بخلاف هالة التوقير التي يسبغها كثير من علماء العرب على تراثهم المخطوط، قال أحمد بينبين، مدير الخزانة الملكية بالرباط، الخبير في المخطوط العربي والكوديكولجيا (عِلْم دراسة المخطوط)، إنّ كل المخطوطات التي ألّفها العرب في الزمن القديم، قبل ظهور الطباعة، "لم يصلْنا منها ولو مخطوط واحد سليم". وأوضح مدير الخزانة الملكية، في محاضرة بعنوان "مآسي التراث العربي المخطوط"، ألقاها في ندوة فكرية نظمها مركز روافد للدراسات والأبحاث في حضارة المغرب وتراث المتوسط بسلا الجديدة، أنّ كل النصوص العربية التي سُجِّلت ودُوّنت ابتداء من القرن الثاني الهجري "ممسوخة وليس فيها نص واحد سليم". وجوابا عن سؤال لهسبريس حول ما إِنْ كان النص القرآني مشمولا بهذا الحُكم الذي أطلقه، قال بينبين: "لا، القرآن وصل إلينا سليما كما أُنزِل، مستدلا بالآية القرآنية: "إنَّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون". وأردف أنّ التراث العربي المخطوط تعرّض لثلاث مآس رافقتْه منذ نشأته إلى غاية العصر الحديث، هي النَّساخة والطباعة والتحقيق العلمي. وأوضح أنّ النساخة "أساءتْ إلى التراث العربي المخطوط إساءة كبرى"، مُبرزا أن ما سمّاه "مأساة النساخة" رافقت التراث العربي منذ نشأته إلى ما بعد عصر الطباعة في القرن الثامن الهجري، مستدلا ب"شكاوى" عدد من الفقهاء والأدباء، مثل القاضي عياض والخوارزمي والجاحظ من هفوات النسّاخ، إذ كان النسخ في العصور القديمة يتمّ عبر المشافهة. "المأساة الثانية" التي قال بينبين إنّ التراث المخطوط العربي عانى منها هي الطباعة، إذ لا يتمّ النقل بالأمانة والدقة اللازمة؛ وهو ما يجعل الباحثين، حتى في العصر الحالي، يلجؤون، حين يريدون التأكد من فكرة معيّنة، إلى المخطوط الأصلي، ولا يستعينون بالمطبوع، وزاد موضحا "هذه مأساة أعيشها يوميا في الخزانة الملكية، إذ لا يثق العلماء في النُّسخ الجديدة". أما "المأساة الثالثة" التي طالت التراث العربي المخطوط، حسب مدير الخزانة الملكية، فتتعلق "ما يُسمّى التحقيق العلمي"، كما وصفه، قائلا "هذا ميدان كثرت فيه الأفاعي وغابت عنه عصا موسى، كما يقال؛ ذلك أنه أضحى مجالا يشتغل فيه كل من هبّ ودبَّ"، مضيفا أنّ صناع القرار في البلدان العربية لم يدركوا بعد أهمية علم المخطوط في التحقيق العلمي". وذهب بينبين إلى القول إنّ ما يجري في الجامعات من ادّعاء لتحقيق المخطوطات القديمة ليس تحقيقا علميا؛ "فنحن لا نحقِّق التراث المخطوط بل نسيء إليه ما دُمنا نكلّف طلاب الجامعة بذلك، لأن التحقيق العلمي للمخطوط يقتضي أن يكون المرء عالما متمكنا"، وزاد: "لا يوجد طالب واحد يعرف حتى كيف يتم البحث في الخزانة. لا يعرفون الفهرسة، ولا يعرفون ما هي البيبلويغرافيا، فكيف لهم إن يمارسوا التحقيق العلمي للمخطوطات؟". ولتجاوز "مآسي التراث العربي المخطوط"، يرى مدير الخزانة الملكية أنّ البديل هو تكوين نشء جديد منذ مرحلة التعليم الثانوي، قادر على التحقيق العلمي للكتب؛ وذلك بدراستها دراسة معمقة، وتعليمهم قواعد البحث في الخزانة. كما دعا إلى تأسيس مركز على مستوى العالم العربي تُجمع فيه المخطوطات القديمة، ووضعها رهن إشارة المتخصصين، من أجل تحقيقها، والوصول إلى "النسخة المعتمدة"، بعد أن تكون قد حُقّقت تحقيقا علميا حقيقيا، وختم قائلا: "إلى حد الآن، لم نشرع بعد في دراسة المخطوط العربي، "غِيرْ كنروّنو"، وما يُسمّى عند العرب ب"النسخة المعتمدة، هو مجرد عبث".