4800 مليار سنتيم اختفت خلال 6 أشهر الأولى من سنة 2017، هكذا صرحت وزارة الاقتصاد والمالية. رغم ضخامة المبلغ المالي "المهرب" إلى الخارج وبطرق يقول المسؤولون أنهم سيفتحون تحقيقا بشأنها، أي أنها أساليب المافيات الدولية المنظمة. ورغم الثقب الكبير الذي أحدثه هذا المبلغ سواء على مستوى "الاقتصاد المغربي" أو في مستوى احتياطي البلاد من العملة الصعبة الذي تراجع إلى ثلاثة أشهر، فإن الأمر مر مرور الكرام إعلاميا وفي مواقع التواصل الاجتماعي. ربما لأن الأمر لا يتعلق بفضيحة جنسية أو كاسكيطة منيب، وربما لأن الموضوع يتطلب نوع من الدراية بخبايا الاقتصاد وعالم المال. قبل سنة أعلنت الحكومة المغربية أن الاقتصاد المغربي استطاع أن يشكل مناعة قوية ضد الصدمات والأزمات، في إشارة إلى "الأزمة المالية التي ضربت العالم سنة 2008″، هذا من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية السياسية كان المقصود "الانتفاضات الكبرى التي عرفها محيطنا الاقليمي والداخلي" وشعار "الاستثناء المغربي". ثقة زائفة مبنية على الوهم مثل ذلك الشخص الذي "كذب كذبة وصدقها لوحده"، دفعت الحكومة إلى القول أن الاقتصاد المغربي دخل نادي الدول الصاعدة وحقق قدرة تنافسية كبيرة !! ولم يعد ما يمنع من تحرير الدرهم مقابل العملات الرئيسية مثل الدولار والأورو، بل وذهبت وبكل ثقة إلى تحديد الفاتح من يوليوز من سنة 2017 تاريخا من أجل بدأ تفعيل هذا الاجراء الذي سيتم بالتدريج. ما الذي حدث ؟ اختفت 4800 سنتيم خلال 6 أشهر الأولى من سنة 2017 دون سابق إعلان. تقول الحكومة على لسان وزارة المالية أن الأمور غير واضحة وأنها تبحث في الأمر، ولكن إذا عدنا إلى قرارها بالتراجع عن إجراء تحرير الدرهم في 01 يوليوز 2017 إلى أجل غير محدد قد نفهم بعض الأمور. أن "الفاعلين" الاقتصاديين في المغرب بمجرد علمهم بخبر الحكومة عزمها تحرير الدرهم سارعوا إلى سحب أموالهم وتحويلها إلى العملات الصعبة ومن تم تحويلها إلى وجهات "معلومة"، ماذا يعني هذا ؟ – عدم ثقة "الفاعلين" في الاقتصاد المغربي وقدرته على المنافسة، لأنهم يعلمون علم اليقين أنه اقتصاد هجين ومثقل بالمديونية التي وصلت إلى مستويات قياسية 84 % من الناتج الداخلي الخام. – لأنهم يعلمون علم اليقين أن قرار الحكومة جاء بناء على توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وليس قرارا داخليا مبني على معطيات اقتصادية دقيقة. – لأن الاقتصاد المغربي اقتصاد تبعي خاضع لتقلبات السوق الدولية وهذا يمكن لمسه من خلال قوانين المالية، وفي ضل سوق معولمة ليبرالية متوحشة تعرف تنافسية شرسة وخاضعة لقوانين الدول الصناعية الكبرى، فإن إجراء من قبيل تحرير الدرهم هو إجراء غير مضمون العواقب وقد يعرف الدرهم انهيارا مدويا مقابل العملات الرئيسية وخاصة في ضل وضع داخلي مشحون وقابل للانفجار في أي لحظة، وما يستتبع ذلك من خسارة مالية فادحة للفاعلين والمستثمرين على حد سواء. – أن الاقتصاد المغربي اقتصاد غير مواطن، بل أكثر من ذلك هو اقتصاد ريعي خاضع للوبيات الفساد داخليا وخارجيا ولمنطق المصلحة الذاتية المبنية على النهب والسرقة والربح غير المشروع من خلال التحايل على القوانين الموضوعة على مقاس هذه اللوبيات، وهذا ما يفسر الطريقة المفيوزية التي اختفت بها 4800 مليار سنتيم.