نقصد بالمعارضة "الجادة"، التنظيمات التي تشتغل خارج النسق القائم رغم مشاركة بعضها في العملية الانتخابية، وهي أساسا، حزب النهج الديمقراطي، وحزب الطليعة، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الأمة، وجماعة العدل والإحسان، والبديل الحضاري.. ويمكن إضافة تنظيمات أخرى، وإدراج أيضا شخصيات خيرة مؤثرة لها حضور ووزن سواء كان سياسي أو أكاديمي أو حقوقي أو حتى إعلامي. ونطلق عليها صفة "الجادة"، إيمانا منا بالدور الذي من المفروض أن تلعبه، وبالمواقف المعتبرة التي تعبر عنها وهي في عمومها منحازة لعموم شعبها، وقدرتها على انتقاد اختلالات السلطة الحاكمة في المغرب، والتي تملك فعلا زمام وخيوط القرار والتنفيذ، وهي تنظيمات وسطية معتدلة وسلمية. وتتميز هذه التنظيمات المعارضة مجتمعة، بتواجدها المعتبر في الشارع، وبأذرعها الطلابية والشبيبية والحقوقية والجمعوية والإعلامية، مما يمنحها قوة ضغط غير عادية إن هي استثمرت قوتها ومبادراتها في اتجاه السلطة الحاكمة لدفعها للانفتاح وفتح باب الحريات والمشاركة أمام الجميع في تدبير الشأن العام، مع تمركز السلطة لدى مؤسسات منتخبة. القاسم المشترك بين كل هذه التنظيمات أنها توجد تحت آلة القمع، بمعاناة بعضها مع المنع من التواجد القانوني، وتواجد عدد من رموزها وراء القضبان ظلما، وحرمان جزء كبير منها من الاستفادة من القاعات والفضاءات العمومية، هذا مع العلم أن جميعها محاصرة إعلاميا وممنوعة من الظهور في الإعلام العمومي . ورغم كل هذا القمع المسلط عليها، ومع ذلك لا زالت مكونات المعارضة تصر على التشرذم، وعلى التفرقة، وكلما ازدادت وتوسعت تناقضاتها تضاعفت معها هجمة المخزن، الذي أصبح وضعه مريحا ومساعدا على المزيد من التضييق. لن ندخل في أسباب هذا التشرذم، لأنها أسباب معظمها واهية وغير ذي جدوى، وغير ذي معنى، أمام عظمة وأهمية المهمات التي أمامها والمتعلقة أساسا بمستقبل المغرب وأجياله التي تعاني اليوم الويلات من جهل وتفقير وتضييع لثرواتها دون حسيب ولا رقيب. المطلوب اليوم من أخيار هذا الوطن وضع كل الاختلافات جانبا وهي في عمومها يمكن تجاوزها، والاتجاه عمليا نحو بناء جبهة حقيقية تضم سياسيين ونقابيين وحقوقيين وجمعويين وأكاديميين وحتى إعلاميين لتجاوز الوضع القائم، وهذه بعض المقترحات التي يمكن الاستئناس بها. فتح نقاش جدي ومسؤول داخل مؤسسات التنظيمات والأحزاب، وعلى الأصوات التي تؤمن بالتقارب بين الإسلاميين واليساريين الخروج إلى الواجهة، فالملاحظ أن هذه الأصوات توارت وتراجعت إلى الوراء في السنوات الأخيرة، ولم نعد نسمع عنها وبمواقفها رغم أن منها أسماء مهمة ووازنة، صحيح أن هناك صعوبة على هذا المستوى، إذ الملاحظ أن المعارضين لهذا التقارب أصبحوا وللأسف يسيطرون على مؤسسات الإطارات المعنية، لكن ومع ذلك لا بد من العودة إلى ما كان عليه الوضع خلال سنوات مضت خاصة سنة 2011 إبان الحراك . خطوة أخرى مهمة، يجب الإقدام عليها من مختلف الأطراف المعول عليها، هي محاولة تنقية الأجواء، بالتخلي أساسا عن التصريحات التي تركز على المختلف فيه، والتركيز على القضايا المتفق حولها، والتي تشكل نسبة مهمة تحفز على مبادرة البداية. المبادرة إلى لقاءات تطمينية، (للأسف لم يعد لها وجود منذ مدة)، هدفها الأساسي تقديم توضيحات، وتلطيف الأجواء التي لم تعد كالماضي القريب، حيث التوتر باد للعيان بين مكونات معارضة مهمة. تخفيض سقف المطالب إلى أقصى درجة ممكنة، لجمع أكبر قدر ممكن من أخيار وكفاءات الوطن، فترك السقف مفتوحا في سياق تغول وتمدد واضح للمخزن، أمر لا يستقيم، خاصة وأن معظم المكونات المعارضة القريبة من بعضها على المستوى المواقف حددت سقف مطالبها المتمثلة أساسا في "الملكية البرلمانية"، وبالتالي رفع السقف أو تركه مفتوحا لن يشجع على التقارب وسنجد في النهاية تقارب لن يتجاوز تنظيمين أو ثلاث في أقصى الحالات . المطلوب من الشخصيات البارزة خاصة الحقوقية والأكاديمية منها، التحرك ومحاولة لعب دور مهم غايته تقريب وجهات النظر، وتكسير الحواجز التي تراكمت مع مرور السنوات، والعمل على تليين وتلطيف الأجواء، والدفع بالأطراف المعارضة المعتبرة إلى لقاء أولي يكون البداية لبناء جبهة قد تقول كلمتها ان تحققت، بل وستصبح حسب المعطيات المتاحة رقما مهما في إطار التدافع المفروض أن يدخله المغرب، بعد التقارير والأرقام التي تؤكد أن المغرب تأخر كثيرا عن ركب الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المرجوة، خاصة وأن المحيط الإقليمي أصبح جد مساعد.