مع ساعات فجر كل يوم، تبدأ حالة من الترقب والإرباك والخوف لدى عدد من العمال الشبان وهم يستعدون لعبور "فتحات" في جدار الفصل العنصري في مناطق شمال طولكرم للتوجه إلى العمل في أراضي عام 1948. دقائق محفوفة بالمخاطر تنتهي إما بعبور غير آمن، أو بإصابة بعيار ناري، أو بالاعتقال أو الاحتجاز والتحقيق لساعات، تتخللها عمليات مطاردة يقوم بها جنود الاحتلال الذين يتخذون مواقع مخفية قريبة من الجدار لمراقبة تحرك هؤلاء العمال ممن لا يسمح لهم بالمرور عبر البوابات لكونهم، حسب ادعاء الاحتلال، لا تنطبق عليهم شروط الحصول على تصاريح، ويحاولون بالتالي التسلل عبر هذه الفتحات للوصول إلى الأراضي الزراعية خلف الجدار باتجاه أراضي 48، ومنهم من يتم احتجازه لساعات طويلة قبل الإفراج عنه حتى لو كان مصابا بالرصاص. في الأسبوع الماضي، أصابت قوات الاحتلال عند بوابة جدار الفصل العنصري غرب قرية نزلة عيسى شمال طولكرم خمسة عمال بالرصاص، والعشرات بالاختناق جراء استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، ليتبعها في الأيام الأخرى إصابات على البوابة ذاتها، وعلى بوابتي قفين وعكابا المجاورتين، ليرتفع عدد الإصابات خلال أسبوع إلى 9 . وذكر تقرير لمستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي في طولكرم أن الإصابات التي وصلت المستشفى كانت لعمال شبان تتراوح أعمارهم ما بين 17 و25 عاما، وتركزت معظمها في الأطراف السفلية. وبحسب ما أوردته الخرائط الإسرائيلية وما جرى تنفيذه على أرض الواقع، فقد بلغ الطول الكلي لجدار الفصل العنصري، الذي أتمت إسرائيل بناءه في العام 2004م، 40.4 كلم في محافظة طولكرم، وأدى إلى عزل ما مساحته 19.9 كلم² من المساحة الكلية للمحافظة، انخفضت لاحقاً بعد تعديل جرى على مساره إلى 13 كلم². وزودت إسرائيل الجدار بعدد من البوابات الإلكترونية، بلغ عددها في شمال طولكرم ثماني بوابات، وهي في قرى وبلدات: قفين، ونزلة عيسى، وعكابا، وزيتا، وعتيل، ودير الغصون، وباقة الشرقية، وشويكة. وتحمل كل بوابة رقما، ولكل منها أوقات وأيام محددة للفتح والإغلاق، وفي كثير من الأحيان تخضع لمزاجية الجنود هناك، في الوقت ذاته فإن المرور عبرها أيضا مشروط بتنسيق وبالحصول على تصريح. وتخضع قوات الاحتلال جدار الفصل للمراقبة على مدار الساعة، حيث تنتشر الكاميرات في كل مكان، في الوقت الذي تسير فيه دورياتها في المنطقة. ولا يفصل قرى وبلدات شمال طولكرم سوى بضعة أمتار أو كيلومترات قليلة عن قرى وبلدات أراضي 1948، منها نزلة عيسى التي أقام الاحتلال جدارين على أراضيها عامي 2002 و2004، الأول التهم آلاف الدونمات الزراعية من أخصب الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، والثاني اسمنتي قطع التواصل مع فلسطينيي أراضي عام 1948. كما عزل الجدار 5.500 دونم من أراضي بلدة قفين الغربية المزروعة بالزيتون، وتم الاستيلاء على 500 دونم لصالح مستوطنة "حرميش" المقامة على جهتها الشرقية. وتفرض إسرائيل إجراءات تعجيزية في حق أصحاب الأراضي المعزولة خلف الجدار لمنعهم من الوصول إليها، عبر إعاقة إصدار تصاريح الدخول من البوابات الإلكترونية. وحسب الارتباط المدني في طولكرم، فإن الجانب الإسرائيلي يشترط وجود معايير متجددة للحصول على تصاريح لدخول الأراضي خلف الجدار بمسمى "تصاريح زراعية"، ما يتطلب رزمة وثائق منها إخراج القيد للأرض لإثبات الملكية، فيما على الورثة إحضار حصر إرث بشرط مرور 3 سنوات على وفاة صاحب الأرض الأصلي. وترك جدار الفصل العنصري آثاراً سلبية على حياة المواطنين في هذه المناطق، طالت محاربتهم في لقمة العيش وسلة الغذاء، كما أن المواطن يعيش كل يوم فصلا جديدا من المعاناة الطويلة، وسط ترتيبات أمنية مشددة، وقيود يفرضها الاحتلال على عابري البوابات، من مزارعين وقعت أراضيهم ضحية لجدار مقيت التهمها بكل خيراتها، وعمال أنهكتهم ظروف الحياة القاسية فخاطروا بحياتهم من أجل البحث عن العمل. *وفا