د. عبد اللطيف بروحو عضو المجلس الوطني للحزب //// يتابع الرأي العام الوطني بكثير من الاهتمام ما يحدث داخل حزب العدالة والتنمية، سواء تعلق الأمر بالوضع السياسي التي وجد نفسه فيه منذ نهاية 2016، أو حالة التنازع الداخلي الذي عاشه الحزب قبل المؤتمر الوطني الأخير. وتعددت الخرجات الإعلامية والسياسية لعدد من الإخوة والأخوات، من أعضاء الحزب خاصة، في محاولة لتشريح وضعية الحزب، أو الانتصار لرأي أو موقف سياسي أو تنظيمي، وفِي بعض الأحيان بإسقاط جزئيات معينة أو استعمال غير سليم لبعض التفاصيل التي عرفتها قترة بلوكاج 2016 أو تشكيل الحكومة الحالية. وعادة ما أحرص على التفاعل مع الأفكار والآراء بتجرد عن مواقف أصحابها، غير أن محاولات تمرير عدد من التفاصيل بشكل مخالف لسياقاتها، وتصوير الحزب وكأنه أصبح قلعة منغلقة وخائفة من محيطها، يجعلني أقف على ما تفضلت به الأخت امنة ماء العينين خلال مداخلة لها بملتقى شبيبة العدالةوالتنمية، بحيث ادعت أن الحزب يعيش أزمة حقيقية بعد مرحلة البلوكاج وانه عاش تخبطا في هذه المرحلة، وكان من المفروض أنيكون الحزب قد حضَّر نفسه لجميع الاحتمالات ويستعد لها، ومنبينها احتمال إعفاء بنكيران من منصبه”، كما أنها أصرت على تمرير عدد من الأحكام والتصنيفات الجاهزة والمضطربة بشكل منسجم مع توجهات أخرى متناغمة معها. وهذا المنطق قد يهدف دغدغة العواطف عبر إطلاق الأحكام الجاهزة، وترسيخ صورة انطباعية بدأت في سياق معروف وممن يفكر بمنطق الأزمات والصدمات في مجال العمل السياسي، وهو منطق احترفه اليسار الجذري منذ عقود ولا يستقيم مع المنهج الإصلاحي الذي اعتمده الحزب منذ عشرين سنة ولا يزالمعتمدا إياه إلى أن يتم الاتفاق على خلافه. واذا كنّا متفقين أن الحزب قد عاش اوضاعا صعبة قبل وبعد إعفاء الأستاذ بن كيران من رئاسة الحكومة، فإننا نطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة الحزب على الاشتغال بشكل مؤسساتي منذ نهاية 2016، وآثار تعطيل المؤسسات (وبشكل خاص الأمانة العامة للحزب) وذلك مباشرة بعد تشكيل الحكومة الحالية منذ شهر ماي 2017. وليس المجال هنا لترتيب المسؤوليات ومناقشة المسببات، وإنما تدقيق عدد من الادعاءات التي يتم تنسيقها بشكل مخالف لما حدث فعلا خلال سنة كاملة، ويعتبر تعيين الدكتور سعد الدينالعثماني وتشكيله للحكومة جزءا من هذه السيرورة التي اعتمدت بشكل أساسي على مبدأ الاشتغال بمنطق المؤسسة الحزبية الذي يعتبر ضمان الديمقراطية الداخلية. ولا يمكن هنا الادعاء بأن الحزب قد فشل في التدبير الجيد لهذه الظرفية الاستثنائية التي عاشها، وإلا فأننا بذلك نسيء بشكل أساسي للأستاذ عبد الإله ابن كيران الذي كان أمينا عاما للحزب حتى نهاية سنة 2017، والذي كان حريصا في مواجهة ازمة تشكيل الحكومة، انطلاقا من وعيه الفطري وإدراكه الغريزيكما هو معروف عنه في تاريخه الحركي والسياسي، على التفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي الذي تضمن إعفاءه، كما كان حريصا على استمرار الحزب في تجربته الحكومية وهو أدرى منا جميعا بخفايا الأمور والكواليس ومواقع النفوذ والقوة داخل أجهزة الدولة، وقد صرح بشكل واضح في لقاء بالوليدية خلال شهر مارس 2017 بأنه سيكون راضيا إذا اختار جلالة الملك إعفاءه من منصبه وتعيين شخص آخر. وبالمقابل يمكن الجزم بأن الفترة التي شهدت استمرار اشتغال المؤسسات داخل الحزب قد كنا فيها في موقع قوة سياسية حقيقية رغم الضربات التي تلقاها الحزب نتيجة فترة البلوكاج، فالأمانة العامة كانت حاضرة بقوة، والمجلس الوطني عرف إجماعا حقيقيا وقوة سياسية فعلية رغم خطورة الوضع السياسي للحزب خلال شهر أبريل 2017. ومن جهة ثانية، يمكن القول بأن الحزب كان مهددا بأزمة داخلية حقيقية بعد تفاقم حدة الاصطفافات، والتنازع الداخلي الذي وصل حد التخوين والتكذيب ومحاولات التشويه والقتل السياسي لقيادات الحزب، ومحاولات تقسيم المناضلين لتيارات وهمية، ولَم تهدأ هذه المحاولات حتى بعد اشتغال المؤسسات، وعلى رأسها المجلس الوطني ثم المؤتمر الوطني خلال نهاية سنة 2017. ويمكن الجزم هنا بأن الخطر الذي كان يتهدد الحزب يأتي جزء منه من تعطيل مؤسسات الحزب وقيادته السياسية، مما جعل الحزب بأكمله في وضعية انتظار قاتل، وكل ذلك في غياب تأطير حقيقي لمناضلي الحزب وغياب مواقف مرجعية للقيادة لسياسية للحزب، وغياب مواقف مرجعية للقيادة لسياسية للحزب موطرةوموجهة للنقاش وحاسمة للجدل. وعلى هذا الأساس، وبمجرد استئناف المؤسسات لنشاطها، بدءا بالامانة العامة مرورا بالمجلس الوطني وهيئة التحكيم فالموتمر الوطني، عاد الحزب تدريجيا لحيويته السياسية واستمر بشكل جلي في ديمقراطيته الداخلية، والتي تجسدت فياستكمال الحزب لهيكلته التنظيمية بشكل عادي بعقد موتمراتهالجهوية والإقليمية والمحلية، وبشكل خاص بإطلاق الحوارالداخلي الذي كان يشكل تحديا سياسيا داخليا في حد ذاته، وتمكن الحزب في ظله من تجاوز التخوفات والهواجس التي كانت تخيم على بعض قياداته ومناضليه، واستمر النقاش السياسي ضمنه بمستوى عالٍ. وإذا كانت الأخت ماء العينين قد تساءلت "أين هو حزبالعدالة والتنمية بوجهه وعطائه السياسي، مضيفة "حزب العدالةوالتنمية لم يعد حاضرا اليوم والشخصيات النكرة هي منأصبحت تؤثر المشهد السياسي"، فإننا نتساءل من جهة عن مدى دقة هذا الوضع، وعن مؤشرات ومسبباته، لأن المنطق العلمي يفترض أولا تقديم هذه المعطيات قبل الوصول للنتيجة التي تقدمت بها. فقيادات الحزب اليوم هم قياداته بالأمس، فهل كانوا شخصيات معروفة أمس وأضحوا نكرات بين عشية وضحاها ؟ويعتبر عقد شبيبة العدالة والتنمية للملتقى الوطني بهذا الحجم وبهذه القوة وبهذا الزخم الإعلامي خير دليل على تناقض هذا الطرح الذي تقدمت به الأخت الفاضلة مع الواقع، بل إن حضور قيادات الحزب وفي مقدمتها الأمين العام الدكتور سعد الدين العثماني والأستاذ عبد الإله بن كيران للملتقى يعبر عن قوة الحزب السياسية وتعافيه بشكل فعلي من مسببات التهديدات الداخلية التي عرفها الحزب. فالحضور السياسي لأي حزب وقوته التنظيمية والسياسية يقاس أساسا بوضعه الداخلي وبعلاقاته بالفاعلين السياسيين والمؤسساتيين، وهذا ما لا يمكن الاختلاف حوله. فخلافا لما يتم تسويقه أو ترسيخ صورة انطباعية بخصوصه، فقد استطاع حزب العدالة والتنمية ضمان استمرارية عمله المؤسساتي والتنظيمي، بدءا من دورات المجلس الوطني العادية والاستثنائية، وتدبير خلافاته التنظيمية بشكل مؤسساتي عبر الأمانة العامة وهيأت التحكيم الوطنية ومكتب المجلس الوطني، وصولا لمحطة المؤتمر الوطني…