حينما تزور الدواوير التابعة للجماعة القروية "خزامة"، وتتجول فيها بعض الوقت، تنتابك الدهشة من بقائها مغمورة ومهمشة، رغم المؤهلات التي يتوفر عليها إقليمورزازات بشكل عام، خصوصا الطبيعية والسياحية والسينمائية؛ فضلا عن تاريخه العريق الذي تشهد عليه مآثر زاخرة تعود إلى مختلف الحقب التاريخية. خزامة جماعة قروية تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 100 كلم، وتتكون من 12 دوارا، يقطنها ما يزيد عن 8000 نسمة، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، وللوصول إليها عليك أن تسلك الطريق المؤدية من ورزازات في اتجاه أكادير عبر تازناخت، وبعد حوالي سبعين كيلومترا من السير تنعرج نحو يسارك، في طريق ضيقة وجنباتها متآكلة، ومن حين إلى آخر تصادف سيارات متشابهة، وهي من نوع "ترانزيت"، يستعملها أبناء المنطقة من أجل نقل ساكنة دواوير خزامة ونواحيها إلى الأسواق الأسبوعية، وإلى تزناخت أو ورزازات، للحصول على وثيقة إدارية أو قضاء أغراض أخرى. خزامة منطقة منسية تعيش جميع الدواوير الواقعة بالنفوذ الترابي للجماعة السالف ذكرها حالة من التخلف التنموي، جراء الركود الذي طال أمده على مستوى المشاريع التنموية بها، رغم بعض المشاريع المحسوبة على رؤوس الأصابع التي عرفتها في السنوات الأخيرة، والتي يعتبرها المواطن المحلي غير كافية؛ كما يشير المجلس المسير بدوره إلى وجود نقص فادح فيها، مع غياب إرادة سياسية لدى القطاعات الحكومية من أجل تنمية المنطقة، والمساهمة في خلق تنمية محلية تستجيب لانتظارات الساكنة. التنمية "المفقودة" بهذه المنطقة الجبلية أدخلت الساكنة المحلية، ومعها المجلس الجماعي، في بحث عن مخرج يقيها شر الوقوع في المعضلات التي يحدثها انعدام المشاريع؛ كما تحولت، بسبب غياب الاهتمام بها من قبل السلطات المركزية، إلى منطقة "منسية" بامتياز، نظرا لغياب عدة متطلبات تعتبر من الضروريات الأساسية في الحياة اليومية للمواطن. سعيد اغروض، أحد قاطني دواوير خزامة، والذي التقت به هسبريس بالقرب من مقر الجماعة القروية "لخزامة"، أكد أن المنطقة تعاني التخلف والنسيان، موضحا أن غياب مسالك طرقية معبدة إلى الدواوير، وغيرها من المشاريع المفقودة، أفقد المنطقة جمالياتها الطبيعية، موجها سهام الانتقاد إلى من سماهم "أصحاب المصالح الشخصية" بخصوص الجمود الذي تعرفه التنمية المحلية. وأضاف المتحدث أن مظاهر التهميش والفقر والنسيان التي تئن تحت وطأتها المنطقة لعقود من الزمن ترجع بالأساس إلى الطريقة غير المنصفة التي يتعامل بها "النظام المخزني" مع هذه المناطق ذات الأصول الأمازيغية، مشددا على ضرورة تغيير الطريقة المتعامل بها مع هذه المنطقة الجبلية وغيرها، قصد تعميم التنمية التي يدعو ملك البلاد محمد السادس إلى تبنيها دون انحياز إلى جهة على حساب أخرى، مختتما: "الساكنة هنا تطالب فقط بتعبيد المسالك الطرقية، وإنشاء مشاريع تنموية وفلاحية بها، تساهم في خلق رواج اقتصادي محلي". السوق الأسبوعي والمركز الصحي ما إن تطأ قدماك مركز الجماعة القروية خزامة حتى تعلن لك هويتها بقوة، إذ يقابلك مقر الجماعة، والمركز الصحي الذي يشتغل بداخله ممرض واحد دون توفره على طبيب رئيسي، بالإضافة إلى السوق الأسبوعي الذي يشبه "مزبلة" تقليدية. إلا أن سكان هذه الجماعة يقابلونك بحفاوة استقبال وحسن ضيافة، رغم الفقر والتهميش. قد تسمع أن مناطق عديدة بالمغرب لازالت تعيش حياة القرن الثامن عشر، إلا أن البعض سيعتبر الأمر طبيعيا، لكن في السوق الأسبوعي "لخزامة" هناك أمور غير طبيعية، حيث تجد بعض الجزارين يعرضون اللحوم في الهواء الطلق، معرضة للغبار والحشرات، أمام صمت السلطات المحلية والمجلس الجماعي. للا خدجو، مسنة تبلغ حوالي 80 عاما، التقت بها الجريدة بالسوق الأسبوعي ذاته، وهي قادمة للاستفادة من قافلة طبية متعددة التخصصات نظمت مؤخرا للساكنة المحلية، أكدت وعلى ملامح وجهها ابتسامة تخفي وراءها معاناة أن "ما يشاهد في السوق الأسبوعي طبيعي، وما هو غير طبيعي عدم تدخل وزارة الصحة لتوفير طبيب رئيسي بالمركز الصحي، ليعالج كل من أصيب بمرض أو تسمم من اللحوم المعروضة". حديث المسنة ذاتها قطعه أحد الشباب، يدعى "حماد امقران"، مؤكدا أن المنطقة في حاجة إلى اعتمادات مالية مهمة من أجل إعادة بنائها من جديد، ومشددا على أن "السوق الأسبوعي أصبح كارثة، وعلى الجهات المسؤولة التدخل من أجل إعادة ترميمه وإصلاحه"، وزاد: "كل من يزور المنطقة يأخذ فكرة عنها انطلاقا من واقع السوق". وشدد المتحدث، في تصريح لهسبريس، على أن "الدولة أهملت المنطقة لأسباب مجهولة"، متسائلا: "ألا يترافع المجلس الجماعي عن المنطقة، أم تغيب إرادة سياسية لدى القائمين على تدبير الشأن العام الوطني؟"، ملتمسا من جميع المتدخلين إحداث بعض المشاريع التي من شأنها تغيير وجه المنطقة وانتشالها من قوقعة التهميش والفقر. ضبابية في الرؤية التنموية لجماعة خزامة مؤهلات تجعلها مستعدة لركوب قطار التنمية، غير أن الضبابية التي تسود برامج التنمية بالمنطقة غالبا ما تدفعها إلى الفشل، سواء بسبب ضعف القيادات المحلية أو انعدام التمويل المستدام. ولا أحد ينظر إلى أن مداخل التنمية في هذا المجال متعددة، وتتنوع ما بين التاريخي الثقافي والجغرافي الفلاحي والسياسي الإداري، بتعبير حمو ارماس، فاعل جمعوي. وأضاف الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الحاجة إلى مخطط تنموي واضح المعالم، يقوده الفاعل السياسي بتنسيق مع الفاعلين الترابيين بمختلف مستوياتهم وبشراكة مع فعاليات المجتمع، باتت ملحة ومصيرية لتحقيق إقلاع تنموي يأخذ بالخصوصيات السيوسيومجالية لهذا المجال الترابي، ينهل من جذوره التاريخية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز، وهذا يقتضي بالضرورة إرساء آليات محلية لقيادة التنمية، تنفتح على المخططات التنموية الإقليمية والجهوية والمركزية. للجماعة رأي السعدوني حسن، مدير المصالح بالجماعة القروية "خزامة"، أكد أن الأخيرة استطاعت رغم ضعف إمكانياتها المادية أن تزود ساكنة جميع الدواوير بالكهرباء، والماء الصالح للشرب، بنسبة مائة في المائة، وزاد موضحا: "عملنا أيضا على تعميم رياض تعليم الأطفال بجميع الدواوير، باستثناء دوار واحد لازالت تواجهنا فيه بعض المعيقات وسنتدارك الأمور قريبا". وأضاف المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الجماعة تمكنت من بناء معابر صغيرة بجميع الدواوير قصد تسهيل تنقل الساكنة من مساكنهم إلى أراضيهم الفلاحية، مشيرا إلى أنها قامت أيضا بدراسة وتبحث عن تمويلات من أجل تعبيد جميع المسالك الطرقية المؤدية إلى دواوير خزامة، ملتمسا من جميع المتدخلين الإسهام في هذه المشاريع ذات البعد الاجتماعي والإنساني من أجل تحقيق ولو جزء من انتظارات المواطنين، على حد تعبيره. وبخصوص التعليم، شدد المتحدث على أن الجماعة برمجت بناء نواة إعدادية ثانوية بالمنطقة السنة المقبلة، بشراكة مع السلطات الإقليمية ومديرية التعليم ومتدخلين آخرين؛ وذلك قصد تخفيف عبء التنقل عن التلاميذ الذين يضطرون لقطع عشرات الكيلومترات، مشددا على أن الجماعة تلتجئ حاليا إلى كراء بعض المنازل لإيواء الطالبات المنحدرات من الجماعة، نظرا لكون دار الطالبة تعرف بعض "المشاكل". واستطرد المسؤول ذاته بأن الجماعة تمكنت في السنوات الأخيرة من تنزيل بعض المشاريع، خصوصا ذات البعد الفلاحي، منها بناء وحدة تبريد، وبرمجة بناء مجموعة من السواقي، وغيرها من المشاريع التي ينتظرها المواطن المحلي، مستدركا: "من أجل خلق التنمية يجب تضافر جهود جميع المتدخلين، من جهات مسؤولة ومجتمع المدني"، وزاد: "الأخير نعتبره شريكا أساسيا في التنمية المحلية"، مطالبا في الوقت نفسه السلطات المركزية بضرورة إيلاء الاهتمام للملفات المقدمة من طرف الجماعة"، ومسترسلا: "هناك مشاريع جديدة ستعرفها المنطقة قريبا بفضل مجهودات عامل الإقليم ورئيس المجلس الجماعي". واختتم السعودي حديثه مع الجريدة بالقول: "الجماعة ستستفيد من مبلغ مالي يناهز 400 مليون سنتيم، من طرف المجلس الجهوي لدرعة تافيلالت، من أجل تأهيل مركز الجماعة والدواوير المجاورة"، مضيفا: "الجماعة قامت بتشخيص الوضع التنموي الحالي وراسلت الجهات المسؤولة حسب الأولوية"، وزاد: "على الجهات المعنية بطلبات الجماعة أن تتدخل وتعطي للموضوع ما يستحقه من أهمية للمساهمة في انتشال المنطقة من الوضع الحالي".