سبحان مبدل الأحوال إدا كانت الحكومة قد تراجعت عن العصا لمن عصا و ذلك بتوظيف ثلة من حاملي الشواهد العليا فإن عدد العاطلين خرجي الجامعات و المعاهد العلمية و التقنية يقترب من عدد العاطلين غير المؤهلين و مع ذلك تعتقد إحصاءات الحكومية أن مجموع العاطلين في بلادنا لا يتجاوز 9% لأن هذه الأحصاءات تدرج الباعة المتجولين في الأسواق و الساحات العمومية الذين تطاردهم سلطات البلديات ضمن قائمة العاملين . و إلى وقت قريب كانت البطالة المقنعة في بلادنا هي مشكلة المشاكل غير أن مشكلة بطالة الخريجين أزمت الوضعية و زادتها تعقيدا لأن الحكومة هي التي اختارت السياسة لليبرالية انسحبت من قطاع التشغيل و تركته للقطاع الخاص الذي يبحث عن الأرباح بأقل التكاليف . و لقد فوجئت الحكومة بهذه الوضعية و حاولت أن تجد لهاعلاجا في قروض الخريجين و تركتها بين يدي أبناك تجارية لا تفهم غير الربح والخسارة و تركت معاهد التكوين و التأهيل تسبح في فضاءات غير فضاءات المغرب سنويا إلى ساحة البطالة بعشرات المكونين و المؤهلين و المثقفين و لم تربط بهده المعاهد سياسة شاملة للتشغيل أو إستراتيجية واضحة للتنمية و لا باحتياجات البلاد . و أمام هذه الوضعية المزرية انسحب الآباء من تجارةالتجول و تقاعدوا و تركوا لأبنائهم الخريجين و المؤهلين و العاطلين مجال مصارعة سلطات البلديات في الأسواق و الساحات من أجل تحقيق لقمة العيش لأسرهم. و إذا حاولنا أن نربط هذه الأسباب كلها ببعضها فإننا نجد وضعية التشغيل في بلادنا تتخبط في كومة من الارتجال.الشئ الذي يتطلب مخرجا في إستراتيجية شاملة تنقد المغرب من كارثة البطالة و كارثة البطالة من كارثة الجوع فهي وجهة لعملة واحدة في بلاد غنية ، و لو كان المغرب فقيرا لكان الأمر أهون و لكن الفقر في بلاد غنية يستدعي الكفر بحدة ، و أخطر مظاهر الكفر هو أن يفقد المواطن ثقته في وطنه الغني حيث يزداد الأغنياء غنى و يزداد الفقراء فقرا . لقد بات المواطن العاطل مغامرا يتسلل إلى أوروبا و يعرض حياته للخطر و هو يحاول اجتياز أمواج المتوسط بقارب صيد صغير ،و بات الشباب العاطل يئسا يدفن همومه في تعاطي المخدرات و شرب ماء الحياة (ماحيا) و يوميا تتسع رقعة التهميش في بلاد لها بحار غنية و أرض فلاحية خصبة ومجلات أوسع للعمل في جميع القطاعات و لكن الحكومة لا تفكر في غير زيادة مواردها الضريبية كما لو كانت الدول تعيش بالضرائب و ليس باستغلال مواردها الطبيعية و أهمها المورد البشري التي تعتبر لدى الدول التي تبحث عن رفاهية شعوبها في قمة المواد.