في السنة الماضية، اضطر أحد أصدقائي إلى طلب إعادة تصحيح امتحان اللغة العربية لابنته في إطار الامتحان الجهوي، وكانت هذه البنت شعلة في جميع المواد رغم أن تخصصها هو العلوم الرياضية، وكنت شجعتها على هذا الطلب لأنها لا تستحق نقطة 9 على عشرين، وقد قرأت لها بعض القصص والخواطر فوجدتها صاحبة أسلوب لا يمتلكه حتى تلاميذ الشعب الأدبية. التلميذة حصلت على 16 على عشرين في هذا الامتحان الجهوي، ولولا العربية لكانت نقطتها مرتفعة. أما في المواد العلمية، فإنها عبقرية بكل المقاييس. بعد زمن، جاء رد وزارة التربية باردا هادئا، يؤكد التسعة على عشرين دون زيادة أو نقصان. هل تمت إعادة تصحيح ورقتها؟ كيف؟ من طرف من؟ لا أحد يدري. أما قبل الرقمنة، فقد كانت هناك إجراءات مادية، من وضع طلب ورقي لدى المديرية إلى استدعاء المصححين ماديا إلى جواب مكتوب من طرف كائنات أرضية لا رقمية. عرفت هذه السنة طلبات كثيرة لإعادة التصحيح في المغرب، ومن المؤكد أنها ستعالج بالطريقة نفسها، أي "كم حاجة قضيناها بإهمالها"، وليس هناك أي مجال آخر للاحتجاج أو الحجة المادية حتى يطمئن قلب التلميذ ويسترجع الطمأنينة والثقة في النفس والتفاؤل الضروري لمواصلة الاجتهاد. نحن أتينا في هذا المقال بنموذج العلاقة الرقمية التي أصبحت تربط المواطن بالإدارة، علاقة تمثل تطورا كبيرا لتجاوز البيروقراطية والرشوة والتماطل والتدخلات وغير ذلك، كأن تحصل على نسخة من عقد الازدياد دون عذاب الطوابير أو رخصة السياقة دون تدخلات بشرية ولا تعقيدات إدارية، أو أن تحصل على معلومات في وزارة أو مؤسسة عمومية أو غير ذلك. كلام جميل، لولا أن الإدارة المغربية لا تأخذ في الغالب الأعم إلا الجانب الشيطاني من الرقمنة، وهو التخلص من المواطن وإسكاته وتحطيمه لأنه لا يجد مخاطبا بشريا يشرح له أو يشفي غليل قلبه من السؤال والتعجب والحيرة. هذا التعامل الشيطاني ليس مقصورا على المغرب، بل موجود حتى في أوروبا؛ فقد اشتكى كثير من المغاربة في فرنسا، مثلا، من بوابة الحصول على الإقامة لمن يريد إكمال دراسته أو من ارتبط بأجنبية أو ارتبطت بأجنبي. وكان المغاربة يلعبون لعبة "الغميضة" أو "كاش كاش" مع هذه البوابة، التي ليس لها وقت محدد للاشتغال، تنفتح ساعة بين منتصف الليل والواحدة صباحا وقد تنفتح في الثالثة إلى الرابعة وقد تنفتح نهارا بين الثانية والثالثة بعد الزوال، مما جعل طالبي الإقامة يتناوبون جماعة على ترصد البوابة ليُشعِروا بعضهم بعضا، أو حتى ملء الاستمارات لبعضهم. وحديث طلب "فيزا" شنغن وفضائحه لا يزال طريا. هذا في بلد الثورة الفرنسية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أما في بلدنا فحدث ولا حرج. السؤال الذي نوجهه إلى الحكومة اليوم: هل أصبحت الرقمنة أداة للصد أم هي أداة الجِد لمحو آثار البيروقراطية الكئيبة؟ لأننا لم نضع كثيرا من المواد مما يحترق في "الطاجين" بعد، فإذا كانت الرقمنة وبالا على المغاربة فأرجعوا لنا حبيبتنا المفقودة، البيروقراطية الكلاسيكية، نستطيع-على الأقل-أن نسمعكم أصواتنا وبكاءنا ودعاءنا عليكم بالويل والثبور.