لقد عاتبني الكثير من الأصدقاء والصديقات عبر الخاص، أنني لم أكتب يوما عن مدينة القصر الكبير، وبأنني أقف موقف المتفرج إزاء ما تتعرض له المدينة من تهميش واقصاء ممنهجين وما تعيشه من بؤس وفوضى، وأنا المناضل والمناصر لقضايا الشعب، فكيف والأمر يتعلق بمدينتي ومسقط رأسي …؟؟؟ بداية يجب أن أوضح وهذا ليس بتبرير، أن الكتابة هي مسؤولية أخلاقية ونضالية وأن نقد الواقع دون العمل على تغييره هو مجرد تكريس للأزمة. والحال أن الجميع يعلم الظروف التي جعلتني أعيش بعيدا عن المدينة وهذه الشروط لا زالت قائمة للأسف، كما أن الكتابة دون التوفر على معطيات وأرقام علمية تبقى مجرد سرد للأحداث والوقائع، وأنا لست من مناصري الطرح المنادي برفع التهميش عن المدينة لأن ذلك من وجهة نظري لن يتم إلا بالنضال والمزيد من النضال. مدينة القصر الكبير ضاربة جدورها في القدم، وهي أقدم من مدينة فاس، معركة واد المخازن، المسجد الأعظم الذي يوجد به نقوش رومانية… بهذه العبارات سجنوا المدينة في الذاكرة وجعلوها من الماضي، ليتحول التاريخ إلى سرد حكواتي ضد حركة التاريخ والتطور، وكأن هذه المدينة قدر لها أن تعيش التهميش الرسمي والشعبي. الكل اليوم يجمع على أن المدينة تشكل نقطة سوداء في جغرافية الشمال والريف الكبير بصفة عامة، ولن يختلف اثنان إذا قلنا أن مؤشرات التنمية هي الأضعف في المنطقة إن كانت هناك مؤشرات تستحق الذكر من الأساس، حتى أن أبناء المدينة أصبحوا يصفون مدينتهم بالقبر الكبير، ولتلطيف الأمر أقول، تجمع سكاني كبير يفتقد لأبسط شروط الحياة والعمران والجمالية. لا مرافق صحية، ولا بنية تحتية، انعدام المساحات الخضراء، غياب تام لأي نوع من معاهد التكوين، معدلات قياسية في البطالة وغياب تام لأي إستراتيجية لدعم التشغيل، انتشار البناء العشوائي كالنار في الهشيم ولأسباب انتخابية يعلمها الصغير والكبير، معدلات محترمة جدا في الجريمة وتعاطي المخدرات … حتى تشكلت صورة سوداء لدى الرأي العام، أن المدينة هي أحد بؤر الجريمة والمخدرات. هذا الواقع هو نتاج سياسة ممنهجة في حق المدينة ابتدئت فصولها مع انتفاضة يناير 1984، حيث صنفت المدينة من قبل أصحاب القرار ضمن خانة المدن المغضوب عليها من جهة ليكون العقاب هو قطع كل أشكال الدعم عن المدينة وحرمانها من كل المبادرات "على علاتها" والتي تدخل في باب التنمية المجالية والبشرية، ومن جهة أخرى سوء التدبير والتسيير والفوضى والمصالح الشخصية والعائلية والانتهازية المقيتة التي لازمت عمل المجالس "المنتخبة" خلال الثلاث عقود الماضية دون حسيب ولا رقيب والوضع مستمر إلى إشعار آخر. يتبع …