قالت دراسة صدرت مؤخرا حول النساء السلاليات إن أكثر فئاتهن "حرمانا وإقصاء وحيفا" هن "الأرامل والمطلقات، خاصة ممن ليس لهن أبناء، أو ممن ليس لهن أبناء من الذكور"، إضافة إلى "بعض النساء المسنات، وخاصة ممن لا يتوفرن على معيل، وبعض النساء المتزوجات المقيمات خارج أرض الجماعة السلالية، وبعض المهاجرات المقيمات خارج أرض الوطن، والمنتسبات إلى الجماعة من غير الأصول". وأضافت الدراسة، التي أعدتها الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان وقدمتها بعنوان "من أجل تمكين النساء السلاليات من حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية"، أن إعالة المرأة السلالية لغيرها يكون بنسبة تفوق 77 في الملئة، وأن الموضوع الأساس الذي يعبئ النساء السلاليات من أجل التعبير عن مطالبهن هو "التسجيل بلوائح المستفيدات، والحصول على نصيبهن من التعويضات المالية الناتجة عن تفويت الأراضي، خصوصا الواقعة بالمدرات الحضرية وغير الحضرية أو المتوفرة على مقالع رملية"، بالإضافة إلى الاستفادة من بقع سكنية على غرار ما تحقق بالنسبة إلى الرجال من ذوي الحقوق بالنسبة إلى الجماعات التي جرى إحداث مشاريع عمرانية بها؛ كالقنيطرة وسيدي الطيبي وبوقنادل". وبيّنت الدراسة، التي أُعدت بدعم من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، أن "المطالبات بالإنصاف" لسن فقط من فئة المتزوجات، بالرغم من تشكيل هذه الفئة نسبة 60 في المائة من المدافعات عن حقوق النساء السلاليات؛ بل هناك فئات أخرى، كفئة الأرامل التي تشكل نسبة 15 في المائة، والنساء المطلقات اللائي يشكلن حوالي 7 في المائة، والعازبات اللواتي يشكلن نسبة 13 في المائة "من المطالبات بالإنصاف داخل الأراضي السلالية". وذكرت الدراسة نفسها أن الفئات العمرية "للمطالبات بالإنصاف"، تتراوح بين 17 و78 سنة، وأن مؤهلاتهن التعليمية "في الغالب منعدمة أو جد محدودة"؛ ف"60 في المائة من النساء السلاليات المطالبات بالإنصاف ليست لهن أية تجربة تعليمية". وذكرت الدراسة أن الأحزاب السياسية رُفضت بالإجماع في بعض الجهات التي جرى فيها استطلاع آراء النساء السلاليات حول الجهات التي يمكن أن تقوم بمؤازرة مطالبهن، وأن الأطراف، التي يرى المعنيون بالدراسة، أن لها دورا مباشرا في خلق المشاكل أو تأجيجها وتعميقها، "النواب السلاليون، باعتبار أنهم قد صاروا، من ذوي الامتياز في الأراضي السلالية، نظرا لموقعهم المقرب من سلطة الوصاية، والأعيان ممن لهم قوة مالية يستطيعون بواسطتها تحقيق المنافع والمكاسب الاقتصادية، داخل الأراضي السلالية من زراعة وكسب وكراء لأراضي ذوي الحقوق"، إضافة إلى ممثلي السلطة الترابية المحلية "إما بسبب تواطئهم، وتجاوزهم عن الخروقات المسجلة في دائرة نفوذهم الترابي، أو حصولهم على مكاسب ومنافع، مقابل إقرارهم بما يدلي به النواب السلاليون من وثائق مشبوهة تحتاج إلى التزكية، أو عدم دراية بعضهم بتعقيدات ملف الأراضي السلالية بالمنطقة"، إلى جانب "المراتب الإدارية الأعلى سلطة" الوصية على مستوى عمالة الإقليم والوزارة الوصية، التي "لا تتدخل بما يرضي الأطراف المتضررة، بعد توجيه الشكايات والتظلمات والمراسلات المتنوعة إليها". وبينت الدراسة أن المشاركين في المجموعات الحوارية، التي بُنيت الدراسة على معطياتها بشكل كبير، يعتبرون "الخروج إلى الشارع للاحتجاج، وتنظيم وقفات احتجاجية، هو ما يستدعي السلطات المعنية للحضور، والنظر فيما يحدث، والاستماع إلى المتضررين". وقالت الدراسة إن مطالب غالبية النساء السلاليات ترتكز في "ضرورة إنصاف بعض الحالات الخاصة، من قبيل عدم استئثار الإخوة الذكور بحصة الهالك من الأراضي السلالية، أو رفع الحيف عن النساء المطلقات، وخاصة غير المنتميات منهن إلى الجماعة السلالية اللائي لا يتوفرن على ملاذ آخر يلجأن إليه بعد طلاقهن أو ترملهن"، و"ضرورة الالتفات إلى العازبات غير المتزوجات وغير المتوفرات على مصدر دخل يضمن لهن الشروط الأولية للعيش الكريم، إضافة إلى استشارتهن "فيما يهم مصير الأراضي الجماعية، وأخذ رأيهن في نوعية المشاريع المقترحة لها، والدعوة إلى تمثيل النساء السلاليات من قبل نساء نائبات عنهن، وليس من قبل الرجال". وذكرت دراسة الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان أن العنوان الأبرز للمشاكل التي تعتبرها النساء السلاليات أولوية هو "الحرمان من نصيبهن من التعويضات العائدة لفائدة جماعاتهن"، إما عن طريق الحرمان من الاستفادة من بقعة سكنية، على غرار نظرائهن من الرجال الذين تمكنوا من الحصول على هذا الحق، أو عن طريق الحرمان من الحصول على قسط من حقهن، إضافة إلى قضايا أخرى مثل "التلاعب بحقوق السلاليات والسلاليين ككل، كاستفادة بعض من يعرفون ب"الغرباء" أي غير المنتمين إلى الجماعة السلالية من أرضها ومن عائداتها المالية، أو احتيال بعض ذوي الحقوق على الضوابط القانونية لتفويت حصصهم من الأرض الجماعية" مما ينجم عنه حرمان النساء بشكل خاص من إمكانية الاستفادة من الأرض الجماعية، بل و"حرمانهن من حق الإقامة فوق ترابها أحيانا، أو ترامي الغير على ممتلكاتها والتضييق على فرص استفادة ذوي الحقوق منها". وأشارت الدراسة إلى المكاسب التي حققتها النساء السلاليات، "إذ صارت السلطات المحلية تعترف بهن كمخاطب، وصارت تأخذ بالحسبان تحركاتهن المطلبية". وأرجعت الدراسة هذا إلى "دور الجمعيات النسائية والحقوقية"، الذي كان "محوريا في التجارب التنظيمية التي خاضتها النساء السلاليات بالمنطقة من أجل التكتل للدفاع عن مطالبهن والتعريف بحقوقهن" بأنفسهن، دون تكليف أطراف أخرى للنيابة عنهن في التعبير عنها. واستحضرت الدراسة عدمَ مشاركة بعض النساء السلاليات في التحركات الاحتجاجية، أو مشاركة نسبة 30 في المائة منهن بصورة متقطعة أو ظرفية، وذكرت أن ارتباطهن كان "نفعيا أو متذبذبا بين البحث عن المساندة والمؤازرة وبين الفعل الاحتجاجي غير المنظم، مما يجعل الكثير منهن يغيرن إطار الانتماء كلما لاح في الأفق أمل في سند جديد، أو يعملن على خلق جمعيات محلية مستقلة خاصة بهن". وأشارت الدراسة، في التوصيات التي قدمتها، إلى أن "الهيئات الحقوقية والجمعيات النسائية والتنظيمات المدنية الأخرى بحاجة إلى المزيد من المعرفة القانونية بنظام الأراضي الجماعية بالمغرب، من أجل تأطير أفضل للسلاليات والسلاليين". ونبهت إلى أن "الأطراف العلمية أغفلت كثيرا متابعة هذا الموضوع، سواء منها المؤسسات الجامعية، في تخصصاتها المتنوعة، أو باحثوها ومجموعاتها العلمية". وذكرت الدراسة أن "أقصى ما قامت به الوزارة الوصية هو محاولة ترميم الثقوب والثغرات، بإصدار بعض المذكرات ذات الطابع التوجيهي والإرشادي، غير الملزمة، وأن مهام التشريع والتدبير والتنظيم متداخلة لديها؛ فأحيانا لا يعترف القضاء بمذكرات وزارة الداخلية، ويرفض بعض النواب السلاليين تطبيقها، ولا يترتب عن مخالفتها أي جزاءات". وأكدت الدراسة نفسها أن "الظهير المعمول به حاليا بخصوص الأراضي السلالية قد صار متجاوزا عمليا، وصارت مسألة إصلاحه مصلحة كبرى للوطن"، في إشارة إلى ظهير 1919، الذي صدر منذ قرن من الزمان بهدف تنظيم أراضي الجماعات السلالية بالمغرب. وذيلت الدراسة بمذكرة طالبت ب"إدماج كافة الفتيات والنساء المنتميات إلى جماعاتهن السلالية ضمن لوائح ذوي الحقوق، وتمتيعهن بكافة شروط الاستفادة مناصفة بينهن وبين الرجال"، وإلى الدفع باتجاه "إجبارية تمثيل النساء السلاليات لأنفسهن في كافة الهيئات والمؤسسات المدعوة لمراجعة القانون الخاص بالجماعات السلالية، وتخصيص امتيازات خاصة لهن في أراضيهن السلالية نظرا لما أصابهن من حيف وتمييز طيلة عقود". وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة قد أشرف عليها في الشق السوسيولوجي،عمار حمداش، أستاذ علم الاجتماع؛ وفي الشق القانوني محمد الهيني، القاضي السابق، وتم تقديمها للعموم بنادي المحامين بالرباط يوم السادس من شهر مارس الجاري. *صحافي متدرب