1- عندما يصل الأمر إلى حدّ إحراق المعطلين من ذوي الشهادات لأجسادهم أمام مقر البرلمان في العاصمة الرباط، كما حصل بداية هذا الأسبوع، بهدف الضغط على الحكومة لتشغيلهم، فهذا لا يدلّ سوى على شيء واحد، وهو أن المواطن المغربي لا قيمة له ولا عزّة ولا كرامة. لهذا صار الحل الوحيد أمام هؤلاء الشباب المعطلين هو التهديد برمي أنفسهم من أسطح المباني على شكل انتحار جماعي، وصبّ الوقود على أجسادهم قبل إيقاد النار فيها. فأي دولة يمكن أن تحدث فيها مثل هذه الكوارث الإنسانية دون أن تتعرض الحكومة والبلد برمّته لأي رجّة سياسية؟ إنه المغرب بطبيعة الحال. 2- المثير للدهشة والاستغراب والتعجب هو أن حتى مثل هذه التصرفات الخطيرة التي ينفذها هؤلاء المعطلون في أكبر شارع مغربي، وأمام بناية مجلس النواب في العاصمة، وتصوّرها كاميرات القنوات التلفزيونية العالمية وكاميرات السياح الأجانب، صارت شيئا عاديا جدا، سواء من لدن الحكومة أو الرأي العام الوطني. فحتى لو انتحر هؤلاء جميعا، لما اهتم أحد بقضيتهم، ولما شعر عباس الفاسي ومن معه بأي حرج. ببساطة، لأن الشعب المغربي ليس هو من يختار من يحكمه. لذلك فعندما نقول بأننا يائسون من مستقبل هذا البلد فلأن هناك أسبابا منطقية تجعلنا ننظر إلى هذا المستقبل بمنظار سوداوي. 3- خذوا على سبيل المثال الإضراب عن الطعام الذي تخوضه ثلة من المعلمات داخل مقر الجامعة الحرة للتعليم بالرباط منذ أكثر من شهرين، فقط من أجل مطالبة الوزارة بإلحاقهن بأزواجهن، وهو مطلب مشروع. هؤلاء المعلمات اللواتي لم يتذوقن طعاما منذ أكثر من شهرين يعشْن على حافة الموت، ومنهن واحدة أنجبت مولودا يعاني من مرض فقر الدم، ومع ذلك ما يزال السيد أحمد اخشيشن، وزير التربية الوطنية والتعليم عنيدا في موقفه المتصلب تجاه مطلب هؤلاء المعلمات اللواتي يقفن على حافة الموت. لكن الأدهى والأمرّ هو أن معاناة هؤلاء المعلمات لم تعد تثير انتباه أحد، وإضرابهن القياسي عن الطعان صار بدوره شيئا عاديا، بعد أن تناسهنّ الجميع. فأين هي الصحافة؟ وأين هي الجمعيات الحقوقية؟ وأين هم المثقفون؟ وأين هو الرأي العام المغربي؟ أيها السادة، هل من غيور على مصلحة هذا الوطن وأهله؟؟؟ 4- إن مصيبتنا الكبرى في هذا الوطن الكئيب والحزين تكمن بالتحديد في كونه صار خاليا من الأصوات المنادية بالحق، وهذا بالتحديد ما جعله يصير وطنا للإهمال بامتياز. في العهد السابق، وعلى الرغم من كل الحديد والنار التي كان يُدار بها الحكم، كان هناك رجال حقيقيون يدافعون عن الحق وعن المواطنين، سواء من داخل الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات الحقوقية أو في صفوف المثقفين. اليوم، لم يعد أحد يرغب في أن يسبح ضدّ التيار، وأصبح الجميع يفضل أن يسبّح بحمد أولياء النعم. والنتيجة هي أن المواطن المغربي المغلوب على أمره صار أشبه بغريق يفتقد إلى طوق النجاة. حتى أن سكان المناطق النائية صاروا يقطعون مئات الكيلومترات قصد الوصول إلى العاصمة لتبليغ احتجاجاتهم على أوضاعهم المعيشية الكارثية إلى من يهمهم الأمر، كما هو حال سكان قرية أيت عبدي بأزيلال، الذين حلوا في الأسبوع الماضي بالعاصمة للاحتجاج، لكنهم أخطؤوا العنوان عندما توجهوا للاحتجاج أمام ضريح اسمه "سيدي البرلمان"! 5- نعلم جميعا، أن مشكلتنا الأساسية، والسبب الذي أوصلنا إلى هذا الوضع الكارثي، هو أننا نعيش في بلد غير ديمقراطي. بلد لا تخرج حكومته من صناديق الاقتراع بل تنزل على رأس الوزير الأول المعيّن في ليلة القدر! والمغرب على كل حال لم يكن في يوم من الأيام بلدا ديمقراطيا، لكن الفرق بين الأمس واليوم هو أن مغرب الماضي كان يحتضن رجالا ونساء يحملون في قلوبهم همّ الوطن والمواطن، أما اليوم فكل هذه الكراكيز التي نشاهدها على الساحة، باستثناء قلة قليلة جدا جدا، صار صوتها يخفت رويدا رويدا، ليس لديها شعار آخر سوى "راسي يا راسي". لأجل كل هذا، لا يسعنا سوى أن نردد مع الشاعر بأن أسوأ الأيام لم تأت بعد! [email protected]