قد نتفهم إخفاق السيد بنكيران في إدارة البلاد وسياسة العباد، من قلة تجربة أو خبرة، ونتفهم فشله في الوفاء بعهوده الانتخابية التي قطع، بسبب جهله المدقع بحقيقة حجم الفساد، وقد نجد له مبررا لتحالفاته مع من كان، إلى وقت قريب، يضعهم على قمة هرم الفساد، بحكم الضرورات التي تبيح المحظورات، وقد نجد له مخارج للزيادات في الأسعار تلو الزيادات، بذريعة خشيته على مؤسسات الدولة من الانهيار، وقد نعذره على إقامة مهرجانات العري والمجون، بعذر انشغاله بمواضيع أهم من "سفاسف الأمور"، وقد نلتمس له مسوغات أن بدّل جلده، وغيّر خطابه ونبرة صوته وطريقة مشيته، وأعاد ترتيب أولوياته. لكن، أن يتطاول على الذات الإلاهية، فيقول في جمع من مريديه بأن الموظف لا بد أن يرتقي حسب الكفاءة، وإنه من غير المعقول أن يُقَيّم رئيس مصلحة كفاءة موظفيه بنقطة 20/20، لأن الله وحده هو "اللِّي يقدر يْجِيب 20"، حسب تعبيره، فهذا أمر لا يجب أن نمر عليه مرور الكرام، أو نتغاضى عنه وكأنه مجرد دعابة سخيفة لم يكن على رئيس الحكومة أن ينطق بها وكفى، أو مجرد نكتة عابرة وغير موفقة، تستشهد بها الكتائب الإلكترونية المغسولة الدماغ على عفوية رئيس الحكومة وتلقائيته. حينما تتحدث عن مغامراتك أو مراهقاتك أو بطولاتك، وحينما تقصف خصومك أو أعداءك بنكاتك التي لا تراعي ذوقا، ولا تنضبط خلقا، ولا تلتزم بأدنى مقاييس اللباقة أو الحشمة، ولا تلتفت إلى مشاعر الآخر بقدر ما تلبي حاجات نفسية وسيكولوجية عسيرة التشخيص، فبالأحرى المعالجة أو التداوي، فلك أن تتصرف بعفويتك المعهودة، وطريقتك السمجة، خصوصا أنك تحقق اكتفاء ذاتيا في عدد المعجبين الذين يسمعون غير ما تنطق، ويفهمون غير ما تقصد، ويلوون أعناق الحديث حتى تبدو كلماتك العجوز الشمطاء، قريبة أو تكاد، من صورة الأميرة الموناليزا للرسام ليوناردو ديفينشي. إن الله تعالى هو المشرع والمحاسب، وهو الآمر والناهي، وهو من ينقط للعباد، ويحاسبهم عن أفعالهم، ويقيم الوزن بالقسط لأعمالهم، وليس العكس يا رئيس الحكومة، يا من بلغت بك الجرأة، بل الوقاحة وجنون العظمة، إلى أن تمنح نقطة لكفاءة الله، فتضعه مكان المُحاسَب والمُمتحَن، وكأنه موظف من موظفيك، أو أجير من أجرائك، والعياذ بالله. إن مواضيع الفكاهة كثيرة ومتعددة، ومجالات السخرية رحبة وواسعة، خصوصا حينما يتعلق الأمر برجل تقبع النكتة في شفتيه، وتطارده الدعابة في منامه ويقظته، فليدع الأنوار القدسية، والذات الأزلية، في منأى عن سخافاته التي لا تنتهي، والتي لا توصد بابا حتى تفتح أبوابا. إن هذا الذي بذر عن رئيس حكومتنا ليس موضوعا تافها أو هامشيا، بل هو أمر مرتبط بالعقيدة التي هي جوهر الدين، إن لم تكن الدين نفسه، والتي ظل الرسول الكريم ثلاث عشرة سنة وهو يرسخها في صدور صحابته الأجلاء، وبالتالي فإنه موضوع لا يسع عاقلا السكوت عنه، أو تجاوزه، أو حتى تأويله أو الدفاع عنه، فالمرء ينطق بكلمة من سخط الله تعالى وهو لا يلقي لها بالا، تهوي به، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، سبعين خريفا في قعر جهنم. إنه بكل بساطة، جنون العظمة البلهاء، الذي لا يبقي ذرة عقل ولا يذر، وهذا ما يفسر إصرار بنكيران على أن حكومته مدعومة من الله، وبأنها هدية من السماء، وحتى حينما حل القحط ربط ذلك باستقامة العباد، وكأن الخير يأتي من الحكومة بينما يأتي الشر من الشعب، ناسيا، أو متناسيا، بأن هذا الشعب من أوصله إلى الحكم، وإذا لم يكن الشعب مستقيما فقد صوّت على من هو على شاكلته. إن الله حاضر في كل محطاتنا الانتخابية، نستدعيه لنأثث به ما هزل من برامجنا المتهالكة، ونستدرك به ما تلاشى من وعودنا الزائفة، ونستر به ما انكشف من عوراتنا النتنة، وبعد كل محطة انتخابية، وفي أول فرصة سانحة، نتخلص منه من جديد، لنحكم في سلام وأمان، مثلما صرح بنكيران مؤخرا لحوارييه، حينما أطلق العنان لعصاه، تهشمُ عظام الأساتذة المتدربين، وتهرق في الشوارع دمائهم، بأن من ليس على هذه الشاكلة لا يصلح للحكم. لقد اقترب موعد غزوة 7 أكتوبر المباركة، وباقترابه ترتفع نبرة الخطاب الديني، ليس حبا في الله والرسول، ولكن حبا في أصوات الذين يحبون الله ورسوله، وإلا، كيف نفسر أنه بمجرد الفوز بانتخابات 25 نونبر 2011 صرح بنكيران لقناة أردنية بأن أسلمة المجتمع مجرد خزعبلة، وأنه إذا اتجه العالم نحو توسيع الحريات الفردية فلن يسبح ضد التيار، بمعنى أن التيار الجارف عند بنكيران، أولى بالاتباع من الشريعة العصماء، أو ربما أسلم، وهو نفس المنطق الذي برّر به عدم إلغاء مهرجان موازين، حيث قال بأن له جمهوره، وما يقصده، طبعا، ليس جمهور العلماء، وإنما جمهور الناس. ويتكرر مشهد التنصل من الشريعة السمحة، وهذه المرة في قضية الشذوذ الجنسي، حيث حثّ الدولة على عدم التدخل في هذا الموضوع، ولا ضير عليه، مادامه قد اعترف بملء فيه، وهو في ضيافة حزب التقدم والاشتراكية، بأنه كان من أبناء الحركة الإسلامية ولم يعد كذلك، يقولها وابتسامة ساخرة ومتنكرة في شفتيه، من أولئك الذين يؤمنون بالشريعة الإسلامية حتى النخاع، وهم من أجل ذلك يبذلون الغالي والنفيس، من أجل أن يظفروا بغزوة الصناديق القادمة. https://www.facebook.com/zaouch.nor