الشاعر المغربي عبد الغني فوزي عبد الغني فوزي شاعر و كاتب مغربي، عضو اتحاد كتاب المغرب، صدر له ديوان شعر تحت عنوان: «هواء الاستدارة « سنة 1995 و كتاب: «الهوية المفتقدة» سنة2003 ، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي نشرها في الصحف الوطنية، قبل أن يعود مؤخرا بإصدار شعري جديد مرصع بعنوان: «آت شظايا من رسائلهم» إضافة إلى مساهمات أخرى بمنابر ورقية وإلكترونية. راكم من التجربة الشيء الكثير، مما خول له حضورا صحفيا لافتا ومتميزا، حيث أنه أغنى الحقل الشعري الوطني من خلال أعمدة صحفية متعددة. كيف وقعت في مصيدة الشعر؟ ربما وقعت في هذه المصيدة من حيث لا أدري. فكثيرة هي الأشياء التي تفاعلت في خلق ذلك، أشياء مطبوعة بالفقد والضياع، أستحضر هنا سؤال الموت، موت صديق حميم غرقا، وموت الجدة (في بداية تعليمي الثانوي)؛ واتسعت اللائحة، واتسعت معها فتحات الجراح. فهذا الموت القريب وجه نظري - بقوة التألم- للموت بأشكاله المختلفة: البطيء، موت القضايا، وبصفة أعم موت الإنسان. طبعا كنت في البداية أتفاعل مع هذه المفتقدات بألم بالغ وواضح الملامح في الإحساس واللغة، فانعكس ذلك على كتاباتي التي أصفع بها وفيها ما لا أريد العالم على شاكلته بوضوح لغوي. وفي نفس الآن أعانق ما أريد دون طابوهات. طبعا إضافة إلى التجربة، هناك المقروء المتعدد (أدب ، تاريخ ، فكر ) الذي قد يغذي التأملات والإنفلاتات عن المنظومات والأنساق السائدة. منذ ذلك الحين (الثمانينيات) ونحن على درج الشعر العالي، كلما دنونا، يبتعد هذا الشعر ككمال أبدي مطارد في المجاز. أصدرت ديوانك "هواء الاستدارة " ، فما الذي يحول دون إصدارك لغيره من الدواوين؟ كان ديواني "هواء الاستدارة " محصلة قصائد كتبت ما بين 1985 و1995 ، ومنذ ذلك الحين ونحن على كتابة. لذا ترى بناتنا هنا وهناك بمنابر ورقية وإلكترونية. وفي سياق فهمنا للديوان الشعري كبصمة ورؤيا من خلال لحظة كتابة مكتنزة في الزمن، جمعنا مجموعتين مخطوطتين، الأولى ظهرت عبر اتحاد كتاب المغرب بعنوان "آت شظايا من رسائلهم"، والثانية في الظل تنتظر دورها أو بعثها. كثيرة هي الأشياء التي تحول دون النشر في المغرب، منها عقبات دور النشر التي ترى في الشعر لغة غير قابلة للسوق، وهذا يدل أن لا دور نشر لدينا بالمعنى الثقافي، مع استثناءات طبعا. أما دعم الكتاب من لدن وزارة الثقافة، فإنه يمر في صمت. وفي جهة أخرى، المؤسسات الثقافية بالمغرب تنشر الكتاب كدفعات موسمية لدعم وجودها وشرعيتها الثقافية. ومع ذلك سندفع بهوائنا قليلا قليلا، لإعلان أفقنا مهما كان الأمر. هل فكرت يوما في مقاطعة الكتابة الأدبية ؟ كثيرا يا أخي، ولولا جدارتها وتجذرها لذهبت مع الريح ! ضمن شروط محبطة، وسوق مغلقة، ومتلقي مستلب لا يأبه..هذا فيما يتعلق بالشرط الموضوعي. أما ما هو ذاتي: إني أخاصم الكتابة كما أفهمها ضمن لحظات الإحساس باللا جدوى وخواء الانتساب. ففي ظل هذه الحالة حين أكتب، تبدو لي الكتابة كقطعة إسفنج تمتص الارتخاء وتهدئ الروع. لذا، فأنا في علاقة متوترة مع الكتابة كما أفهمها: الكتابة الإحساس البلوري الدقيق والرؤيا . تقرأ اليوم النص كشيء بارد لا يثير فيك أي شيء. للأسف هناك من يكتب الشعر اليوم بدون خلفية ولا رؤيا، لذا ترى شعرنا فائضا في الطرقات. طبعا ليس لهم فيها، أعني القصيدة، ما يشتهون ! أي دور يمكن أن يلعبه الشعر في زمن العولمة؟ أظن أن مفهوم العولمة متعدد (عولمة اقتصادية ، سياسية ، ثقافية ..). وفي هذا السياق يستأثر بالاهتمام سؤال العولمة والهويات الثقافية، فالقوى المسيطرة ضمن المجالات العالمية بتصنيفها الجديد تسعى إلى التنميط الثقافي وتذويب الهويات الصغيرة. وفي المقابل هناك طموح الهوامش الهادف إلى تجذير التعدد الثقافي في إطار من الحوار الخلاق دون انغلاق أو توجيه إديولوجي. هنا يمكن الحديث عن دور فعال للشعر ضمن التحولات المتسمة بالسرعة وتدبير التقنية، الشعر الذي ينتصرلإنسانية الإنسان ولو من خلال ما هو محلي. وعليه، يمكن الحديث عن عولمة شعرية عرفت منذ أن وجد الشعر، الشعر العابر للجغرافيات الثقافية والشعرية. بهذا المفهوم يمكن للشعر أن يكون سندا للهويات الثقافة في تخصيب الحوار والإنصات المتبادل الذي يقتضي الإبداع والإضافة بين الخصوصيات التعبيرية. فالشعر إذا انطلق من اليومي والتفاصيل (اعتمادا على صياغة لا تذوب في الإحالة وتتصلب في الجمالية)، فإنه قد يطوي على روح الشعوب. الشعر دائما حاضرا في معارك الإنسان في بعده الفردي والجماعي. وبالتالي فالكتابة الشعرية مكان حميمي تودع ضمنه التأوهات والتأملات الرائية طبعا. شاعر وأستاذ... أي مساحة للشعر داخل الفضاء المدرسي؟ أظن أن هناك إكراها منهجيا في تدريس النص الشعري، يسعى إلى تلقين الشعر عوض تحبيبه؛ وهو ما يساهم في تدني نسبة القراءة داخل المؤسسات التعليمية. لكن يمكن خلق فسحة للتداول الشعري من خلال أنشطة موازية، وهو ما قمنا به، بل أكثر من ذلك، ينبغي خلق مجلات حائطية وأخرى مخطوطة لرعاية إبداعات الناشئة من التلاميذ. أعرف أن البعض من هذه الأشياء حاضر لكن بنسبة أقل، نظرا لغياب بنية تحتية ثقافية. الشعر ليس مادة للتدريس فقط، بل أداة حية تقوي الصلة بالحياة، وفي ذلك شد الإنسان للإنسان بين التمزقات والاختناقات. فموسيقى تبث صباحا ضمن ساحات هذه المؤسسات فيه شيء من الشعر، وأيضا تأثيث الممرات بلوحات وكلمات جميلة. بهذا المعنى، فالشعر فائض عن المكتوب والمقروء. هل أنت متفائل بمستقبل الشعر؟ على الرغم من التحولات السريعة وتضخيم الصورة التي تمتص العصر وتهندسه، هنا ك مكانة للشعر كانت وستبقى في الذاكرة والوجدان الجمعيين، لا يمكن أن تندثر؛ بل ستتقعر نحو الأعمق حيث الإنسان. للشعر نهره الخاص الذي يسند الوجدان والخيال الإنسانيين. وعلى الرغم من الحيف الملحق به في التواصل من قبل الأنساق والمؤسسات؛ فإنه يشق منعرجه، ويمشي صحبة الإنسان صوب الإنسان كوجود ومفهوم. بإمكان الشعر أن يتطور بدوره أكثر، لمواكبة العصر بحس دقيق ورؤى مستقبلية غنية الخلفية؛ لأن الشعر ليس انفعالات غافلة، بل هو هدم وبناء خلاق بين الراهن والمحتمل.