خصصت أولى جلسات الملتقى الرابع لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، المنعقد بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، محورا متعلقا بالدين والهوية والسلم العالمي، ساهم في تأطيره باحثان غربيان من المملكة المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية. الخبيرة سابين عناية خان، وهي تشغل منصب مديرة وحدة الأبحاث والاتصالات التابع لمكتب الأمن ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية البريطانية، تطرقت إلى وضعية فقدان الهوية التي يتواجد عليها الشباب المسلم في بريطانيا، "الذي رغم كل الإمكانيات التعليمية المتوفرة، وفضاء الحرية المتاح، إلا أنه يعاني من فقدان نموذج القدوة الدينية والفهم الصحيح للدين الإسلامي، ما يدفعه إلى البحث عن ملاذات أخرى بجد فيها نفسه، وهذا يجعله عرضة للتطرف وممارسة الإرهاب". وركزت المستشارة البريطانية، في كلمتها بالمناسبة، على أن "اجتثاث التطرف لا يكون فقط في البلدان المسلمة، بل حتى في البلدان غير المسلمة، ما يتطلب العمل المشترك والتعاون مع الغير بدل التفكير بشكل منفرد، من أجل توفير الإحساس بالأمان والتوازن الديني لدى كل الشباب المسلم في جميع أنحاء العالم؛ وكذلك العمل على إنتاج نخبة من القادة المتدينين في العالم الإسلامي والشرق الأوسط". كما ذكرت المتحدثة ذاتها أن "التاريخ الإسلامي حافل بالمواقف الرائدة التي عكستها المرأة المسلمة، التي لعبت أدوارا مهمة في التقارب بين المسلمين والمسيحيين، واشتغلت إلى جنب باقي فئات المجتمع على تطوير مشاعر المحبة وقيم السلام، عبر مجالات التعليم والإعلام ومنظمات المجتمع المدني". واختتمت المختصة في مجال نبذ العنف ومحاربة التطرف حديثها بدعوة منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة إلى مساعدة المملكة المتحدة في ورش تأهيل الشباب المسلم، وتقليل ميولات العنف والتعصب حتى يتم الحد من استقطابهم إلى الجماعات الإرهابية. من جهة أخرى، تطرق الباحث الأمريكي قمر الهدى إلى الدور الإيجابي للدين في تشكيل القيم والمبادئ الإنسانية المشتركة، وتجربة قافلة أمريكية مكونة من 45 شخصا ينحدرون من مناطق وديانات مختلفة في بلورة عمل مشترك يهدف إلى تغيير المجتمعات وإرساء أسس تعليم نموذجي يسعى إلى مواجهة إشكالية التطرف. كما أكد الباحث في معهد السلام الأمريكي على الدور المركزي للهيئات والحكومات في إرساء تواصل مباشر مع الجماعات الدينية في العالم الغربي، بناء على الدساتير الغربية التي تؤسس لمفهوم الاندماج لجميع المواطنين مهما اختلفت دياناتهم وأعراقهم داخل المجتمع، وزاد أن المجتمعات لن تتمكن من تجاوز الاختلافات وسوء الفهم المرتبط بالأديان إلا عبر فتح قناة التواصل المباشر وتبني دبلوماسية من نوع آخر، سماها "الدبلوماسية الدينية". ولا يتعلق الأمر عند قمر الهدى بمواجهة الإسلاموفوبيا فقط، بل لا بد من نشر وتوفير المعلومة الصحيحة عن كل الأديان الموجودة، حتى يتم تكريس أعراف وقيم احترام الأديان وتصبح سلوكا مترسخا لدى نفسية الفرد وعقلية المجتمع، وليصبح التهجم على الأديان مرفوضا اجتماعيا، وقارن ذلك باضطرار سيناتور أمريكي إلى وضع استقالته بعد أن تم اتهامه بالتحرش الجنسي، لأن المجتمع الأمريكي لا يقبل مثل هذه السلوكات ويرفضها رفضا باتا. "لا بد للقيم النبيلة أن تخترق الأسر، وأن تتناقلها كل الأجيال، حتى يتم احترام كل الديانات مع حسن الإصغاء إلى فكر الآخر والقبول به"، بهذا ختم عالم الدراسات الإسلامية الأمريكي كلمته، معتبرا أن السبيل الأوحد لمحاربة التطرف والتوتر الطائفي هو تعزيز الحقوق للمواطن والأمن والأمان من أجل توفير أجواء يتحقق فيها الاحترام المتبادل والقبول بثقافة الآخر.