يوم 23 يناير 2019، أعلن عن إطلاق مبادرة "الرباط بدون أطفال في وضعية الشارع"، في مقر ولاية جهة الرباط - سلاالقنيطرة، وسط تفاؤل كبير من طرف مسؤولي الجهة والمشرفين على المبادرة بالقضاء على ظاهرة تشرد الأطفال في العاصمة، وأن تكون هذه الأخيرة مثالا يحتذى به بالنسبة لباقي المدن. بعدم مرور عام على مبادرة "الرباط بدون أطفال في وضعية شارع"، التي يشرف على تنفيذها المرصد الوطني لحقوق الطفل، الذي ترأسه الأميرة للامريم، بدا جليّا أنّ الشعار الذي ردّدته حناجر المسؤولين في القاعة الكبرى بولاية جهة الرباط-سلا-القنيطرة ما زال بعيد المَنال، ذلك أنّ مُدن الجهة ما زالت تعجّ بكثير من الأطفال في وضعية الشارع، بما في ذلك العاصمة الرباط. في شارع محمد الخامس وسط العاصمة، كان أحد الأطفال في وضعية الشارع جالسا جنْبَ حائط بنك المغرب قُبالة البرلمان، يُسند ظهره إلى الحائط وقدْ جرّ الطرف السفلي لقميصه الرث ليحمي به ركبتيه المشدودتين إلى صدْه من برْد ليالي العاصمة، منتظرا ما تجود به أريحية العابرين من دراهم. في مكان غير بعيد، يجلس طفل آخر يظهر من ملامحه أنه لم يبلغ السنة الثامنة من عمره بعد، واضعا أمامه بضعة علب من المناشف الورقية يكسب من بيعها قوت يومه، وثمّة أطفال كثيرون أمثال هذين الطفلين ينتشرون في الرباطوسلا، وفي مدن مغربية أخرى، دون أن تُفلح كل القوانين التي جرى سنُّها في احتوائهم، رغم أن الحكومة وضعت سياسة عمومية مندمجة للطفولة منذ سنة 2015 تمتد إلى غاية 2025. يعود سبب عدم الفلاح في القضاء على تشرد الأطفال في المغرب إلى "عدم وجود إرادة سياسة قوية من طرف الحكومة لبلوغ هذا الهدف"، يقول عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، موضحا أن المغرب يتوفر على قوانينَ مهمة لحماية الأطفال، لكنّ "تفعيلها على أرض الواقع لا يتمّ على النحو المطلوب، وهو ما يحدُّ من فعاليتها". وبالرغم من أنّ تفعيل السياسات المرتبطة بالقضاء على ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع قد يحتاج إلى بعض الوقت، فإنّ الرامي يرى أنّ استمرار وجود أي طفل في الشارع، مهما كانت المبررات، "يُعتبر جريمة، ويتحمّل الجميع المسؤولية عن هذا الوضع". لا توجد أرقام من مصادر رسمية حول عدد الأطفال في وضعية الشارع بالمغرب، وتقدرهم بعض الهيئات المدنية بما بين 30 و50 ألف طفل، في حين تشير معطيات صادر عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2017 إلى أنّ ثلاثين في المئة من الأطفال بدون مأوى هم من الإناث. وفي شهر دجنبر الماضي، أطلقت وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة، ورئاسة النيابة العامة، خطة تهدف إلى حماية الأطفال المغاربة من الاستغلال في التسول، بعدما تزايد عدد الأطفال المستَغَلّين لهذا الغرض. ويؤكّد عبد العالي الرامي أنّ ظاهرة التسوُّل بالأطفال ما تزال منتشرة بكثرة في المغرب، سواء من طرف آبائهم الممتهنين للتسوّل أو من طرف أشخاص آخرين، مبرزا أنّ وضع حد لهذه الظاهرة، ولتشرّد الأطفال عموما، يقتضي نقْل القوانين من الأوراق إلى أرض الواقع. في هذا الإطار، يوضح الرامي أنّ القوانين وحدها لا تكفي لحماية الأطفال من التشرد ومن الاستغلال، بل لا بد من توفير أرضية مُسعفة لتفعيل القوانين، وهذا يقتضي، وفقا للمتحدث ذاته، "توفير أماكن استقبال خاصة بالأطفال، وتكوين المؤطرين المشرفين على هذه المراكز". غيْر أنّ توفير المراكز وتكوين المؤطرين المسيّرين وحده لا يكفي أيضا، بل لا بد من جعل هذه المراكز "مُفعمة بالحياة حتى يجدَ الأطفال ذواتهم فيها، ولا يفكرون في العودة إلى الشارع، لأن أغلب الأطفال في وضعية الشارع يكونون في حالة إدمان، وهذا يتطلب توفير شروط خاصة من أجل إبقائهم في مراكز الإيواء"، يقول رئيس جمعية منتدى الطفولة. ويضيف الرامي أن القضاء على ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع يتطلب إجراءات ميدانية، من بينها وضعُ رقم أخضر رهن إشارة المواطنين لإعلام الجهات المَعنية بحالات الأطفال المشردين، وأن تكون هناك خلايا لاستقبال المكالمات ليلا ونهارا، وإعداد ما يكفي من مراكز الحماية الاجتماعية لإيوائهم في ظروف ملائمة. ويبدو أنّ مبادرة "مدينة بدون أطفال الشارع" ما زالت مجرد شعار حتى في العاصمة الرباط نفسها، ذلك أنّ مركز الرعاية المحمدية يأوي إليه الكبار والصغار، و"هذا وضع مختلّ"، بحسب عبد العالي الرامي، حيث إن الأطفال يجب أن يكونوا في فضاء خاص بهم وعدم خلطهم بمن هم أكبر سنا منهم. واستطرد المتحدث ذاته أنّ المغرب وإن كان قد وضع عددا من القوانين الخاصة بحماية الأطفال، وأعلن عن مبادرات لمحاربة ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع، فإن الواقع "مخيّب للآمال"، مؤكدا أنّ إنجاح هذا الهدف يتطلب مقاربة شمولية، "أساسُها تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتنمية المناطق المصدّرة لهؤلاء الأطفال من الهوامش إلى المدن. أمّا المسكّنات، من قبيل توفير المأكل والأغطية لهم، فهذا غير كاف"، يوضح المتحدث، خاتما بالقول إن "وجود أطفال في الشارع وصمة عار على جبيننا جميعا".