الحسيمة.. الفلاحة التضامنية تعيد الحياة لسلسلة الصبار بعد جائحة الحشرة القرمزية    استدعاء سفراء إسرائيل في معظم الدول الأوروبية بعد استهداف وفد دبلوماسي في جنين    المغاربة في الصدارة عالمياً من حيث نسبة طلبات تأشيرة شنغن    ماركا: الوداد المغربي يسعى لضم كريستيانو رونالدو    عمالة الدريوش تُخلد الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    عبد النباوي يشيد بتجربة هشام بلاوي    يومية "لو باريزيان" الفرنسية: أشرف حكيمي.. "رياضي استثنائي"    الخدمة العسكرية 2025.. تعبئة مجموعة من الوسائل التكنولوجية لمساعدة الأشخاص الذين تعذر عليهم ملء استمارة الإحصاء بوسائلهم الخاصة (مسؤول)    اكتشاف أثري يظهر التقارب الحضاري بين طنجة ومناطق إسبانية وبرتغالية    منصة "إبلاغ".. تجسيد لتحول رقمي تقوده المديرية العامة للأمن الوطني لحماية الفضاء السيبراني (صور)    شهادات للبيع وترقيات بالرشوة.. ذ. عبده حقي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    المبعوث الخاص للاتحاد الأوربي إلى الخليج يشيد بدور المغرب في تعزيز حل الدولتين    فرنسا وإسبانيا تستدعيان سفير إسرائيل    مجلس المنافسة: الترخيص لمؤسسات الأداء والشركات الفرعية للبنوك بالعمل ابتداء من 1 ماي 2025    والي جهة طنجة يهاجم "لوبي العقار" ويدعو إلى وقف نزيف "العشوائي"    طنجة.. تفاصيل استثمار صيني ضخم في مجال تكنولوجيا البطاريات المتقدمة    الفنانة سمرا تصدر "محلاها ليلة".. مزيج إسباني عربي بإيقاعات عصرية    نادي "صرخة للفنون" يتألق ويمثل المديرية الإقليمية بالعرائش في المهرجان الجهوي لمؤسسات الريادة    التشكيلي بن يسف يتألق في اشبيلية    إيداع رئيس جماعة بني ملال السابق سجن "عكاشة" رفقة مقاول ومهندس    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الرجاء يعلن عن لقاء تواصلي مع المنخرطين بخصوص الشركة الرياضية للنادي    وزارة التربية الوطنية تُكوِّن أطرها لتدريس "الهيب هوب" و"البريكينغ" في المدارس    تتويج المواهب الشابة في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم المغربي القصير بالجوال    ولد الرشيد: التعاون الإفريقي أولوية    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    بوريطة من الرباط: كفى من المتاجرة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين خيار واقعي ومسؤول    أخنوش أمام مجلس المستشارين    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    الحرس المدني الإسباني يطيح بعصابة متورطة في تهريب نفايات إلى المغرب    منيب: مشروع قانون المسطرة الجنائية يمثل تراجعا حقوقيا وانتهاكا للحريات وخرقا للمقتضيات الدستورية    الدرك الملكي بشفشاون يوقف متلبسا بحيازة الكوكايين في الدردارة    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    القباج والعوني خارج جائزة للا مريم لكرة المضرب    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تجدد دعوتها لإحياء "سامير" وتحذر من خطر وطني بسبب تعطيل المصفاة    بإذن من أمير المؤمنين.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية بالرباط    "سي.إن.إن": معلومات أمريكية تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    الوداد ينفصل عن المدرب الجنوب إفريقي موكوينا    طائرة خاصة تقل نهضة بركان إلى تنزانيا لملاقاة سيمبا في النهائي    المغرب يمنح أول ترخيص لشركة خاصة بخدمات الطاقة    الذهب يصعد إلى أعلى مستوى له خلال أسبوع مع تراجع الدولار    العثور على جثة امرأة في ثانوية والتحقيق يقود إلى اعتقال الزوج    ألمانيا تفكك خلية إرهابية متطرفة    الإماراتية ترسل مساعدات لقطاع غزة    سطات.. "بزناسة" يطلقون الرصاص على الأمن    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    تلك الرائحة    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    









منظمة "إلى الأمام" عشرة أشهر من كفاح التنظيم نحو تنظيم ثوري - 1 / 3 -
نشر في السند يوم 01 - 09 - 2010

أبرزت نضالات 1972 والمراحل التي تلت هذه النضالات معالم مرحلة جديدة في نضال التنظيم، وذلك عبر مسيرته المتواصلة من تنظيم برجوازي صغير، يحمل رواسب عميقة للممارسات التحريفية والإصلاحية،نحو تنظيم ثوري تمتد جذوره في نضال الجماهير الشعبية وقادر على قيادتها. وخلاصات هذا النضال هي التي شكلت قاعدة انطلاقنا في العملية التي بدأنها منذ نهاية شتنبر من أجل هيكلة التنظيم هيكلة جديدة تنبني على دراسة نقدية شاملة لعشرة أشهر من كفاحه منذ انتهاء الندوة الوطنية إلى نونبر، تنجزها اللجنة الوطنية في هذا التقرير في إطار نقدها الذاتي منذ انبثاقها عن الندوة الوطنية الأولى.
وهذا التقييم يدخل أيضا في إطار وضع الأسس المتينة لبناء وحدة الماركسية-اللينينية المغربية، أسس تنبع أولاً من الممارسة الثورية لكل تنظيم، هذه الوحدة التي تشكل الخطوة الحاسمة في هذه المرحلة نحو بناء الحزب الثوري.
هذا التقييم النقدي سيتمحور بصفة خاصة جول مسألة بناء الحزب الثوري والهيكلة التنظيمية. وإن تطور ممارسة التنظيم منذ الندوة الوطنية حتى الأيام الأخيرة من انطلاقته الجديدة، يفرض هذا الطرح ويجعل من المشكل التنظيمي جوهر خطنا السياسي في هذه المرحلة؛ لماذا؟ ليس فقط بسبب أن التنظيم يستمد بنيته وأشكال علاقاته من الخط السياسي الذي يحمله، باعتبار أن التنظيم هو التجسيد الحي للخط السياسي في ممارسة الحركة الجماهيرية، أو حلقة الوصل بين النظرية والممارسة وتأليف ديناميكي وخلاق بين النظرية وحركة الواقع المراد تغييره في جدليتها المتواصلة، ولكن أيضا وهذا ما تسجله خلاصات العشرة أشهر من كفاح التنظيم، لكون الضعف الأساسي قد ظلّ يكمن على المستوى التنظيمي، وأننا في مواجهة مشكلة التنظيم لم نستطع تحقيق تقدم ملموس يمكننا من الانتقال إلى مرحلة أخرى، بالرغم من أن تقدّما هائلا قد تم على مستوى خطنا السياسي، ذلك التقدم الذي يؤكّده نص "حول الاستراتيجية الثورية" وخطتنا السياسية في هذه المرحلة.
هكذا فإن محاكمة التنظيم في ممارسته هي محتكمة تستمد مقاييسها النقدية من خطنا السياسي، من فعاليته أو عدمها في ترجمة هذا الخط أي ممارسة داخل الجماهير تتبلور بتقدم التنظيم، ويتدعّم ويتصلّب هو ذاته عبر تقدم هذه الممارسة، محاكمة لمسيرة التنظيم نحو تنظيم ثوري، نحو الحزب الثوري قائد الثورة.
فاللامركزية التي ظلت المبدأ التنظيمي الذي يحدد هيكلة التنظيم وأشكال علاقاته المختلفة، لم تكن إلا انعكاسا لخط سياسي يميزه بشكل رئيسي العفوية، عفوية حركة الجماهير في بناء تنظيمها الثوري، عفوية الجماهير في بناء استراتيجيتها الثورية، كما كان يعبّر عنها مفهوم "الانطلاقة الثورية"، والنتيجة هي: العفوية في ممارسة التنظيم، وفي ممارسة الرفاق اليومية (وهذا يفسر أسلوب المناشير الذي كان سائدا والذي لا يرتبط بالعمل القاعدي اليومي إلى حدود الفترة الأخيرة في عملنا، وأسلوب الخطابة والتحريض الفوقي في مواجهة البيروقراطية النقابية...)، فلم تكن اللامركزية إذن تعبيرا عن هذا الخط السياسي الذي لم يأخذ في التحول إلا بعد الندوة الوطنية ونضالات فبراير ومارس.
وسنحاول هنا أن نلمس جذور تلك الممارسة، في خطنا السياسي قبل كل شيء، وفي الشروط التي انبثق فيها التنظيم، شروط ذاتية وشروط موضوعية.
1)لقد كانت الأطروحة الأساسية لانفصال صيف 1970 عن الحزب التحريفي (حزب التحرر والاشتراكية) هي التالية: إن الطاقات الثورية للجماهير تنمو وتتصاعد، متجاوزة الخط الانتظاري والإصلاحي للقوى السياسية البرجوازية، وأن واجب الثوريين من أجل بلورة هذه الطاقات هو بناء الحزب الثوري، تلك هي مهمة الساعة بالنسبة للثوريين. هاته الأطروحة قد تم دفعها إلى حدها الأقصى في شكل مفهوم "الانطلاقة الثورية". وقد استطعنا خلال النضالات الكبرى في 1972 أن نعيد تقييم ومحاكمة هذا المفهوم في ماي، وفي النص الصادر في آخر يونيو "حول الاستراتيجية الثورية". إلا أننا لم نقم بذلك قط على المستوى التنظيمي لهذا المفهوم الذي كان يستند على العفوية الكاملة للجماهير في تقدم مراحل الثورة، وكان الأساس السياسي والإيديولوجي لمبدأ اللامركزية ومفهوم القيادة كتنسيق فقط.
وقد استثمر مفهوم "الانطلاقة الثورية" إلى أقصى درجة في النص الصادر في ماي 1971 حول "استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم" الذي أعطى لمفهوم "الانطلاقة الثورية" شكل انتفاضة 1905 الروسية، وعلى مستوى التنظيم فقد أكد النص مبدأ اللامركزية المفرطة، بل وإن الدعوة إلى تشتيت التنظيم عبر قطاعات الجماهير. وفي الحقيقة فإن هذا النص كان يهدف، بهذا الخط الذي طرحه، إلى قلْب البنية البرجوازية الصغيرة السائدة داخل التنظيم والتجذر داخل الجماهير، وذلك من خلال حركة الجماهير الثورية. إلا أن النص نتيجة لكونه ظل سجين مفهوم "الانطلاقة الثورية" لكل ما تحمله من عفوية وتصور ميكانيكي للثورة ولشكل التنظيم، لم يكن بإمكانه حل معضلة البنية البرجوازية الصغيرة للتنظيم. كما أن النص في ظل الخط السائد في تلك المرحلة كان قاصرا عن فهم دور التنظيم في مرحلة تقدم حركة الجماهير العفوية وبناء الأداة الثورية، دور الطليعة في تركيز بلورة المواقع والفصائل المتقدمة في حركة الجماهير في كل مرحلة، وذلك من خلال اندماج الطليعة بحركة الجماهير العفوية وعلى رأسها الطبقة العاملة بمختلف الأساليب، وممارستها لعمل سياسي وتنظيمي يومي وطويل النفس داخل هذه الحركة، وفي مواقعها المتقدمة أولا، ودور التركيز والبلورة في مرحلة بناء الأداة يتطلب تنظيما مركزيا متينا قادراً على إنجاز المهمة وذا قيادة صلبة.
2) لم يكن الانفصال عن الحزب التحريفي فقط قطيعة على مستوى الخط السياسي، الخط القائم على الخيانة المكشوفة للثورة الفلسطينية والثورة العربية، وعلى الذيلية للبرجوازية الإصلاحية، ولكن أيضا قطيعة مع ممارسة بيروقراطية شديدة لجماعة علي يعتة (التي كانت تشكل من قبل ما عرف بالحزب الشيوعي)، الناتجة عن عزلته الجماهيرية الحادة، وتقوقعه كمجموعة برجوازية صغيرة متنامية في بنية مركزية بيروقراطية تستند على الخضوع المطلق لقيادة جامدة تدّعي امتلاك المعرفة الثورية ولا تعتبر القواعد إلا مجرد أداة تنفيذية. بيد أن هذه القطيعة قد اتخذت شكل لا مركزية متطرفة، تغفل العلاقة الجدلية في تنظيم ثوري بين المركزية والديمقراطية التي تسمح بتعزيز مبادرات المناضلين في الوقت الذي تركز وحدة سياسية وإيديولوجية متينة ضرورية من أجل تركيز القوى المتقدمة للجماهير في كل مرحلة.
3) منذ تأسيس القواعد الأولى لتنظيمنا وهو يستمد خطّه السياسي من الموضوعة الماركسية اللينينية حول بناء الحزب الثوري. ذلك البناء الذي يتم في خضم الكفاح الثوري الجماهيري، وتبلوره عبر هذا الكفاح كطليعة ثورية بالسير على رأس هذه الكفاحات وقيادتها واستخلاص الدروس منها. إلا أنه في ظل مفهوم "الانطلاقة الثورية" الذي يستند على العفوية الكاملة للجماهير في فتح طريق الثورة، وفي ظل القطيعة مع التحريفية على المستوى التنظيمي كبنية بيروقراطية جامدة، فإننا في هذه الموضوعة الجدلية ركزنا على طرف واحد منها، طرف الجماهير، وتم إهمال الدور الطليعي للتنظيم، الذي يتدعم ويتماسك كمنظمة للمحترفين الثوريين من خلال ترسخه وتجذره داخل الكفاح الجماهيري.
في هذا الإطار فإن "الجبهة الثورية الشعبية"، بالشكل الذي طرحت للنقاش منذ شتنبر 1971، لم تكن في ذلك السياق إلا إحدى مظاهر هذه العفوية التي كانت تطبع خطنا السياسي وممارستنا التنظيمية، وإغفال دور الطليعة الماركسية-اللينينية في بناء هذه الجبهة الثورية. فالجبهة الثورية التي لا تعني تحالفا فوقيا بين القوى السياسية، بل جبهة الجماهير تحت قيادة الحزب الماركسي-اللينيني لن تنبني إلا بتقدم الأداة الثورية وقدرتها على قيادة الحركة الجماهيرية وتجذرها في نضالات الجماهير، وجر كل القوى الطبقية المعادية للنظام إلى ساحة الصراع الطبقي ضد النظام وأسياده الامبرياليين، ومدى قدرة هذه الطليعة على خوض نضال إيديولوجي حازم ضد مختلف الإيديولوجيات البرجوازية، وعلى تفجير الصراع الطبقي في البادية، ومدى قدرتها من خلال ذلك على تفجير طاقات العنف الثوري الجماهيري في أفق فتح طريق الحرب الشعبية.
من الأكيد أن التركيز على طرف من جدلية الجماهير/الحزب كان ضروريا لمواجهة النزعات البرجوازية الصغيرة النخبوية والشبكية، الممتدة داخل التنظيم بفعل تركيبه الطبقي وشروط المرحلة التاريخية، التي لا ترى الثورة والتنظيم إلا عملية تقنية في بناء شبكة من الثوريين المخلصين خارج الكفاح الثوري للجماهير، يمكنها أن تجر الجماهير ورائها. وتهمل دور الكفاح الجماهيري ودور الحزب كطليعة منبثقة من هذا الكفاح نفسه، الشيء الذي أثبتت اعتقالات مارس فشله وسقوطه في نفس الطريق المسدود لإرهاب البرجوازيين الصغار عبر العالم. كذلك المفهوم الذي لا يرى بناء الحزب إلا في ظروف السلم قبل خوض الكفاح الجماهيري، كما لو أن الحزب سفينة تُبنى على اليابسة قبل دخولها إلى عمق المحيط ومجابهة عواصفه. إلا أن التأكيد على طرف الجدلية الأول وإغفال دور الثوريين في هذه العملية من العمل اليومي الصبور والدائم في تنظيم الجماهير وفي تفجير الكفاحات في إطار أفق استراتيجي واضح، قد سمح بنموّ نزعة عفوية تغفل هذا الدور الحاسم، وتقفز على غنى هذه الجدلية وعمقها. فإذا كان الحزب الثوري يتهيكل في خضم الأعاصير القوية داخل المحيط، فإنه يتهيكل كمنظمة ثورية من المحترفين، كطليعة متراصة ومتلاحمة تفرزها معارك الجماهير في الصراع الطبقي الذي تخوضه. هاته الطليعة التي تبني صفوفها بشكل متراصّ داخل الجماهير من خلال العمل التنظيمي اليومي داخل الجماهير، وتركيز هذا التنظيم كتجسيد للخط السياسي وبلورة القوى المتقدّمة في كل مرحلة من تفجير الطاقات الثورية للجماهير، وهذا ما كانت تفتقده ممارستنا التنظيمية، وما أكدته النضالات الهائلة في فبراير/مارس 1972.
إن هذه الجدلية كما قلنا معقدة وغنية، ويزيد في هذا التعقيد معضلة الثورة المغربية التي تتمثل في الفارق النوعي بين مستوى الحركة الجماهيرية ومستوى الحركة الماركسية-اللينينية وتخلفها كأداة للثورة. وهذا الفارق النوعي لا يمكن تجاوزه إلا بقفزة نوعية في ممارسة الحركة الماركسية-اللنينية، وذلك بنهج خطّ سياسي سديد وتكتيكات سديدة في كل مرحلة يمكّن من تجذر الحركة الماركسية-اللنينية في كفاح الجماهير، وفي كل مرحلة يكون فيها أحد طرفي الجدلية هو مركز التناقض. إن واجبنا في ظروف المعارك الكبرى، هو الاندماج في هذه المعارك وقيادتها، وفي مرحلة أخرى تركيز التنظيم وتدعيمه.
4) إن الأفكار الكبرى للثورة الثقافية العظمى في الصين قد مكنت من إحياء وإغناء النظرية الماركسية-اللنينية التي كانت التحريفية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، بلد ثورة أكتوبر وبلد لينين، قد أسدلت عليها ستارا كثيفا من التحريف والتشويه. لقد أعادت الثورة الثقافية رفع راية الخط الجماهيري. ونحن الماركسيون-اللينينيون المغاربة لم يكن انفصالنا قطيعة مع التحريفية المحلية فقط، بل ومع كل خط التحريفية العالمية، وفي نفس الوقت استيعاب المساهمة العظيمة للثورة الثقافية ولخطها الجماهيري الذي يستند على قدرة الجماهير الخلاقة في صنع الثورة وقيادتها. واستنادا إلى هذه المساهمة استطاع المناضلون الثوريون في مختلف جبهات العالم إدراك خيانات التحريفية وإزالة التشويهات والغموض التي كانت تحجب بها المبادئ العظيمة للماركسية-اللينينية. إلا أن تيارا قد نما في ظل هذه المساهمة وفي مواجهة الأحزاب "الشيوعية" الدائرة في فلك التحريفية العالمية، وامتد هذا التأثير داخل التنظيم. وهذا التيار، وإن كان يهدف إلى مناهضة التحريفية، فإنه يغفل كل تراث الماركسية-اللينينية التي ترعت وتقوّت خلال ما يقرب من قرن وربع من كفاح وتضحيات الطبقة العاملة العالمية والشعوب المقهورة. كما أن تياراً مضاداً من قبل كان قد نشأ تحت تأثير كتاب لينين "ما العمل؟" بفصله عن إطاره التاريخي والسياق الموضوعي للثورة الروسية وبفهمه لمساهمة لينين حول دور التنظيم كمنظمة للمحترفين الثوريين بفهوم القادة فوق الجماهير.
إن جدلية فكر لينين ومساهمة الثورة الثقافية الكبرى ونضالات الثورة العالمية تجعلنا نرفع عاليا موضوعة الحزب الثوري كانبثاق لتقدم وتعمق كفاحات الجماهير، وتهيكله كحزب ثوري يستند إلى المركزية الديمقراطية في قيادته لكفاجات الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة طليعة الثورة، بكل ما تحمله هذه الموضوعة من مضامين خلاقة.
في ظل مجموع هذه المعطيات فإن اللامركزية قد ترسّخت كبنية أساسية للتنظيم، وشكّلت الضعف الأساسي لتنظيمنا. ففي حين كانت النضالات المتفجرة للشبيبة المدرسية بمساندة الجماهير الشعبية خلال فبراير ومارس 1972 وما بعدها تعمل على تصحيح خطّنا السياسي، فإننا على مستوى التنظيم لم نستطع تجاوز المفاهيم السائدة. وظلت القيادة مجرد تنسيق بين النواحي بالرغم من التقدم الملموس على مستوى هيكلة القيادة خلال الندوة الوطنية (اللجنة الوطنية تنبثق عنها الكتابة)، بل إن وثيقة "مهامنا في الوضع الراهن" التي كانت قد طرحت المشكل لم تزد على مجرد اتخاذ إجراءات شكلية، كحذف كلمة التنسيق والتوصية بممارسة القيادات المحلية للمركزية، دون الارتكاز إلى تقييم للبنية التنظيمية إنطلاقا من الخطّ السياسي، الشيء الذي لم نتكن من إنجازه بشكل جذري إلا في المرحلة الأخيرة في إطار النقد والنقد الذاتي للجنة الوطنية.
وسنعيد في هذا التقديم تخطيط المحاور الرئيسية التي يجب أن تستند عليها الإنطلاقة الجديدة لتنظيمنا نحو بناء منظمة ثورية صلبة:
(أ)- منظمة ثورية مهيكلة من المحترفين الثوريين، منظمة الشيوعيين الذين ينظمون ويكرسون حياتهم وممارستهم اليومية للثورة، ينبثقون من النضال الجماهيري ويشكلون طليعته، وعلى هذا الأساس يتحدّد أعضائها وتتحدّد مقاييس استقطابهم. منظمة ثورية تندمج بحركة الجماهير وتعمل على بلورة القوى المتقدمة من حركة الجماهير في كل مرحلة.
(ب)- منظمة ثورية تستند على الدور الطليعي للبروليتاريا في الخطّ والممارسة، وتضع مهمة التجذر داخل الطبقة العاملة في مقدمة كل المهام، من أجل بناء الطليعة البروليتارية. وبدون إنجاز هذه المهام "فإن تنظيم المحترفين الثوريين قد يصبح ألعوبة ومغامرة ومجرد شعار بدون مضمون" كما يقول لينين. منظمة ثورية تستعمل نظرية البروليتاريا، الماركسية-اللينينية، في تحليل الواقع الملموس لبلادنا وخوض نضال حازم ضد مختلف الإيديولوجيات البرجوازية.
(ج)- منظمة ثورية تستند على المركزية الديمقراطية في ديناميتها الداخلية، في جدلية القيادة والخلايا، وتستمد حيويتها من جدلية المنظمة والجماهير. منظمة مبنية على وحدة الإرادة ووحدة الفكر والممارسة الجماعية، مركزية لبناء وحدة متينة سياسية وإيديولوجية وتنظيمية كبلورة للقوى الطليعية للجماهير، ديمقراطية تفتح مجال المبادرة والنقد داخل التنظيم.
(د)- منظمة ثورية ذات قيادة صلبة ومتينة قادرة على بناء الخط السياسي وضمان تطبيقه في كل مرحلة، وتطوير ممارسة التنظيم، وقادرة على ضمان الوحدة السياسية والإيديولوجية والتنظيمية وعلى نهج المركزية الديمقراطية داخل التنظيم.
(ه)- منظمة ثورية يلتزم أفرادها بالانضباط الصارم على كافة المستويات، انضباط الرفاق للخلايا، انضباط الأجهزة الدنيا للأجهزة العليا، وبالممارسة الدائمة للنقد والنقد الذاتي جماعيا وفرديا، داخليا ومع الجماهير.
(و)- منظمة ذات خط سياسي سديد ينبع من الاستيعاب الدائم لخصائص الوضع ببلادنا وتطوراته، والقدرة على استعمال المنهج الماركسي-اللينيني في تحديد هذا الخطّ؛ خطّ سياسي يستند على تطوير حركة الجماهير الثورية والسير على رأسها، وفي مقدمتها الفلاحون الفقراء وأشباه البروليتاريا ومجموع قوى الشعب الثورية بطليعة البروليتاريا وحزبها الطليعي، نحو آفاق الحرب الشعبية ودمج العنف الثوري بمسيرة حركة الجماهير نحو الحرب الشعبية.
(ز)- منظمة ثورية تساهم بشكل فعّال في وحدة الماركسيين-اللينينيين، مساهمة تنبني على حصيلة نضال المنظمتين الثوريتين ومكتسباتهما داخل الحركة الجماهيرية، من أجل منظمة ماركسية-لينينية موحدة على طريق بناء الحزب الثّوري.
*********
****
وعلى قاعدة هذه الخلاصات حول بناء منظمة ثورية سنحاول، عبر هذا التقرير عرض ممارسة التنظيم خلال 10 أشهر الماضية منذ الندوة الوطنية الأولى إلى نونبر 1972، واتخاذ القرارات المناسبة في آخره. وسنلمس عبر هذا التقرير أن أخطاء اللجنة الوطنية والتنظيم ومجموع الرفاق، سواء أولئك الذين نُشير إليهم في هذا التقرير أم باقي رفاق القيادة والتنظيم، تجد أسسها الموضوعية في بنية التنظيم السابقة وخطّه السياسي. كما أن كفاح التنظيم خلال فبراير، مارس وأبريل من هذه السنة -1972- والقمع الوحشي للجهاز البوليسي في فترة، ومرحلة الجزر داخل الحركة الجماهيرية وانكماش التنظيم خلال الصيف، هي التي ستمكننا من هذه المراجعة النقدية ومن تحديد هذه الخلاصات، وتجعل كما قلنا في البداية من المسألة التنظيمية مركز ممارستنا السياسية في هذه المرحلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.