كما كان متوقعا ومنتظرا، عاد المنتخب المغربي لكرة القدم بخفي حنين من جنوب إفريقيا، بعد سلسلة من النتائج المخيبة، التي أكدت منحنى التقهقر العام للرياضة المغربية. ومن المؤكد أننا سنعايش مرة أخرى نفس الأسطوانة المشروخة حول الأسباب والمسببات، وسيغرق الرأي العام في جدل عقيم ومكرور، سرعان ما سينصرف عنه الجميع إما على مشارف استحقاقات أخرى قادمة تبشر بانتكاسات أكبر، أو لوجود البديل المتمثل في الليغا الإسبانية التي أصبحت تنافس شعبية الشاي في القرى النائية. إن الهزيمة أمر وارد في الرياضة بشكل عام، وفي كرة القدم بشكل خاص، حيث لا يمكن أن يفوز الجميع، لكن أن يخرج المغرب من الدور الأول وبذلك الشكل المهين، وأمام منتخبات لا مجال للمقارنة معها، فهذا ما يطرح إشكالا أعمق وأكثر تعقيدا. وهذا ليس غرورا ولا استخفافا بالآخرين، لكن لا يوجد منطق يمكن أن يجعل المغرب "يطلب السلة لهلا عنب" أمام أنغولا التي مازالت تبعات الحرب الأهلية تنخرها على أكثر من صعيد، بل وأمام الرأس الأخضر التي لا يعرف حتى وزير خارجيتنا أين تقع على الخريطة. صحيح أن الكرة لا تلعب بالتاريخ أو الجغرافيا، لكن هذه حجة العاجز، وإلا فلماذا لا تنهزم ألمانيا أو إيطاليا أو هولندا أو إسبانيا أو حتى فرنسا، أمام المنتخبات الأوروبية الصغيرة؟ ربما قد لا تكون المقارنة عادلة، هذا صحيح، لكن ليس على مستوى الطاقات والإمكانيات، فالمغرب بشهادة أكثر من خبير دولي يتوفر على لاعبين في المستوى العالي، وعلى تجهيزات رياضية لا تتوفر سوى في جنوب إفريقيا التي حكمها الأوروبيون لقرون، لكن هناك خصاصا واضحا على مستوى الشعور بالانتماء للوطن، وإلا فكيف تتحول المنافسات الإفريقية في كل مرة إلى مناسبة ل"مرمدة" المنتخب وسمعة الوطن؟ يخطئ بعض الذين يعتقدون أن المطالبة برأس رئيس الجامعة ستحل المشكلة أو جزء منها على الأقل. فالرجل في النهاية نجح في تحقيق المطلوب منه، ألا وهو تبديد المال العام وإحباط المغاربة. وساذج من يعتقد أن رئيس الجامعة- الذي أسري به في الظروف المعلومة، والذي شكك كثيرون في شرعية انتخابه لعدم توفره على شرط من الشروط المطلوبة- "فشل"، بل إنه أدى ما جيء به من أجله، وإلا لما مرت فضيحة "غيريتس" مثلا دون عقاب، ولما امتلك السي علي الجرأة للاعتراف بأن كل تلك الشروط المجحفة التي بصم عليها، مجرد "خطإ" أقر به وانتهى الأمر..ففي بلدان تهب فيها رياح الشفافية كان السيد الرئيس ليضطر إلى بيع شقق حرمه الباريسية لتعويض خزينة الدولة عن الخسائر المادية التي ألحقاها بها، جراء كرمه غير المبرر مع صديقه البلجيكي، أما الخسائر المعنوية التي ألحقها بسمعة المغرب وتاريخه الرياضي، فتلك قصة أخرى.. شخصيا، أتوقع أن يحصل السيد الفاسي في القريب العاجل على ترقية إدارية غير متوقعة، بما أنه كلما فشل في الكرة إلا وكلف بإدارة قطاعات استراتيجية... ولم لا؟ فقد نسمع قريبا عن تكليفه بالملف "النووي"، بما أنه مسؤول حاليا عن الماء والكهرباء والتطهير، وذلك مكافأة له على فضيحة جنوب إفريقيا، تماما كما حدث بعد فضيحة كأس إفريقيا السابقة عندما سلم له "لونيب" على طبق من ذهب ليكون ذا الإدارتين على وزن ذي الوزارتين. وكما قلت أعلاه فالمشكل ليس في الهزيمة في حد ذاتها، خاصة وأن الطريقة التي تسير بها شؤون الكرة في المغرب لا يمكن أن تؤدي سوى إلى مزيد من الانتكاسات والفضائح. المشكل الحقيقي، يتمثل في استمرار نفس النظرة إلى الرياضة عموما، وكرة القدم بشكل خاص، أي على أنها مجرد "لعبة"، في الوقت الذي يتعامل معها العالم المتحضر والمتقدم على أنها أداة ديبلوماسية، ووسيلة دعائية، ومظهر من مظاهر القوة والتحضر، فضلا عن أنها نشاط اقتصادي مهم للغاية. فهل هناك اليوم في المغرب مقاربة تعتبر الرياضة بوابة لحل جزء من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية؟ لا أظن ذلك، فالرياضة هي في نهاية المطاف مجرد وسيلة للإلهاء ولتحقيق مكاسب إعلامية وسياسية وانتخابية لبعض "الأعيان الجدد" و"الكائنات الانتخابية". ولهذا قد لا يفهم أحد سر إصرار "الفلول" في مصر مثلا على تعطيل النشاط الرياضي وربما أكثر من إصرارهم على عرقلة السياحة والاستثمار الأجنبي، لأن ما بين 4.5 و5 ملايين مصري يحصلون قوتهم إما مباشرة أو بشكل غير مباشر من النشاط الرياضي، وهذه معطيات رسمية جاءت على لسان وزير الشباب المصري مؤخرا. ولا نحتاج هنا طبعا إلى مقارنة بين تاريخ الرياضة المغربية ونظيرتها المصرية لنلاحظ أن الكفة تميل لصالح المغرب في أكثر من مجال -خاصة في المستوى الدولي-، ما يعني أنه لو توفرت الإرادة الحقيقية لكانت الرياضة منفذا لتشغيل جيوش العاطلين الذين يملأون الشوارع في كل المدن والقرى. بل أن دولا مثل كوبا وكولومبيا نجحت في تحويل الهوامش الفقيرة إلى مشاتل لتخريج أقوى الملاكمين في العالم، أي تصريف الطاقات الكامنة عبر الرياضة بدل استغلالها في الجريمة.. لكن كيف يتحقق هذا الهدف، إذا كانت مافيا الانتخابات قد وضعت يدها مبكرا على هذا القطاع، حيث نادرا جدا ما تجد رئيس فريق أو ناد رياضي، لا يحمل صفة منتخب أو يتطلع لاحتلال منصب تمثيلي؟ بل لقد بلغ الأمر ببعض هؤلاء حد تسخير اللاعبين لتوزيع المنشورات خلال الحملات الانتخابية. أما بالنسبة للدعاية السياحية التي ينفق المغرب عليها ملايير في أنشطة وحملات غير مجدية، تنظم في دول أجنبية وبالعملة الصعبة، فالكل يعلم أن الرياضة هي أفضل وسيلة للإشهار، لأن كثيرا من محبي الرياضة، وهم بمئات الملايين بفضل النقل التلفزي، يجدون أنفسهم مدفوعين لاكتشاف كل شيء عن البلد الذي فاز بهذه التظاهرة الرياضية أو تلك، فضلا عن المكانة التي تحتلها الدولة على الخريطة العالمية، بما أن الرياضة في نهاية المطاف هي مؤشر من مؤشرات القوة، ومظهر من مظاهر التحضر، وإلا فلننظر إلى جدول الترتيب في أية مسابقة رياضية دولية، لنرى من يحتل الصفوف الأولى، وهل هناك مكان للمتخلفين. أما في الجانب السياسي والديبلوماسي، ودون العودة إلى قصة التطبيع بين أمريكا والصين في ثمانينيات القرن الماضي، على طاولات "البيغ بونغ" وليس طاولات المفاوضات، بل ودون التذكير بمقاطعة المعسكر الغربي لأولمبياد موسكو سنة 1980 ورد المعسكر الشرقي بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلس سنة 1984، لا ندري لماذا لا يتم الرهان على الرياضة كوسيلة لإعادة اكتشاف إفريقيا من جديد، بعد أن طال غيابنا عنها؟ فنحن نذكر كيف أن بعض الرياضيين المغاربة كثيرا ما استقبلوا بحفاوة بالغة خلال تواجدهم ببعض الدول الإفريقية، بفضل الشهرة التي حققتها لهم الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة، بل يمكن أن نستحضر على سبيل المثال "الدور" الذي تلعبه الأطر التقنية الفرنسية في العديد من هذه الدول، التي يستحيل أن تدفع أجور هؤلاء من ميزانياتها، علما أنهم يساهمون بقوة في بسط هيمنة المستعمر السابق. إن المغرب مطرود اليوم من الاتحاد الإفريقي، ولا يحضر كواليس قممه إلا متلصصا أو متخفيا أو في حالة شرود، بل أكاد أجزم أنه لولا الضغوط الفرنسية على بعض الدول لما بقي له أصدقاء أصلا في هذه القارة، التي يتعامل معها باستعلاء شديد، حتى في الرياضة، ولذلك ليس مفاجئا أن يقصى المغرب في الدور الأول بينما تتأهل مالي التي استنجدت بجيوش المحتل السابق لاستعادة السيادة على جزء كبير من ترابها الوطني. إن الحصيلة الرياضية أصبحت أكثر سوادا في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد الملاكمة قادرة على العودة حتى بميدالية نحاسية يتيمة من الألعاب الأولمبية، وغرقت ألعاب القوى في فضائح المنشطات، وغابت الإنجازات عن كرة المضرب ..أما كرة القدم فحالها كما نرى. ولعل ما يحز في النفس أكثر، هو وجود إصرار على تهميش وإقصاء الأطر الوطنية الكفأة التي اثبتت قدرتها على العطاء، وليس في كرة القدم فقط ..ولهذا لا يمكن مثلا الاستخفاف بالأخبار التي أرجعت إبعاد الزاكي عن تدريب المنتخب في آخر لحظة إلى مكالمة أجراها معه رئيس الحكومة بشره فيها بالمنصب استجابة لإرادة الشعب... الأكيد -ختاما- هو أن وضع الرياضة يحتاج إلى ثورة حقيقية تقود إلى تغيير كثير من المفاهيم والممارسات الخاطئة، التي قادت قبل شهور إلى خروج "مغاربة" ملتحفين بالأعلام الإسبانية احتفالا بفوز منتخب الجارة الشمالية..وهو مؤشر في غاية الخطورة ولا يحتاج إلى إعادة قراءة مقدمة ابن خلدون. http://facebook.com/my.bahtat