يحتفل العالم في كل بقاعه في الواحد والعشرين من شهر مارس من كل عام ب"اليوم العالمي للشعر" الذي أعلنته منظمة اليونسكو الداعمة لقيم السلام عام 1999م بهدف تعزيز توجهاتها الهادفة إلى خلق تفاهم وتعايش سلمي بين الثقافات وإقامة روابط حضارية بين الشعوب والدول على أساس سلمي ثابت. وقد أَقرَّت هذه المنظمة هذا التاريخ بهدف دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية. إن الشعر هو أحد أسمى أشكال التعبير اللغوي والثقافي. وهو يجسد الحرية المطلقة للكلمة والإبداع، يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب ويشكل عنصراً مكوناً لهوية الشعوب وعاملاً يسهم في بناء الهوية الشخصية في كثير من الأحيان، شأنه في ذلك شأن الموسيقى والرقص والفنون التشكيلية. يستطيع الشعر أن يعيد اكتشاف الإنسانية ويعكس هويتها وطبيعتها المشتركة، ويحاول الشعر التخفيف من النزعات والانغلاق ونبذ الآخر التي تظهرُ في لحظات ضمور الفن وتراجع الثقافة وانحسار الفكر. الشعر إحدى اللغات المشتركة في العالم التي تعبر عن التشارك في الأحاسيس والمشاعر، كما يعد حجر الأساس في الحفاظ على الهوية والتقاليد الثقافية على مر العصور. يتميز الشعر بقدرته الفائقة على التواصل الأكثر عمقاً للثقافات المتنوعة. فالشعر نافذة تطل على تنوع البشرية الذي يأسر القلوب ويخلب الألباب لأن الشعر هو الذي يجمع قلوباً ترتعش بالحياة وتنبض بها، وهو الكائن الشعوري الذي نعيش به، يتسلل إلى الزوايا المظلمة في الحياة الإنسانية ويشعل القبس الذي ينير الحياة ويعطيها المعنى ويفرد الروح بالمحبة على وسع الكون. في شهر مايو عام 1997م انعقد مهرجان ربيع الثقافة الفلسطينية لمدة أسبوعين في فرنسا بمشاركة ثلاثة شعراء فلسطينيين عالميين هم: فدوى طوقان ومحمود درويش وعز الدين المناصرة، حيث وجه هؤلاء الشعراء الثلاثة نداء إلى المدير العام لليونسكو فيديريكو مايور بعنوان "الشعر روح الإنسانية"، طالبوا فيه ب"ضرورة تسمية يوم عالمي خاص بالشعر"، تنوه منظمة "اليونسكو" بقيمة الشعر كرمز لإبداع العقل البشري بحيث تشيد بهؤلاء الذين لا يملكون سوى أقلامهم وألسنتهم للتعبير عن أفكارهم وآرائهم وخواطرهم. ونظرا لقدرة الشعر على تحريك الشعوب، واعتباره مصدراً للغذاء الفكري، وتمكّنه من تحويل كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام، خصّصت منظمة "اليونسكو" ال 21 من مارس من كل عام يوماً للاحتفال بالشعر العالمي. ونظرا لأهمية الدور الذي يلعبه الشعر في خلق تفاهم وتعايش سلمي بين الثقافات وإقامة روابط حضارية بين الشعوب والدول على أساس سلمي ثابت. إن الشعر مرآة صادقة لحياة البشرية وسجل لتاريخها في جميع الميادين الفكرية والسياسية والعاطفية والوقائع. فالشعر يفصح عن المعاني التي في الصدور ويوضح الأفكار التي في الألباب ويبين المكنونات المتخلِّجة في النفوس، ولم يقف في كل الأحوال مكتوف الأيدي، بل كان مع الجميع ومن أجل الجميع يدا بيد وكتفا إلى كتف. والشعر ما زال ينشد للحرية والعدل والسلام والمحبة والأخوَّة والصداقة، والتسامح والتصالح وهموم الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. فالشعر هو رسالة خير ينقلها الشرق إلى الغرب والغرب إلى الشرق، والشمال إلى الجنوب والجنوب إلى الشمال، ووسيلة حوار ممكنة بل ومطلوبة بين الثقافات من أقصى المعمورة إلى أقصاه. إن مناسبة اليوم العالمي للشعر إنما هي مبادرة لدعم الشعر وتقوية حضوره بيننا كرسول للمحبة وسفير للأخوة الإنسانية الرحبة، وجسر بين الأفراد والجماعات، فضلاً عن أنه أصبح من أهم الرسائل المباشرة للترابط والتراحم بين الناس. فاليوم العالمي للشعر هو مناسبة عالمية تحتفل بها دول العالم لأن الشعر هو أحد أشكال التعبير، ويخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب. الشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام والأخوة والمحبة. *أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة عالية، كولكاتا -الهند [email protected]