تعيش المؤسسة العسكرية الجزائرية واحدة من أكثر فتراتها اضطرابًا منذ عقود، وسط سلسلة من الفضائح الداخلية التي طالت كبار الضباط، وتواتر أنباء عن فرار بعض القيادات وتوقيف أخرى، إضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية داخل الثكنات وتأخر الرواتب، ما جعل الجيش يفقد جزءًا كبيرًا من تماسكه المعنوي والمهني. فالمؤسسة التي طالما قدّمها النظام الجزائري كرمز للانضباط والقوة، باتت اليوم تعاني من تصدعات داخلية عميقة تنذر بمخاطر غير مسبوقة. تقول مصادر متطابقة إن الأشهر الأخيرة شهدت عمليات توقيف طالت ضباطًا ومسؤولين بارزين داخل أجهزة الاستخبارات والقيادة الميدانية، فيما حاول آخرون مغادرة البلاد خوفًا من تصفيات أو محاكمات وُصفت بأنها سياسية أكثر منها قانونية. هذه التطورات، التي تتزامن مع إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، كشفت حجم الصراعات الدائرة بين أجنحة السلطة، حيث يسعى كل طرف إلى حماية مصالحه وسط غموض في هرم القيادة وتراجع واضح في الانضباط الداخلي. الأزمة لم تتوقف عند حدود الصراعات، بل امتدت إلى الميدان العسكري نفسه. فقد أشارت تقارير متواترة إلى أن العديد من الوحدات تعاني من أعطاب متكررة في العتاد الروسي الذي يشكّل العمود الفقري لتسليح الجيش الجزائري، في ظل نقص قطع الغيار وارتفاع تكاليف الصيانة. هذا الوضع انعكس بشكل مباشر على الجاهزية القتالية، حيث أُجبرت بعض الوحدات على تقليص أنشطتها أو الاعتماد على معدات قديمة غير فعّالة. ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع قدرة موسكو على تلبية الطلبات الخارجية، ازدادت معاناة الجزائر التي تعتمد بشكل شبه كلي على الأسلحة الروسية، ما جعلها تواجه صعوبة في الحفاظ على جاهزيتها الميدانية. في الوقت نفسه، يعيش الجنود والضباط الصغار وضعًا صعبًا نتيجة تأخر صرف الرواتب والتراجع عن زيادات كانت مقرّرة منذ سنوات، فضلاً عن تدهور جودة التغذية والإقامة داخل العديد من الثكنات، وفق شهادات متداولة على نطاق واسع. هذه الأوضاع خلقت حالة من الإحباط وفقدان الثقة داخل صفوف الجيش، في وقت تتزايد فيه الشكوك حول نوايا القيادة العسكرية الحاكمة، التي تبدو منشغلة بصراعاتها الداخلية أكثر من اهتمامها برفع كفاءة المؤسسة العسكرية. ويرى مراقبون أن ما يجري داخل الجيش الجزائري ليس مجرد أزمة عابرة، بل مؤشّر على انهيار توازنات السلطة في البلاد، خاصة أن المؤسسة العسكرية تمثّل منذ الاستقلال العمود الفقري للنظام السياسي. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتراجع احتياطات الدولة من العملة الصعبة، لم تعد السلطة قادرة على إرضاء كبار الضباط بالمكافآت والعقود كما في السابق، وهو ما فتح الباب أمام تمرد صامت داخل الصفوف العليا والمتوسطة للجيش. هذه التطورات تجعل الجزائر أمام مفترق طرق خطير، فاهتزاز المؤسسة العسكرية يعني عمليًا اهتزاز الدولة نفسها، خصوصًا في بلد يعيش تحت حكم العسكر منذ أكثر من نصف قرن.