تشبث بوجود "ردّة حقوقية"، ينضم إلى المعبرين عنه "الفضاء المغربي لحقوق الإنسان"، الذي عقد ندوته الصحافية، الجمعة، بمقر العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، معلنا تأسيسه وتقديم أول تقرير له عن الوضع الحقوقي بالمملكة. وتابع "الفضاء المغربي": "'العنوان الأبرز لحالة حقوق الإنسان ببلادنا هو استغلال السلطات العامة جائحة كورونا بشكل ممنهج لتكريس مزيد من السلطوية"، مع "ترسيم المقاربة الزجرية للتعاطي مع مطالب الشعب المغربي بكل فئاته". وزاد التقرير الحقوقي حول وضع المغرب خلال سنة 2021: "حالة الطوارئ الصحية شكلت ذريعة، غير مقبولة، للدولة للاستمرار في انتهاك العديد من الحقوق، والتنصل من الكثير من الأدوار والمهام الأساسية الموكولة لها للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خاصة أمام تداعيات جائحة كورونا، وما خلفته من آثار صعبة كان لها بالغ الأثر على الأوضاع العامة للمغاربة". وتحدث التقرير عن "التدهور الكبير الذي عرفته الحقوق الاقتصادية والاجتماعية" في ظل الجائحة، مقدما إحصائيات رسمية للمندوبية السامية للتخطيط حول ارتفاع البطالة، وهو ما يرافقه "الإمعان بحرمان فئات عديدة من الشباب من الحق في الولوج للوظيفة"، بتسقيف سن التوظيف في التعليم العمومي في 30 سنة. وعدد التقرير "التوترات والتعثرات" التي عرفها الدخول المدرسي الحالي (2021- 2022)، وما أظهرته الجائحة من "هشاشة بنيات المنظومة التعليمية ككل، من حيث إعداد البدائل التعليمية..."، وهو ما جعل نمط التعليم عن بعد (رقميا)، يكرس "مزيدا من الفوارق الطبقية بين الفئات والجهات والمناطق، مع تعميق عدم تكافؤ الفرص بسبب الفقر". وحول تنزيل مقتضيات القانون الإطار للتعليم، ذكر التقرير أن إعداده "افتقد لمنهجية تشاركية"، مضيفا أنه رغم مستجداته "تسجل عليه مجموعة من الملاحظات الجوهرية المتعلقة بضرب مجموعة من المكتسبات، ذات الصلة بجودة التعليم وبالمجانية والمغربة والتعريب"، مع نحوه "اتجاه مأسسة الفرنسة في التعليم". وسجلت الهيئة الحقوقية "استغلال الفضاءات المدرسية لتمرير مخططات التطبيع مع الكيان الصهيوني، تحت غطاء تأسيس مجموعة من الأندية التي رفعت شعار التعايش والتسامح، في محاولة غير مقبولة لتوظيف هذه القيم والمفاهيم واستغلالها في سياقات تطبيعية". ومع استحضار الإحصاءات الرسمية حول الانقطاع عن التعليم خلال السنة الفارطة، الذي بلغ عدد التلاميذ المتضررين منه أزيد من ثلاثمائة ألف تلميذ، تحدثت الهيئة عن "الطرد التعسفي والمنع من الدراسة الذي تعرض له 3 طلبة بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير على خلفية نشاطهم النقابي وانتمائهم السياسي". وحول "الحق في الحياة" توقف "الفضاء المغربي لحقوق الإنسان" عند ملفات "لا يزال يكتنفها الصمت والغموض، مع استمرار الدولة في التستر على الجناة"، ضمنها ملفات كمال عماري، ومحسن فكري، وكمال الحساني، وكمال الشايب، وعبد الوهاب زيدون. وطالب "السلطات المسؤولة بفتح تحقيق في موضوع هذه الوفيات، قصد تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات، تفعيلا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب". وسجلت الهيئة الحقوقية، في التقرير ذاته، "استمرار السلطات العامة في التضييق الممنهج على الحريات العامة، ومحاصرة العديد من الهيئات والتنظيمات السياسية والحقوقية والمدنية بسبب مواقفها المعارضة لسياساتها"، ومنع هيئات من حقها في التنظيم مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، مع "منع مئات الجمعيات المدنية من حقها في التنظيم، ومنعها من الحصول على وصول الإيداع أو عدم تسلم ملفات التأسيس رغم استيفاء كل الشروط القانونية". كما سجلت "استمرار التضييق والحصار الذي تتعرض له جماعة العدل والإحسان، التي لا زالت بيوت بعض أعضائها مشمَّعة، ويبلغ عددها 14 بيتا (...) مع التماطل في تسوية ملف الإعفاءات غير القانونية التي تعرض لها العشرات من أطرها". واسترسلت الهيئة الحقوقية الجديدة: "عرفت سنة 2021 استمرار التدخلات العنيفة المفرطة وغير المبررة في استعمال القوة من طرف القوات العمومية، في حق مجموعة من المسيرات والوقفات والتظاهرات السلمية (...) من ضمنها (...) الاحتجاجات الرافضة لاتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني". وأورد التقرير ذاته نماذج أخرى للاحتجاجات المعنَّفة، مثل "احتجاجات تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، واحتجاجات سلمية مطالبة بعدم فرض إجبارية جواز التلقيح للولوج إلى المرافق العمومية". ودعا "الفضاء المغربي" الدولة في هذا الإطار إلى "الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها، والتي تضمن حق الجميع في التنظيم والتجمع والتظاهر السلمي دون قيد أو شرط". وعددت الهيئة أسماء قالت إنها "معتقلة سياسيا"، من بين أزيد من 100 "معتقل سياسي". كما ذكرت أن "التضييقات قد امتدت لتشمل فئة الفقهاء والأئمة الذين يحظون بمكانة اعتبارية في وجدان وشعور المغاربة". وأشارت في هذا الإطار إلى الإمام سعيد أبوعلين، الذي قالت إنه "اعتقل بسبب مطالبته بشكل سلمي بتسوية وضعيته ووضعية المئات من القيمين الدينيين الذين يعانون من أوضاع اجتماعية صعبة، جراء الرواتب الهزيلة التي يتقاضونها من وزارة الأوقاف". في المحور نفسه، سجلت الهيئة ذاتها "استمرار الاعتقال التعسفي للصحفيين سليمان الريسوني وعمر الراضي وتوفيق بوعشرين"- الأولان محكوم عليهما ابتدائيا، والأخير على مستوى النقض- مع "استمرار الاعتقال التعسفي للعديد من الحقوقيين والمدونين، ونشطاء الحراك الاجتماعي، ومن ضمنهم معتقلو حراك الريف، وجرادة، وبني تجيت". كما تحدث "الفضاء المغربي" عن "استمرار الدولة في انتهاك الحياة الخاصة للعديد من المعارضين السياسيين وبعض الصحفيين"، ب"تعريض هواتفهم للاختراق". وقالت الهيئة الحقوقية الجديدة، التي تضم مجموعة من المحامين، إن القضاء "يستمر في تبييض الانتهاكات التي تتعرض لها الحقوق والحريات"، وزادت: "الخطاب الرسمي للدولة حول النهوض بمنظومة العدالة بالمغرب واستقلالية القضاء، ينحو نحو الخطاب الاستهلاكي والتسويقي للخارج، خاصة في ظل تقوية سلطات النيابة العامة، التي أضحت بعيدة عن أي رقابة". ومع التوصية ب"تطوير الممارسة الاتفاقية بالمغرب"، و"الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين"، و"رفع الحصار والتضييق على التنظيمات المعارضة"، دعت الهيئة الحقوقية ذاتها إلى "العمل على إنضاج شروط نموذج تنموي يشكل رافعة ومدخلا للتنمية بكل أبعادها، من شأنه أن يحسن ظروف عيش المغاربة، ويرتقي بمستوى الخدمات الصحية والتعليمية، ويضمن الحق في الشغل والسكن والرفاهية والكرامة لكل المغاربة"؛ ف"مجد الدولة واستمرارها وسؤددها في حفظ كرامة أبنائها". وفي هذا الإطار، قال رئيس الهيئة الحقوقية، المحامي محمد النويني، إن "قوة الدولة قد تكون أمرا إيجابيا، لكن ينبغي أن تكون هذه القوة أخلاقية، لتكون دولة الحق، لا دولة الاستبداد." تجدر الإشارة إلى أن "الفضاء المغربي لحقوق الإنسان"، الذي نظم أول أنشطته بمقر "العصبة"، يعرف نفسه بكونه "جمعية حقوقية تهتم بقضايا حقوق الإنسان، رصدا ومتابعة، من أجل العمل على بلوغ وتحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية؛ منها نشر مبادئ حقوق الإنسان، ورصد الانتهاكات الحقوقية المتنوعة والسعي للحد منها، ومساندة ضحاياها، وتنبيه مرتكبيها، في حدود إمكاناته، وكذلك العمل على تشكيل قوة اقتراحية من أجل النهوض بحقوق وكرامة الإنسان بالمغرب، والتنسيق مع الهيئات ذات الاهتمام المشترك".