العرائش أنفو بقلم: سعيد ودغيري حسني كنتُ طفلاً أخافُ ظله وأسمع صدى صوته في البيت الفقيه... البعبع... عيونُه في كل زاوية يهددنا بأن يبلغ عن شغبنا كي يأتينا الفَلْقَة كل تهديد... كل نظرة... كل ضربه ترسخ عقدًا في أعماقي ظلّت تسكنني سنوات تراقب نومي وتهمس في أحلامي تزرع الخوف في قلبي قبل الكلام كيف لا وهو من كان الأب يقول له انت اقتل وانا ادفن قمة المعاناة النفسية وحين تغمض عيني أرى سيف السوط يلوح فوق كتفي وأحسّ بلذة الألم والخوف يمتزجان في جسدي كظلّ لا يزول في الكتاب أو الجامع أو المسيد كما يسمّيه أهل فاس والنواحي علّمني كيف أحفظ القرآن في لوح يُمسح ويُعاد فيه النقش وضربات السوط تحفر اسمي في الذاكرة بقلم من قصب مشحون بالسمغ في زجاجة صغيرة تُدعى الدواية لا أعلم من أين جاءت ولا إن كانت لنا وحدنا أم لعالمٍ آخر ولن أنسى وجبة الفَلْقَة حين تُكتف الرجلان ويُضرب الكعب بعصا عقوبة لعدم الحفظ أو الشغب أو خصام أو فقط لإثبات قوة الخوف ثم جاء زمن المدرسة كتبت بالريشة والمداد والمنشفة بجانبي كي لا أوسخ الكتاب وفي الإعدادي صار لي قلم فيه مداده وفي الثانوي أقلام "بيك" لنكتب بسرعة لنواكب الزمن المتسارع واليوم لا أحتاج إلى قلم حاسوب أو هاتف ذكي وعالم لا أعلم أين يسير في زمن تتسارع فيه الدقائق كومضات ضوء تخترق صمت الليل يطل علينا العصر الرقمي كحلم يكتب نفسه على صفحات الواقع لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات بل أصبحت روحًا تتنفس في هواتفنا تنبض في شاشاتنا وتهمس في آذاننا بأصوات الذكاء الرقمنة اليوم ليست خيارًا هي قدر يسكن الحاضر ويكتب ملامح الغد عالمنا لوحة إلكترونية تتشابك فيها خيوط البيانات مع أنفاس الإنسان كل حركة كل فكرة كل نبضة تترك أثرًا رقميًا يشبه بصمة الروح لكن الجمال في الرقمنة ليس في الآلة وحدها بل في الإنسان الذي يوجّهها نصوغها على هيئة الحلم نبرمجها بنبض القلب نحمّلها مشاعرنا وأحلامنا الصغيرة هي مرآة وعينا تكشف من نحن وإلى أين نسير حين تمتزج البرمجة بالإبداع يولد عصر لا يعرف المستحيل عصر ينساب فيه الضوء في عروق الفكر كأنه ماء الحياة الرقمنة ليست جسرًا إلى المستقبل فحسب إنها القصيدة التي يكتبها العقل البشري بلغة الأرقام تتغنى بالابتكار وتستدعي الإنسانية كي لا تضيع في زحام الآلات ليست التكنولوجيا عدوًا لنا بل الابنة التي أنجبها الفكر لتكمل مسيرة النور وفي لحظة من الغفلة يمكن أن تتحول الخوارزميات من خادم مطيع إلى سيد متسلط وهنا يكمن التحدي الحقيقي كيف نحافظ على إنسانيتنا ونحن نغوص أعمق في هذا المحيط الذكي كيف نصنع تكنولوجيا تخدم الإنسان ولا تبتلعه الرقمنة ليست مجرد أرقام وشيفرات بل قصيدة كتبها الإنسان بالحرف الرقمي وموسيقى يعزفها الفكر على أوتار الذكاء الاصطناعي هي ابنة العقل لكنها تحتاج إلى قلب يرشدها العالم المتصل ليس بالضرورة عالمًا متقاربًا إن غاب فيه البعد الإنساني وتحولت القيم إلى بيانات تُخزن وتُنسى لقد صارت الرقمنة وطنًا جديدًا له حدوده الافتراضية ومواطنيه من كل اللغات وملوكُه من المبرمجين والمبدعين ومن لم يحمل جواز الإبداع الرقمي سيجد نفسه خارج أسوار الغد المستقبل يُكتب بالكود يُرسم بالذكاء الاصطناعي يُدار بالعقل المترابط الذي لا يعرف النوم ومع ذلك سيبقى الإنسان هو المعزوفة الأولى والرقمنة مجرد آلة في يده العصر الذكي لا يكتمل إلا حين يحتفظ الإنسان بقدرته على الحلم على الخطأ على الضحك على البكاء ما يجعلنا بشرًا ليس الذكاء وحده بل ذلك الوميض الغامض في القلب الذي لا يمكن برمجته في ختام هذه الأنشودة ندرك أن الرقمنة ليست نهاية المسيرة بل بدايتها باب يُفتح على المجهول وطريق يدعونا لاكتشاف ذواتنا من جديد هي دعوة للوعي قبل الانبهار للإبداع قبل الاستهلاك وللروح قبل الشاشة فلتكن الرقمنة نغمة منسجمة في سيمفونية الوجود الإنساني لا نشاز يطغى على صوته ولنمض نحو المستقبل لا كأتباع للآلة بل كخالقين لها نحمل في أيدينا الضوء