الخط : إستمع للمقال تتجدد الحكاية في جهة سوس ماسة مع مشروع الخط البحري أكادير – دكار، الذي تحوّل من خط استراتيجي إلى "خط الوعود المؤجلة"، بعدما رافق الإعلان عنه صخب إعلامي، وبروتوكولات موقعة، وصور رسمية، وشعارات منمقة عن "التكامل جنوب–جنوب"، قبل أن يخيم صمت ثقيل خيّب الكثير من التوقعات، بحيث وبعد مرور ثمانية أشهر على توقيع بروتوكول الاتفاق، لم يغادر المشروع بعدُ حيز الشعارات، فيما يلاحظ الرأي العام يوماً بعد آخر وجود فجوة بين ما رُوِّج له في المنصات الإعلامية وما تحقق على أرض الواقع. وقد عقد المصدرون والفاعلون الاقتصاديون في سوس ماسة آمالاً كبيرة على هذا المشروع البحري ليكون بوابة استراتيجية نحو أسواق غرب إفريقيا، ويعزز حضور الصادرات المغربية، خصوصاً في المنتجات الزراعية مثل البصل والبطاطس التي تلقى إقبالاً واسعاً في هذه المنطقة، كما كان من المنتظر أن يسهم الخط في تجاوز العقبات اللوجستية وتخفيض تكاليف النقل، بما يفتح المجال أمام دينامية تجارية أكبر ويقوي تنافسية المنتوج المغربي في مواجهة المنافسة الإقليمية. لكن، مع مرور الشهور دون أي تفعيل فعلي للمشروع، تحولت هذه الآمال إلى حالة من الإحباط، وسط ملاحظات المهنيين حول استمرار الغموض وغياب الوضوح بشأن تكاليف الشحن، ما جعل المكاسب الموعودة مؤجلة إلى أجل غير معلوم. ومنذ الإعلان عن هذا المشروع البحري، توالت الوعود بشأن مشروع استراتيجي يُفترض أن يغيّر معالم التبادل التجاري مع غرب إفريقيا، ويعزز العمق الجيو–اقتصادي للمغرب، لكن الواقع، بعد مرور ثمانية أشهر على توقيع بروتوكول الاتفاق، يُظهر أن المشروع لم يرقَ بعد إلى مستوى التوقعات، وأن مساره يكتنفه الكثير من الغموض. وفي أولى خرجاته الإعلامية للرد على التساؤلات المثارة بشأن أسباب عدم انطلاق المشروع في الوقت المحدد، تحدث إدريس بوتي، رئيس فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة سوس ماسة، وأحد أبرز من قدموا أنفسهم كمهندسين لهذه المبادرة، لأحد المنابر الإعلامية، عن وجود صعوبات حالت دون التنفيذ في الآجال المعلنة، محملاً جزءاً من المسؤولية للفاعلين المؤسساتيين، وفي مقدمتهم رئيس مجلس جهة سوس ماسة، كريم أشنكلي باعتباره ممثل الجهة أحد أطراف هذا المشروع، عندما قال في تصريحه "إن مهمته تنتهي عملياً بعد توقيع الاتفاقيات بين الشركاء المؤسساتيين، ليصبح المشروع في عهدة تلك الجهات" في إشارة منه إلى الشركاء الموقعين على البرتوكول. غير أن هذه الرواية، بحسب متابعين، لا تنفي أن الذين تولوا الترويج للمشروع وحشد الدعم السياسي والإعلامي له هم أنفسهم الذين يبتعدون اليوم عن تحمّل تبعات تعثره. وفي الوقت الذي أقر فيه بوتي بوجود تحديات تقنية ولوجستية وإدارية معقدة، تتعلق بالبنية التحتية لميناء أكادير وتراخيص العبور بين المغرب والسنغال، يطرح مراقبون سؤالاً أساسياً، لماذا تم تقديم المشروع للرأي العام على نحو يوحي بجاهزيته الكاملة؟ ولماذا تم الإعلان عن موعد محدد لانطلاقه (يناير 2025) دون استكمال الشروط الضرورية لذلك؟ ويرى متابعون أن إخراج المشروع إلى الواجهة في ذلك التوقيت قد يكون مرتبطاً بحسابات ظرفية، وربما انتخابية، خاصة وأن الإعلان عنه تزامن مع حلول موعد انتخابات فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة سوس ماسة، والذي كان بوتي مرشحا وحيدا للاستمرار على رأسه لولاية ثانية، أكثر من ارتباطه باستراتيجية مدروسة مرتبطة بالمبادرة الأطلسية. كما أن تضارب المعطيات زاد من حالة الغموض، خاصة حين صرّح بوتي بأن انطلاق الخط سيكون في أواخر أكتوبر أو بداية نونبر 2025، بينما يشير محضر اجتماع الجهات المعنية بالمشروع بتاريخ 17 يوليوز 2025، حصل "برلمان.كوم" على نسخة منه، إلى أن الانطلاق مقرر في شتنبر 2025، واللافت أن هذا الاجتماع لم يحضره أي ممثل عن الجهة، ما يطرح تساؤلات حول غياب التنسيق المؤسساتي. ولعل الأخطر من ذلك، ووفق نفس المحضر، فقد تم إدخال طرف ثالث في المشروع، هي شركة تدعى (B.F)، التي لم يرد ذكرها في الاتفاق الأولي، وهو ما يدفع للتساؤل عن طبيعة هذا التغيير وكيفية اختيار المتدخلين الجدد، دون إصدار بلاغات صحفية تضع المهنيين والمتتبعين أمام الخطوات التي يتم اتخاذها في هذا الصدد. أما بخصوص تصريحات إدريس بوتي – وهو أيضاً أحد قيادات حزب الأحرار بجهة سوس ماسة والمقرّب من رئيس الجهة أشنكلي الذي يشغل كذلك مهام المنسق الجهوي للأحرار بسوس ماسة – التي قال فيها إنه مجرد "مُسهّل" للمشروع وأن فكرة الخط البحري ليست فكرته، فهي، حسب بعض المتابعين، تتناقض مع حضوره البارز في اللقاءات الترويجية الأولى وتقديمه إعلامياً كصاحب المبادرة. وتشير مصادر للموقع إلى أنه أوصى فريقه بعدم الترويج للمشروع في أحد المنتديات الاقتصادية الأخيرة، في خطوة اعتبرها البعض محاولة لتجنب الإحراج في ظل تعثر المشروع. ويُجمع عدد من الفاعلين على أن ملف الخط البحري أكادير – دكار يعكس إشكالات أوسع في تدبير الشأن الجهوي، حيث تغلب أحياناً الحسابات السياسية والشعبوية على التخطيط الاستراتيجي، فتُستغل بعض المشاريع الكبرى في سياقات إعلامية وظرفية، قبل أن تتراجع أهميتها أو تتوقف مع غياب المتابعة والتنسيق المؤسسي. إن ضمان مصداقية المؤسسات يقتضي اليوم، وفق رأي العديد من المتابعين، الوقوف على حقيقة ما جرى، ومساءلة من روّج للمشروع دون استيفاء شروطه، ومن وقّع اتفاقات دون المرور عبر المساطر القانونية والمؤسساتية، ومن قدّم وعوداً لم تتحقق، فالمصدرون والفاعلون الاقتصاديون في سوس ماسة يحتاجون إلى مبادرات مدروسة وقابلة للتنفيذ، أكثر من حاجتهم إلى حملات إعلامية لا تترجم إلى إنجازات عملية. ويشار إلى أن "برلمان.كوم" كان قد كشف في وقت سابق أن الشركة التي تم الترويج لها في البداية باعتبارها المنفذة للمشروع، ليست هي نفسها التي وُقع معها بروتوكول الاتفاق، إذ تم إبرام التوقيع مع شركة أخرى تحمل اسم "AgadirDakar Line"، أُحدثت حديثاً في أكادير، وسط غياب مؤشرات واضحة على قدراتها اللوجستية أو أسطولها البحري. هذا التغيير غير المعلن آنذاك فتح الباب أمام تساؤلات حول شفافية المسار وأهدافه الحقيقية، وجعل كثيرين يتساءلون، هل يتعلق الأمر بخطوة مدروسة في إطار رؤية جهوية متكاملة، أم أننا أمام مناورة سياسية جديدة أُلبست لباس المشروع الاستراتيجي؟ الوسوم الباطرونا المغرب سوس ماسة مجلس جهة سوس ماسة مشروع الخط البحري أكادير - دكار