليات وتكنولوجيات مستوردة في حياتها اليومية، بدون أدنى دراسة أو تقييم لمدى صلاحيتها و ملائمتها لواقعها العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والعقائدي.. ضرائب يؤديها الشعب المغربي إلى جانب باقي الشعوب العربية. بسبب سوء استعماله للإعلام البديل، وعجز حكومته على تقنين القطاع الذي بات شغل من لا شغل له. وبسبب عدم توفرها على مفاتيح أبواب عوالم افتراضية، بات تسكن معظم المغاربة إلى درجة المس والإدمان. وفي مقدمتها العالم الأزرق (الفايسبوك)، أكبر جريدة الكترونية غير مرخصة. حيث كل المغاربة من وزيرهم إلى غفيرهم هم مراسلون لها بدون يطاقات مهنية ولا حتى بطاقات صحافية موقعة من طرف صاحبه الأمريكي (مارك زوكربيرغ)، بالإضافة إلى باقي العوالم (التوتير، الواتساب، اليوتوب..). التي فتحت أبوابها ونوافذها ومجاريها لكل الكائنات البشرية. لتتحول إلى أسواق عشوائية، تعرض فيها السلع الصالحة والفاسدة. عوالم يراكم أصحابها الأموال في كل ثانية. وتتسبب في انحطاط المجتمع وتدمير عقول مواطنيه. لم يلتزم المغربي بالمثل الدارجي الشهير (لبس قد يواتيك) الذي سوقه الآباء والأجداد. بعد أن انساق وراء ما تنتجه تلك العوالم، وأدمن على مسايرتها بالتدوينات والتغريدات والتعليقات دون أدنى بحث أو تدقيق لذلك المنتوج الإعلامي. علما أن معظم من يعرضون تلك المنتوجات يجسدون عن ظهر قلب المثل المغربي( تيبيع القرد و تيضحك على اللي شراه). وأنهم لا يهتمون لأمر البلاد والعباد.. بقدر ما يهتمون بالمقابل المادي الذي يحصلون عليه مقابل تسفيه الحياة بالمغرب. حروب قذرة معلنة على الشعب و الحكومة والنظام انطلاقا من العالم الأزرق الأكثر ولوجا من طرف المغاربة، حيث وجد فيه الانفصاليون والمعارضون والمبعدون موطنا لهم، ومهدا لانطلاق هجماتهم وتهجماتهم. إلى درجة أن الفايسبوكيين بدئوا يفقدون الثقة في كل ما ينشر ويذاع بعالمهم الأزرق. وفقدوا معه الثقة في الإعلام البديل برمته.. وكذا رابط التواصل بينهم وبين ما يجري ويدور في بلدهم.