فكرة «البنوك الإسلامية» تشبه إلى حد كبير قصة عبارة «أميريكان دريم» أو (الحلم الأمريكي). فبالنسبة إلى حزب رئيس الحكومة المغربية، تعد البنوك الإسلامية «حلم الإخوان» منذ زمن طويل، ولأجل ذلك قاموا بتقديم مشروع قانون في هذا الصدد مباشرة بعد المصادقة على قانون المالية. أضحى إنشاء بنوك إسلامية بالمغرب سرا مكشوفا للجميع. فحلم إنشاء اقتصاد إسلامي راود منذ زمن طويل قياديي حزب العدالة والتنمية. مهندس المشروع، محمد نجيب بوليف، يستعد لتقديم مشروع القانون الخاص بهذه الأبناك مباشرة بعد المصادقة على قانون المالية لهذه السنة. البنوك الإسلامية جزء لا يتجزأ من مشروع إقامة اقتصاد بنظم إسلامية والمعاملات البديلة التي تحرم الربا، وتضمن لفئات كبيرة من الشعب ولوج الخدمات البنكية دون فوائد، فهل يمكن أن يتحقق حلم الإخوان؟ مشروع متجدد منذ وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى الحكم بالمغرب، والسؤال عن موعد إعلان قانون الأبناك الإسلامية مكتوم في صدور بعض المعنيين المباشرين بهذا الملف. محمد نجيب بوليف، العقل الاقتصادي للحزب، لمح، أكثر من مرة، خلال الحملة الانتخابية لحزبه، إلى نية «البيجيدي» خلق ما سماه «الاقتصاد التضامني»، الذي يقوم على إنشاء «نظام معاملات إسلامي»، وتفعيل صندوق الزكاة «بهدف مساعدة الفئات الفقيرة من الشعب». مشروع إقامة أبناك إسلامية بالمغرب لم يولد أثناء وصول الحزب الإسلامي للحكم، فبنك المغرب، بصفته المؤسسة المسؤولة عن السياسات النقدية بالمغرب، سبق أن رخص سنة 2007 للأبناك المغربية من أجل إطلاق منتجات بنكية إسلامية تحت يافطة «المنتجات البديلة»، لكن، في الواقع، لم تقدم أي من الأبناك المغربية على الإطلاق أي منتجات إسلامية إلى حدود سنة 2010، إذ أطلق «التجاري وفابنك» مؤسسة دار الصفا،. وهي شركة تمويل إسلامية متخصصة لها أكثر من 10 وكالات موزعة على 8 مدن مغربية كبرى تقترح منتوجات تمويلية في أربعة مجالات تهم: اقتناء أو بيع أو إيجار عقار للسكن، واقتناء أو بيع سيارة، غير أن التجربة لم تسجل أي نجاح يذكر، ولم يسوَّق لها بالشكل المطلوب. المشاكل التي اعترضت تسويق المنتجات البديلة «كانت في أغلبها من طرف الأبناك نفسها التي لم تتحمس لهذا النوع من المنتجات، كما أن مشاكل قانونية عديدة اعترضت طريق إنشاء الأبناك، في حين أن الدولة شجعت القروض الصغرى وقروض إنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة، وأهملت النظام البنكي الإسلامي»، يقول أحد الخبراء الذين شاركوا في صياغة قانون الأبناك الإسلامية. المنتجات الإسلامية الموجودة في السوق البنكي عانت أيضا بسبب كلفتها العالية وعدم قدرتها على منافسة العروض الأخرى، كمنتجات «مرابحة، مشاركة، إجارة»، وخصوصا على صعيد القروض العقارية، إذ اصطدمت هذه المنتجات بالكلفة العالية للتحفيظ والتسجيل الضريبي. هذا الأمر أعلنه البنك الإفريقي للتنمية الذي قال، في تقريره الأخير عن السوق المالية المغربية، إن «الدولة مطالبة بإصلاحات قانونية تسمح للأبناك الإسلامية بالاستثمار المباشر في السوق، حتى يتسنى استقطاب عدد مهم من الأبناك الإسلامية الخارجية»، لكن يبقى السؤال الأساسي هو: هل يمكن تحقيق هذا الحلم الآن أكثر من أي وقت مضى؟ إشارات أولية قوية أياما قليلة بعد تعيينه سيلتقي عبد الإله بنكيران الشيخ ثاني بن ثاني، المدير العام للبنك القطري الإسلامي، ومباشرة بعد الاجتماع سيعلن بنكيران أن المغرب «يرحب بتجربة البنك القطري الإسلامي الرائدة، وهو مستعد للتعاون في كافة المجالات التي يمكن أن تفيد في إرساء نظام الأبناك الإسلامية». فالنية كانت واضحة منذ البداية لدى حزب المصباح من أجل جلب الأبناك الإسلامية الخليجية على الخصوص. تصريح للحسن الداودي، أدلى به قبل أن يصير وزيرا في حكومة «البيجيدي»، حسم بشكل نهائي نية الحزب في تبني هذا المشروع كهدف أساسي خلال العام الحالي: «مجموع معاملات الأبناك الإسلامية في العالم يفوق المليار دولار، لا أرى لماذا لا يمكن أن ندخل هذه الأخيرة في منظومة التعاملات البنكية بالمغرب، فأصبح ضروريا الآن وضع قانون ينظم هذه الأبناك ». مباشرة بعد هذا التصريح ستنشر جريدة «لي زيكو» خبرا مفاده أن الاجتماع، الذي جمع بنكيران بالمدير العام للبنك الإسلامي القطري، سيفضي إلى إنشاء بنك بالمغرب بمساهمة 51 في المائة من المغرب و49 في المائة من المستثمرين القطريين إذا ما صادق مجلس النواب على مشروع إقامة الأبناك الإسلامية. الشريعة أولا وأخيرا مشروع القانون لم يكن ليقدم لولا فوز العدالة والتنمية في الانتخابات، ويتوقف نصه عند مكونات النظام البنكي الحالي بصيغة إسلامية، الحلال والحرام، حيث يوضح أن القرض لا يمكن أن يكون مصدرا للربح «وعليه فالربا حرام»، كما أن القروض لا يمكن أن تحل محل التجارة، أي أن الأبناك التي تبني وجودها على الربح من القروض الربوية فقط «هي حرام شرعا»، وبذلك فان الأبناك العادية يجب أن تؤسس لتجارة يكون فيها رأسمال معين هو المسير لمشاريع مختلفة وليس القروض، بحيث تشترك الأبناك مع الزبائن في الخسارة والربح. الأبناك الإسلامية، إذن، لا تنحصر مهمتها فقط في المساعدة المالية، بل تتعدى ذلك إلى المشاركة والمساعدة في إنشاء المشاريع. نوعية المشاريع يحددها هذا القانون في «كل عقد لا يخالف الشريعة من أجل ضمان ربح حلال»، وهو ما سيتم عبر طريقتين اثنتين: المعوضات، المشاركات. المعوضات تعني اقتناء المؤسسة البنكية لعقار أو أصول تجارية ووضعها رهن الزبون، سواء عن طريق المرابحة (البيع) أو الإجارة (كراء)، أما بالنسبة إلى المشاركات فهي تتضمن صيغتين اثنتين: المضاربة والمشاركة. هذه الصيغ تعني انخراط البنك في مشروع الزبون الذي يجب أن يملك خبرة كافية في مجال عمله (عقار، صناعة، حرف...)، والأرباح تقسم بالنصف ما بين المؤسسة والمستثمر، والخسائر يتحملها رب العمل وحده. هذه المنتجات ليست هي الوحيدة، وفي هذا السياق، يضمن القانون عددا من الطرق للدخول إلى السوق المغربية، وتهم جميع الفئات المفترضة. صيغة أخرى للمؤسسات البنكية الإسلامية أتى بها القانون الجديد، وتتمثل في إحداث صناديق للاستثمار تجمع بين شركاء مختلفين، وهذه الصناديق ستكون تابعة للمؤسسات البنكية الإسلامية، وهذه الطريقة تخص المشاريع الكبرى التي تضمن مجالات كبرى للاستثمار، ولكن دائما حسب تطابقها مع الشريعة. تحديد مدى مطابقة المشاريع للشريعة يبقى من اجتهادات البنك الذي يحدد أيضا كيفية الاستثمار، وتقسيم الأرباح، وكيفية جمع الضرائب. القانون، وإن كان يحرم المعاملات التي تخالف الشريعة، لا يمنع المؤسسات البنكية الإسلامية من خلق فروع لها بشركات الدولة من خلال أنظمة المضاربة والمشاركة، شرط أن تتم هذه التعاملات وفق القانون المنظم لهذه الأبناك، والتي سيشرف على مراقبتها المعهد المالي الإسلامي. الأبناك الإسلامية التي بلغت تعاملاتها سنة 2011 مليار دولار (8،5 ملايير درهم) تعد سوقا مغرية للكثيرين، خصوصا أن هذه الأخيرة تضع هدفا لها: استقطاب نصف مسلمي العالم من أجل الادخار، بل إن هناك عددا من الخبراء الاقتصاديين العالميين أثنوا على سياسات الأبناك الإسلامية في الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. غير أن السؤال المطروح بالمغرب هو: ما مدى قدرة هذه الأبناك، إذا ما تمت الموافقة على القانون، على مواجهة لوبيات الأبناك بالمغرب؟ وهل ستمسح الدولة بأن تتم أسلمة قطاع حيوي في الاقتصاد المغربي؟ ****** بنك المغرب: مراقبة ضرورية المعهد المالي الإسلامي سيجمع تحت إدارته جميع المؤسسات التي تعمل بموجب القانون الإسلامي من أبناك، صناديق استثمار، شركات استثمار، مكاتب الاستشارة القانونية والمالية، ومراكز تقييم القروض. هذه المؤسسات تتبع الشريعة ولن تتبع القانون 03-34 المنظم للأبناك ومؤسسات القروض، بالإضافة إلى أن هذا القانون في حالة ما إذا تخطى جميع المراحل وتم التصويت عليه في غرفتي البرلمان، لن يُخضع هذه المؤسسات أيضا لقانون التجارة، وستعتبر هذه المؤسسات ذات خاصية إسلامية. مع ذلك، فخبراء حزب المصباح، الذين صاغوا القانون، لا يريدون الخروج عن الإطار المنظم للسوق البنكية بالمغرب، والمتمثل في بنك المغرب والهيئة الوطنية للنقديات والادخار، حيث ستخضع هذه المؤسسات للقوانين الصارمة للسياسات النقدية لبنك المغرب، كما ستخضع للمراقبة السنوية من طرف البنك المركزي، كما أن طلب إنشاء البنوك موجه بالأساس إلى والي بنك المغرب الذي سيترأس فضلا عن ذلك هيئة البنوك الإسلامية، بالإضافة إلى 4 ممثلين عن وزارة المالية وبنك المغرب و6 ممثلين عن الأبناك الإسلامية.