حينما يزيغ مسؤول في العدالة والتنمية عن النهج القويم، ويتصدر انحرافه صفحات الجرائد، ويبلغ ملفه ردهات المحاكم، فإن مركز القيادة، يقدر الأضرار الناجمة عن الإقرار بهذا الزيغ والانحراف، فإذا كان الضرر قابلا للجبر، أقرّ به، مثلما لم يتوان عن طرد السيد رئيس جماعة ميدلت، الذي ضبط متلبسا برشوة. أما إذا تعلق الأمر بانحراف قيادي من الوزن الثقيل، فإن القيادة تصدر أوامرها المطاعة، لكي يتجند الجميع، للدفاع عنه بكل ما أوتوا من فصاحة وحنكة واحترافية، وهو الأمر الذي جسدته قضية عمدة الرباط، ورئيس جمعية مهندسي العدالة والتنمية، المتهم بتقديم شهادة طبية مزورة، من أجل الاستفادة بالتقاعد المبكر مقابل مبالغ مالية مهمة قبل أن يشغل منصب مدير ديوان وزير النقل السيد "رباّح"، ثم منصب العمدة، خصوصا وأن التهمة إذا ما ثبتت في حقه، فسوف تثبت أيضا بالسيد "مصطفى بابا" الكاتب العام السابق لشبيبة حزب المصباح، الذي بدوره أدلى بنفس نوع الشهادة، لنفس الشركة، قبل أن يلتحق في نفس التوقيت، بنفس الديوان الذي التحق به صديقه "الصديقي". إن الأمر شبيه بكرة الثلج التي تتدحرج وتكبر، لذا وجب على الجميع أن يتجند لهذه الغزوة المباركة، فغزت الكتائب بتعليقاتها مواقع التواصل الاجتماعي، وهاجم الكُتاب بكتاباتهم المواقع الإلكترونية، وجاهد السياسيون بتصريحاتهم النارية، فمنهم من أرغد وأزبد، ومنهم من هدّد وتوعد، كالسيد بوليف الذي صرّح بأن الملف إذا بلغ "الضْسارة" فالحزب لن يسكت، دون أن يكلف نفسه عناء توضيح ما هذه "الضسارة" التي يقصد. لقد اعتُمِد في مخطط التبرئة هذا على أمرين اثنين، يرتكز الأمر الأول على تبني نظرية المؤامرة، التي تفيد بأن حزب العدالة والتنمية حزب محاصر ومُضيق عليه، وهو ما صرّح به السيد العثماني في عيد العمال الأخير، بينما يرتكز الأمر الثاني على تعقيد الملف وتشعيبه وتفرعيه، وتَعَمُّد الغموض في طرح معطياته، حتى يتيه المواطن البسيط بين ثناياه، ويضل في سراديبه، فلا يبلغ حقيقة، ولا يهتدي سبيلا. أما الأمر الأول الذي لجأ إليه حزب العدلة: هو أنه حَبَك أركان نظرية المؤامرة، فعرض الموضوع على أنظار الشعب على أساس أن الجهة التي أثارت الموضوع هي حزب الأصالة والمعاصرة، المعروف بعدائه لحزب "المعقول"، وأن توقيت إثارة الملف هو قرب موعد الانتخابات، وأن سبب إثارته من لدن مستشاري حزب الجرار ببلدية الرباط، هو كون العمدة قد جرّد هؤلاء المستشارين من امتياز اقتناء السيارات الفارهة، وبذلك أظهر الحزب ملف عمدته وكأنه مجرد مكيدة دُبِّرت بليل. وأما الأمر الثاني: فقد تم تعقيد الملف بالمصطلحات السياسية والقانونية، مثلما فعل السيد "بوعشرين" في مقاله: "فيلم المعتصم يُعاد مع الصديقي"، حيث إنه آثر، ومنذ البداية، أن يذكر المتهم باسمه بدل صفته، حتى يوحي إلى الناس بأن الأمر مجرد موضوع شخصي، لا يحق لأحد أن يتدخل فيه، كما أنه انتهى في مقاله هذا، إلى أن الأموال التي تدبرها شركة "ريضال" لا تخضع للرقابة القضائية للمحاكم المالية، لأنها أموال غير عمومية، وهي نفس الحيلة التي تبناها السيد "حامي الدين" في مقاله الأسبوعي "بأخبار اليوم" بتاريخ: 27 أبريل 2016، والتي خلص فيه إلى أنه لا يحق للوكيل القضائي للمملكة أن يرفع شكاية ضد العمدة في شأن أموال شركة خاصة. https://www.facebook.com/zaouch.nor