لم تقتصر الندوة التي احتضنها مسرح دار الثقافة بالقصر الكبير، والتي نظمتها جمعية الأنوار النسوية بشراكة مع المجلس الجهوي لحقوق الإنسان، على السجال الحقوقي القانوني المعتاد، بل كانت شاملة لأشكال من السجال الفكري الشاسع..! فهي و إن اتخذت منحى مرجعيا واحدا متمثلا في المبادئ الإنسانية على مستوى الحقوق، لكنها استحضرت بنوع من الاختزال المرجعية المحافظة ذات البعد الديني، خاصة في المداخلة المتميزة للباحث الاسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي. هذا الأخير، بعد أن نوه بمداخلتي الوزيرة الحقوقية نزهة الصقلي، و الأستاذة سلمى الطود رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، والتي كان مضمونهما حاسما في اتجاه المطلب الحقوقي المنادي بالمنع الكلي لتزويج القاصرات..، انعطف اتجاه الإشكالية الحقيقية، المتمثلة في أهمية مناقشة المرجعية التي يمكن أن نستند إليها في الاجتهادات القانونية قبل كل شيء، حيث اعتبر أن الأشكال المقاومة تختبئ بين سطور المرجعيات، واعتبر أن مدونة الأسرة ظلت خارج الإطارات القانونية الوضعية على مستوى المرجعية، و أن الاجتهادات التي تلت 2004 زمن الجدل حول الخطة الوطنية، جعلت مدونة الأسرة بلا هوية مرجعية حقيقية، وإن كانت مرجعيتها المعلنة فقهية، ليطرح بجرأته المعهودة مكامن الخلل في هذا الارتباك الفكري، والذي أرجعه لسلطان النصوص على حساب سلطان القيم، معضضا مداخلته بتناقضات الموروث الفقهي الغرائبي..! لهذا كانت مداخلته الأكثر أهمية، والتي كمتابعين تمنينا وجود طرف آخر ممثلا للفقهاء المتشبتين بالمرجعية الغائبة، لكان العرس الفكري أجمل وأمتع..؛ قد يتفهم المتابعون للموقف الحقوقي من ظاهرة تزويج القاصرات، كل أشكال الضغط في اتجاه تحقيق المطالب، لكن في الميدان الفكري، لا بد من حضور الرؤية الشاملة، فهي وحدها التي يمكن التعويل عليها في تحقيق النجاعة الحقوقية.. مع بالغ الشكر للجمعية المنظمة، برائداتها الرائعات، و للجنة الجهوية لحقوق الإنسان، و للسادة الأساتذة المحاضرين والمحاضرات.