الآلاف من المسلمين الأفارقة يستمرّون في مقاطعة الأنظمة المالية الكلاسيكية، بما في ذلك نظام الصيرفة التقليدية المتعارف عليه في المصارف العادية، يدفعهم في ذلك عجز الخدمات المالية التي تقدّمها تلك المؤسسات على تلبية انتظاراتهم وملاءمة توجّهاتهم الدينية. وضع دفع بالكثير من بلدان القارة السمراء للتوجّه نحو اعتماد التمويل الاسلامي كخيار يمنح بدائل أكثر تنوّعا واستجابة لتطلّعات الزبائن في المقام الأول، وحافز للتنمية بشكل عام، بحسب خبراء. ففي غرب افريقيا، على سبيل المثال، حيث يهيمن المسلمون على التركيبة السكانية (90 %)، فإنّ معدّل انتشار التمويل الإسلامي المستوحى من قواعد الشريعة الإسلامية يظلّ ضعيفا، حيث لا يتجاوز ال 1 % من حجم معاملات القطاع المالي في افريقيا، بحسب أحدث التقديرات، وإن يظلّ هذا الرقم غير دقيق نظرا لغياب الإحصاءات الرسمية في هذا الصدد. ومع ذلك، يؤكّد الخبراء أنّ التمويل الإسلامي يطرح نفسه كخيار يقدّم بدائل قادرة على تعزيز التنمية والزيادة في نسبة الإدخار ببلدان القارة السمراء. محمدو لمين مباكي، الرئيس المدير العام للمعهد الإفريقي للتمويل الإسلامي، قال في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول إنّ "الجميع استوعب، اليوم، أنّ التمويل الإسلامي هو النمط التمويلي المستقبلي، والعديد من بلدان القارة تؤكّد ذلك، خصوصا في غرب افريقيا"، موضحا أنّ "التمويل الإسلامي أخلاقي بالأساس، ويقوم على مبادئ تقاسم الأرباح، ويتلاءم مع التقاليد الافريقية الحاثة على التضامن والتآزر، وهذا ما تحتاجه القارة". وعلاوة على بعده الديني والروحي، فقد أثبت التمويل الإسلامي نجاعته على المستوى الدولي، واعتبره عدد من الخبراء المختصّين بديلا قادرا على احتواء المخاطر المتعلّقة بالمضاربة، والتي فجّرت الأزمة المالية في 2008، إحدى أبرز الأزمات التي شهدها العالم المعاصر. وبحسب مكتب " إرنست ويونغ" للتدقيق المالي، فإنّ هذا النموذج يرتبط بآفاق تنموية هامة، ومن المنتظر أن يتمخّض عن تعبئة أصول بقيمة حوالي 4 آلاف مليار دولار بحلول العام 2025، علما وأنّ الرقم نفسه كان في حدود الألف و800 مليار دولار في 2013. ومن جانبها، قالت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز، في تقرير صدر مؤخرا، ويعنى بالتمويل الإسلامي، إنّ "الأنظمة والحوافز الضريبية يمكن أن تسرّع من عملية تطوير التمويل الإسلامي في أفريقيا"، مشيرة إلى أنّ "أفريقيا لا تزال تحتل دورا هامشيا جدا" فيما يتعلّق بطرح السندات أو الصكوك السيادية، "بمعدّل لا يتجاوز المليار دولار مقابل 100 مليار دولار كمعدّل عالمي". ووعيا منه بجملة التحدّيات المطروحة في مواجهة التمويل الإسلامي، ضاعف المعهد الافريقي، في السنوات الأخيرة، من مبادراته الهادفة إلى تطوير القطاع. وفي بيان له صدر منذ 2010، ذكر المسؤولون عن المؤسسة إنّهم "سيقومون بتنظيم 3 منتديات كبرى حول التمويل الإسلامي في السنغال، إلى جانب تكوين ما لا يقلّ عن 700 خبير في المجال. ومؤخرا، عقدت كوت ديفوار أولى منتدياتها حول التمويل الإسلامي، بهدف الترويج لتطوير التمويل الإسلامي في البلاد وافريقيا عموما، من خلال فتح النقاش إلى جانب حشد الوسائل اللازمة للقيام بذلك، بحسب وزارة التخطيط والتنمية في كوت ديفوار، المنظّمة للحدث. لقاء لفت من خلاله وزير التخطيط والتنمية في كوت ديفوار، عبد الله مابري تواكيز، والذي يتقلّد أيضا مهام المحافظ الدوري للبنك الإسلامي للتنمية، إلى أنّ "الاستثمارات الإسلامية تتلاءم مع أنشطة التنمية نظرا لكلفتها المنخفضة وطابعها المتّسم بإيثار وتفضيل الآخر"، مشيرا إلى أنّ بلاده "تستعدّ لإصدار أول صكوكها السيادية الإسلامية بقيمة 350 مليار فرنك افريقي (700 مليون دولار)، بدعم من البنك الإسلامي للتنمية". أما رئيس الوزراء الإيفواري، دانييل كابلان دونكان، فقال من جهته، إنّ "قطاع التمويل الإسلامي يوفّر فرصا ممتازة للقارة الافريقية، وعلى بلداننا استثمارها"، معلنا أن الحكومة الإيفوارية تعمل بالشراكة مع المجتمع الإسلامي لتطوير القطاع الخاص، وإعداد برنامج خماسي (يمتد على السنوات الخمس المقبلة) لتعبئة الموارد على شكل سندات أو صكوك (إسلامية). وأوضح المدير السابق لعمليات البنك الدولي في كوت ديفوار، مداني تال، إنّ "التمويل الإسلامي يعتبر بديلا ومكمّلا للتمويل الكلاسيكي، وهو قطاع واعد بالنسبة للقارة الافريقية". المدير العام ل "الجمعية الإسلامية لتنمية القطاع الخاص"، خالد العبودي، كان من بين الحضور الذين واكبوا منتدى الكوت ديفوار، وقد أعلن أنّ "هذا الفرع التابع للبنك الإسلامي للتنمية سيخصّص 30 % من تمويلاته لإفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقابل 13 % في الوقت الراهن". وفي فبراير الماضي، أصدرت النيجر، هذا البلد الذي يشكّل فيه المسلمون 95 % من السكان البالغ عددهم 17.1 مليون نسمة، بحسب تقديرات رسمية، صكوكا سيادية بقيمة 260 مليون دولار، مقتدية في ذلك بعدد من بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى على غرار كلّ من السنغالوجنوب افريقيا (200 مليون دولار للسنغال و500 مليون دولار لجنوب افريقيا، في 2014). والبنك الإسلامي للتنمية هو مؤسسة مالية دولية، تضم 55 بلدا عضوا، بينها 22 دولة افريقية، منها 17 من بلدان افريقيا جنوب الصحراء، ويهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء، مجتمعة ومنفردة، وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.