تبلْورت نظرية التنمية، في الخمسينيات من القرن الماضي، في سياق الاستقلال الوطني لما كان يُسمَّى العالم الثالث. كان على هذه البلدان أن تَمْتلك من جديد خيراتها، وأن تسعى إلى توظيف ثرواتها التوظيف الأمثل. ومن ثمة، كان عليها أن تعمل على تعظيم مُتغيِّرين متلازمين ومتضافرين : الادخار والاستثمار. بدون حد أدنى من الادخار الحقيقي أو صافي الادخار المعدل (الذي يأخذ بعين الاعتبار الإنفاق على التعليم واستنزاف الموارد الطبيعية والأضرار الناجمة عن التلوث البيئي) لا يمكن للتنمية أن ترتقي إلى مستوى المسار المستدام، كما تُبيِّن ذلك التجربة التاريخية لبعض الدول الريعية التي لم تدَّخر عائدات مواردها الطبيعية والنفطية، ولم تستثْمِرْها في الأصول المنتِجة والمولِّدة للثروة. هناك خيارات تقليدية لتوليد الأثر المضاعِف للاستثمار (كينز)، ومن ثمة لتكثيف مَقدُرات تراكم رأس المال الثابت، وتوسيع قاعدة الإنتاج. ويُعتبر الاستثمار في البنيات التحتية، وفي التجهيزات، وفي البرامج المهيكلة، الصناعية والفلاحية، ذات المردودية المتزايدة، والقادرة أكثر من غيرها على توسيع القاعدة الإنتاجية، وعلى تكثيف عملية الاندماج الاقتصادي وخلق فرص الشغل. وبطبيعة الحال، فإن القطاع العمومي هو المؤهل للقيام بالدور الريادي في هذا المجال، وهو بذلك يُؤثِّث لبيئة تحْفيزية للقطاع الخاص على الاستثمار في المجالات الأخرى وفي الأنشطة الخفيفة ذات المردودية السريعة. تجدُر الإشارة إلى أن المغرب قد نحا هذا النحو مع بداية الاستقلال، وهو ما مكَّن بلادَنا من وضع البنيات الأولية، المادية وغير المادية، التي ما تزال فوائدها جارية إلى اليوم. في نفس الخيار تندرج الاستثمارات الضَّخمة التي تقوم بها الدولة في ما يُعرف بالاستراتيجيات القطاعية والبرامج الكبرى، ومن بينها الاستثمارات المرتبطة بالنموذج الواعد للتنمية الخضراء. لقد سبقت الإشارة إلى العلاقة السلبية القائمة اليوم بين التنمية والفوارق الاجتماعية، سواء بقياس مُؤشِّرات الدخل والثروة، أو باعتماد المقاربة الحقيقية التي تشمل أشكال التفاوت في القدرات البشرية. أغلبُ البحوث التجريبية، بما فيها تلك التي تهُمُّ المغرب، تَخلُص إلى أن الفوارق الاجتماعية، عندما تتجاوز حدود المُحْتمل والمُطاق، تُمْسي عاملا من العوامل المُعيقة للتراكم، ولإثمارالثروة، ولاستدامة التنمية. من هنا تأتى أهمية الدور الاقتصادي للاستثمار الاجتماعي الذي ينبغي ألا يظل محصوراً في المتبقِّي من توزيع الثروة، ذلك أن الإنفاق في المرافق والخدمات الاجتماعية ليس إنفاقاً غير مُنتج وعديم الجدوى، بل إن العائدات الاجتماعية للاستثمار أضحت من المؤشرات الدالة على بنية الثروة المستدامة، وعلى كَيْفيَّات توزيعها بين رأس المال والعمل، وبين الفئات الاجتماعية، والأجيال والجهات. ذلك أن "الثقة المُعمَّمة" لا تنمو، ولا تترعرع سوى في بيئة تسودها الكرامة والعدالة الاجتماعية.