المهدي، هداك الله إلى الكرامة، إلى مقاصدية الحياة، و أعزك بالإباء و قول الحق فعشت عزيزا و مت عزيزا دون منة أحد، قاومت في الحياة و في الممات، و ما لنت يوما و لا هرولت و لا وقفت على الأبواب، كرامتك أعطاها لك الغريب قبل القريب، و تلك صفات الشعوب التي لا تعرف قيمة ما تملك. إن الكرامة لا تباع و لا تشترى، و لا تلقن ولاتدرس في المدارس و لا الجامعات، هي إفراز للخلايا البيولوجية بما هي طبيعة بشرية من هبة الخالق ( و لقد كرمنا بني آدم )، فسرها أن مصدرها ليس بشريا، فهي لا تعطى و لا تقسط بل تتجسدن بالإحساس و ب "التذويت " أي تفعيل الذات. إنها التحصين الدفاعي للذات، إنها الانتشاء و الاحتفال بالانتماء إلى الذات . إنها السجل التاريخي لمقاومة الشعوب للظلم و الاستبداد، فلا قيمة للإنسان بدون كرامة و لا حرية، فالشعور بالمهانة والاحتقار في الوطن من أهم الأسباب وراء الثورة العربية، ولذلك حصل إجماع على تسميتها ب"ثورة الكرامة"، و قد كان رحمه الله من المتنبئين بهذه الثورات، و من الكرامة تكريمه و إكرامه ليس بحفلات التأبين أو تسمية الشوارع أو إقامة المؤسسات، فالتكريم إحساس بالكرامة، و رد الاعتبار للذات و الانتماء لها، فعلمونا، كما علمنا السيد المهدي، معنى استحقاق الحياة. إن الكرامة في المعاجم : احترام المرء ذاته، وهو شعور بالشّرف والقيمة الشخصيّة يجعله يتأثّر ويتألّم إذا ما انتقص قَدْره من لا يُكرِم نفسه لا يُكَّرَّم ""و و من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام . إن حرية الإنسان الذاتية مرتبطة بشعوره بكرامته و عزته، وقد أشار " كانط " إلى ضرورة معاملة الشخص كغاية وليس كوسيلة، فالكرامة تمنح الإنسان قيمة تخص الغاية المطلقة وتختلف عن الغايات النسبية. إنها القيمة الممنوحة إلى الشخص الإنساني في حد ذاته بمعزل عن طباعه الفيزيائية وموقعه الاجتماعي، إنها الوعي الذي يستمده الفرد من قيمته الخاصة لكونه شخصا إنسانيا. ويتضمن مفهوم الكرامة المعنى القانوني للاحترام، فاحترام الآخرين ينبع من احترام الإنسان لنفسه في مخالطة الناس والتزامه بالمبادئ الإنسانية وتقديسه العمل والإبداع وإرادة الحياة، و قلة الاحترام أمر مهين وجارح للمشاعر وغير مبرر، واحترام الناس أمر في المتناول ولا يستحق الكثير من الجهد والتفكير بل وفاء الإنسان لذاته والعودة إلى إنسانيته. و ليس الاحترام سلوكا يوميا فقط بل هو تربية سياسية مؤسساتية، هو علاقة بين الدولة و المجتمع، بين المركز و الجهات، هو اعتراف بالاحتياجات، و توزيع عادل للمعرفة و السلطة و الثروات. والتركيز على الكرامة مبدأ في التربية، حيث التنويه بشخصية الإِنسان وَمكانته و موهبته و ما يملكه من نقط قوة مهما صغرت، فسر الضربة القاضية هو توجيه مصدر قوة الضعيف لنقطة ضعف القوي، فالمواهب و نقط القوة كرامة إلاهية للإنسان، و لا يوجد إنسان في الكون دون عطاء الاهي، و إلا أصبح خلقه عبثا، فسره في كرامته، و حرمانه من كرامته حرمان لعطاء الله. و فرق بين التكريم و التفضيل، يرجع الباحثون التكريم إلى قوة العقل أو حرية الإرادة و الاستعدادات المختلفة، فلا يوجد مخلوق لا يقدر على شيء، و هنا نميز بين القدرة و المعرفة، و يرجع البعض التكريم إلى الاتزان الجسدي ( و في أنفسكم أفلا تبصرون )، تصوروا لو كان جسم الإنسان بدون تمفصلات كيف سيأكل ؟ قد يأكل منبطحا كالحيوان، كرمكم الله، و لهذا فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يأكل طعامه بيده، و يملك القدرة على الكتابة و بالتالي معرفة خالقه كسائر الكائنات. فالتكريم يتجلى في كل هذه المواهب و غيرها. و إذا كان التكريم إشارة إلى العطايا المادية فإن التفضيل إشارة إلى الفضائل المكتسبة، أي هو معنى إضافي و تخصيص بالزيادة ، ففضل الله يتحقق بالاستعداد و بذل الجهد، فالجميع يملك الأرضية ليكون أفضل، و لهذا فكلمة " بني آدم " صفة للإنسان الصافي المعدن أو له استعدادات ايجابية و قد جاءت في القرآن مقرونة بالمدح و التقدير بخلاف كلمة " إنسان "، فلا فرق بين بني آدم في الكرامة لكنهم يختلفون في الفضل. يختم فقيد الكرامة كتاب " الإهانة " بنص كتبه احتفاء برجل علمه أن الكرامة سلوك و نظام قيم قبل أن تكون خطابا، إنه الدكتور المهدي بن عبود أستاذ مدرسة الكرامة الذي ناضل من أجلها والذي لم يأخذ بدوره حقه من تكريم ذوي القربى.