شهدت البلاد في الأيام الأخيرة ،حدثا هز أركانها و كان موضوعا انشغل به كثيرا الرأي العام و انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي ،من حيث التعبير عن الآراء المختلفة و المتباينة بما تحمله من تباينات و أحيانا من تطابق. و الحدث ،هو اغتصاب الطفل " عدنان " و قتله من طرف كائن ،قد يبدو للوهلة الأولى وحشا يعيش في كنف المجتمع. و يلاحظ المتتبع ،إن ما ميز هذه النقاشات هي حرارتها و شدتها ،و ذهبت آراء إلى مطالبة الجهات ذات الصلة بإيقاع عقوبة الإعدام على الظنين، بل و تحريض فعاليات المجتمع من أجل توقيع عرائض من أجل إعدامه. ذاك النقاش و تلك التعليقات ،اعترتها في بعض الأوقات تشنجات ،و إهانات بل و قذف ،لمجرد الاختلاف في التقدير و المقاربة و الرأي. إن ما كان تجاذبا و اختلافا في وجهات النظر ، كان مجرد ردود أفعال و انفعالات مفهومة ،بل إن معظم الكتابات كانت تبسيطية و تسطيحية بعيدة عن تحاليل موضوعية و عميقة ،تتوخى النبش و البحث عن الأسباب الحقيقة لمثل هذه الجرائم ،و دعمها بنظرة استشرافية ،تقدم اقتراحات لمعالجة أسباب هذا الجنوح ،الذي قد يتكرر أكثر من مرة. و هنا ،لابد من التذكير بواقعة لا زالت عالقة بالأذهان و بالضبط في مدينة " تارودانت " التي اغتصب فيها أحد المجرمين أكثر من طفل ثم قتلهم جميعا ، كذلك اغتصاب المدعو " كالفان " أكثر من 07 أطفال ، و تمتعه في النهاية بعفو ملكي. لقد أكد كثير من الاختصاصيين في علوم مختلفة : علم النفس ،علم الإجرام ،علم الاجتماع ، علوم اقتصادية…،أنه كلما عاشت مجتمعات أزمات قوية و مدمرة و مقلقة ،إلا و طفت فوق سطح الأحداث جرائم نوعية ، يقوم بها جناة في غفلة من الجميع . و كما هو معلوم فالعالم عامة و المغرب خاصة يعيش أجواء الرعب و الخوف من جراء وباء " كورونا covid 19 ," , كذا تبعاته من حيث نكوص الاقتصاد و ازدياد البطالة مع آثاره المدمرة على قطاعات استراتيجية ك: الصحة ،التعليم ،الشغل …الخ. و يضيف هؤلاء المختصون ،إن الأوضاع المقلقة لدى الأمم والشعوب ،تخلق و تنتج وحوشا : قتلة ،مغتصبون، إرهابيون ، و المعتدون جنسيا على الأطفال…الخ. و بالمقابل ففي ظل هذه الأوضاع المزرية ،فإن فاقدي البوصلة و المنحرفون ( و هم أقلية ) ،يشحذون أسلحتهم، و يجدونها فرصة للاختباء وسط الجموع و بث الرعب و تصبح غرائزهم البدائية تتسيد الموقف بل ويركبون على معاناة الجمهور و يجعلون منها حقا تجاريا. ثم إن كثيرا من المرضى النفسيين هم الآخرين ينتقلون في هذه الفترة الحرجة إلى ارتكاب أفعال مجرمة قانونا. و من نافلة القول التذكير ،بكون خبراء في علم النفس ،يؤكدون أن الجريمة بشكل عام ترتبط بالمجال النفسي الذي تمور أو تتهيء أو تتطور فيه. هذا المجال الذي تخترق و تحيط به أجواء سلبية / ممزقة ،يمكن أن تنتج سلوكيات جانحة: – فردية : و هي تستجيب لنزوع شخصي ك : الاختطاف ،الاغتصاب ،القتل من أجل التخلص من الضحية … – عرضية : و هي التي تستجيب لغضب عارض ،و يمكن لكل شخص أن يرتكب أي فظاعة في لحظة تتوفر فيها شروط قصوى للفعل الجرمي. – إيديولوجية : و هي تزعم حملها لرؤية فكرية ما ،و في الغالب تركز على الكراهية ، و هي وعاء لمنبوذي المجتمع الذين يتشبثون في الغالب بأفكار " ميتة " من أجل إيهام أنفسهم بالحياة .و الإرهابي هو المثال الاوضح. هذه بعض مظاهر و مسببات " الجنوح " داخل مجتمعات متأزمة. و قد تتكرر أكثر من مرة ما لم يتم التصدي للأسباب الحقيقية المنشئة لها. و من تم فالدخول في " هستيريا " جماعية تحرض على إعدام الظنين جراء ما قام به ، تقتضي تقديم الملاحظات التالية : – لقد تأكد أكثر من مرة و منذ مدة طويلة ،ان الإعدام ليس بالحل السحري لجرائم القتل و غيرها التي ترتكب بين الفينة و الأخرى و تكون صادمة للمجتمع و مهددة له في العمق . فقد ثبت و بإحصائيات موثوق بها أن الدول التي ما زالت تعتمد عقوبة " الإعدام " ك "الصين " ،" إيران " و " الولاياتالمتحدةالأمريكية " ،لم ينخفض فيها هذا النوع من الجرائم. بمعنى أن مفهوم الردع الذي يتوخاه المجتمع و يبلوره المشرع في نصوص ،لا يتحقق بعقوبة " الإعدام " . – لا ينبغي للدولة أن تتحول إلى آلية أو جهازا للانتقام . – خطورة هذه العقوبة ،إذا تبين فيما بعد الإعدام أن من نُعِتَ و سُمِيَ بالجاني لم يكن كذلك ، أو ظهرت معطيات جديدة تحول مجرى القضية كليا . فهل باستطاعة أية جهة بعث الروح فيمن أُعْدِمَ ؟ — الدستور المغربي و المواثيق الدولية تنص على :" الحق في الحياة ". – من المؤكد أن البشرية في كل أرجاء العالم تتجه إلى إلغاء عقوبة " الإعدام " لأسباب كثيرة ليس هذا المجال للتفصيل فيها . بقيت الإشارة إلى أنني صدمت من آراء تم التعبير عليها من طرف ممتهنين للقانون و منشغلين بالحقل الحقوقي و الذين أحترمهم ،عندما طالبوا تحت تأثير الصدمة و هول الحدث بإعدام الظنين، و كأنهم بذلك أصدروا حكمهم على الظنين و الحال كما يعلم الجميع : "إن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته " و أن محاضر الضابطة في الجنايات تعد مجرد بيانات يستأنس بها. هذا لا يعني البثة، ان ما قام به الظنين – إذا ثبت في حقه المنسوب إليه – ، أمر عادي و بسيط بل إنها جريمة نكراء ،زلزلت كيان المجتمع و أصابت والديه و كل الآباء في مقتل ،و استغل هذا الحيز لأقدم مجددا تعازي الحارة لكل أفراد العائلة. و تأسيسها على ما سبق ، أتساءل: 1- كيف لجريمة " قتل " كباقي الجرائم الشبيهة تصبح قضية مجتمعية كبرى ؟ 2- كيف لمجتمع بكل أطيافه ،يغض الطرف عن الجرائم السياسية ،الاقتصادية و الاجتماعية ،التي ترتكب في كل أركان الوطن ، و بالمقابل تنخرط في رقصة " زار " على الطريقة " العثمانية " في هذا النوع من المآسي ،بل و يَفْتِي فيها كل من موقعه و خلفيته و مقصده و أجندته بأحكام نهائية "حائزة لقوة الشيء المقضي "؟ – لماذا لم تقم الدنيا و تقعد من أجل إطلاق سراح معتقلي الريف ؟ و الصحافيين و نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ؟ – لماذا لم تنزل إلى شوارع البلاد مظاهرات تحتج على مصير مئات الشباب في عمر الزهور الذين تزهق أرواحهم في عرض البحر من أجل العيش الكريم ؟