يبدو أن الجدل السياسي بين المعارضة والحكومة حول مطلب "الإصلاحات الهيكلية الإقتصادية الكبرى"، لن يتوقف، خصوصا بعد سنة كاملة من الأحداث والتطورات الاقتصادية التي حملت عدة مؤشرات غير مطمئنة بالنسبة لمستقبل الاقتصاد المغربي في خضم استمرار تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وباعتبار أننا كحزب ليبرالي مؤمن بضرورة وأهمية إجراء الإصلاحات الهيكلية في الظرفية الحالية من أجل تمكين الاقتصاد الوطني من الخروج من أزمته الحالية بتطوير آلياته الإنتاجية والتصنيعية والتصديرية والتكنولوجية والرفع من قدراته التنافسية والمالية أزاء الاقتصادات الأخرى المنافسة، نرى أنه بعد سنتين ويزيد، ما زالت دار لقمان على حالها، خصوصا وأن سنة كاملة من الارتجالية والعشوائية في تدبير وتسيير الحكومة للملف الاقتصادي والمالي، لم تحقق ما كان منتظرا، حتى باتت الباطرونا والمركزيات النقابية في خندق واحد لمواجهة قرارات الحكومة وإجراءاتها التي أثارت كثيرا من الاعتراضات والانتقادات، والتي لم تفد في معالجة الإشكاليات الاقتصادية والمالية المطروحة على الدولة بفعل الأزمة العالمية والمنافسة الخارجية القوية، والتغيرات المناخية التي أثرت الفلاحة الوطنية. فرهان الإصلاحات لا زال قائما، بالرغم من قيام الحكومة الحالية ببعض الإجراءات الجزئية كاعتماد "نظام المقايسة" في إطار ورش إصلاح صندوق المقاصة، والبدء بالعمل بالنظام الجبائي على مستوى القطاع الفلاحي، وبالتالي فإن المغرب لم ينجح في معالجة المشكلات الهيكلية الرئيسية المتمثلة في تفاقم عجز الميزانية وعجز الميزان التجاري وارتفاع المديونية والتضخم وهي المشكلات التي تتطلب بحسب عدة خبراء اقتصاديين رؤية شاملة للإصلاحات، بحيث "لا يمكن معالجة مشكلة منفصلة بمعزل عن باقي المشكلات وعبر مقاربات تقنية صرفة، لأن الموضوع يتعلق باختيارات سياسية بالأساس". والحكومة هنا لم تملك حتى الآن الإرادة الحقيقية لمعالجة تلك المشكلات الهيكلية وإجراء الإصلاحات المطلوبة في آجالها المحددة، مما فوت على الاقتصاد الوطني فرصا حقيقية للانتعاش والتطور والتوسع.وما حدث حتى الآن هو أنها اكتفت بتأجيل معالجة تلك الإشكاليات باختيار مقاربة ضيقة مبنية على حسابات سياسوية معلومة، باستخدام بعض الإجراءات الجزئية ضمن إطار الإصلاحات الاقتصادية الكبرى. إن خلخلة بعض المرتكزات الاقتصادية التي ظلت ثابتة لمدة طويلة في السياسات الحكومية المتبعة، لا يجب أن يتم عبر مجاراة بعض الدول التي أقدمت على تحرير اقتصادها من خلال تدابير مثل تحرير التداول بعملتها الوطنية مقابل الدولار واليورو ورفع الدعم عن المواد البترولية، والزيادة في الإسعار والضرائب، لأن تلك الإجراءات كما هو معلوم لم تخل من سلبيات ومشاكل أخلت أو خلخلت مرتكزات التوزانات الاجتماعية والاستقرار الداخلي بها. وإذا كانت بلادنا قد تاخرت في إجراء حزمة أخرى من الإصلاحات الهيملية الضرورية فلأن الحكومات المتعاقبة بعد تجربة التقويم الهيكلي إبان الثمانينات لم تنجح في الخروج برؤية حقيقية وشمولية لكيفية إجراء مزيد من الإصلاحات وفق استراتجية اقتصادية ذات بعد مستقبلي. وباتالي فكل تأخر جديد في هذا الإطار تتحمل مسؤوليته الحكومة الحالية، التي فشلت أصلا في وضع آليات ناجعة لتسريع وتيرة الإصلاحات في مددها المحددة، وتفادي السلبيات والمشكلات التي قد تفرزها تلك الإصلاحات ليس على المستوى الاجتماعي فقط، بل على مستوى المقاولات والتخفيف من وطأتها عبر إجراءات مصاحبة. إن المطلوب اليوم هو عدم الانفراد باتخاذ القرارات الكبرى في مجال هذه الإصلاحات المنتظرة وإقصاء الشركاء الرئيسيين من باطرونا ومركزيات نقابية وعموم الفاعلين في المجال المالي والاقتصادي، لأن المقاربة الانفرادية تظل غير قادرة على الحصول على ثقة الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين. وإعطاء الثقة في الاقتصاد الوطني ومواكبة سياسة التحرير بسياسة استثمارية محفزة وإصلاح القضاء والإدارة والضرائب وقوانين الملكية العقارية. واعتماد المقاربة التشاورية والتشاركية في كل خطوة تخطوها الحكومة بشأن مصير اقتصادنا الوطني، لأن الجميع معني برفع رهان التحدي والتغلب على كل الصعوبات الراهنة التي تحد من قوته وتنافسيته ونجاعته. فلا إصلاحات كبرى بدون رؤية شمولية وبدون تشاور وحوار وتوافق مع كل الفرقاء المعنيين.