ترافع،أمس الثلاثاء، مجموعة من الحقوقيين، في ندوة بالرباط، ضد عدد من الفصول القانونية الواردة في القانون الجنائي المغربي المٌجرمة للحريات الفردية للمواطنين، مؤكدين بأنها متجاوزة على مستوى الواقع الفعلي والتطورات المختلفة التي عرفها المجتمع المغربي، بما في ذلك النص الدستوري الجديد لسنة 2011. واستنكر المتدخلون، في ندوة حول الحريات الفردية في المغرب بين التشريع والتطبيق، نُظمت مساء الثلاثاء، في العاصمة الرباط، من طرف جمعية الاتحاد النسائي الحر، استمرار العمل بفصول قانونية جنائية يرجع عهدها إلى ستينيات القرن العشرين، من قبيل ما يسمى بالفساد وتجريم الأكل في رمضان والإيقاف الإرادي للحمل (الإجهاض).
الأستاذ الجامعي محمد الساسي، خلال كلمته بالندوة، قدم عرضا ترافعيا تقدميا انتزع تصفيقات الجمهور، وجه فيه انتقادات قوية للفصول التي تمنع الحريات الأساسية للمواطنين المزروعة في القانون الجنائي المغربي. وأورد الساسي أن جريمة الفساد، على سبيل المثال، لا توجد سوى في المملكة المغربية، فيما أن القوانين الجنائية في كل من العراق وسوريا ولبنان ومصر وتونس والجزائر، على حد ذكره، لا يوجد فيها قانون مماثل بالرغم من أن الإسلام يعتبر في هذه البلدان أيضا من مصادر التشريع، مشددا بأن الإبقاء على هدا الفصل يفتح الباب أمام الاعتداء على الحرمات والتعسف. وقال الأستاذ الجامعي اليساري إن وظيفة القانون الجنائي الحديث، في معظم دول العالم، لا علاقة له بالأخلاق، موضحا أن دائرة الأخيرة أوسع من القانون الجنائي، حيث لا يمكن أن يعاقب على الكذب أو التخلف عن الموعد أو عدم رد التحية، مستنكرا ربط الجهات المحافظة بين المسألتين المختلفتين، ضاربا المثال بزواج الفاتحة بالقاصرات الذي تعُده هذه الجهات في مرتبة أخلاقية. من جهتها، ذكرت المحامية والحقوقية خديجة الروكاني، في مداخلتها، أن هيكلة وبنية القانون الجنائي المغربي قائمة أساسا على فلسفة أواسط القرن العشرين، منها أن السياق السوسيولوجي بالمغرب المختلف عما هو سائد حاليا، بالإضافة إلى أولويات الدولة آنذاك في الإبقاء على الاستقرار السياسي وقمع الحركات اليسارية. هذه الهيكلة، تضيف الروكاني، هي التي تفسر عقلية تجريم العلاقات الرضائية، وتُفهم في ضوئها أيضا كيف أن جرائم الاغتصاب وهتك العرض مقحمة في أبواب جنايات وجنح ضد النظام العام والأسرة والأخلاق، والحال أن جريمة الاغتصاب، تؤكد الحقوقية، تمس قبل كل شيء حرمة الجسد والحق في الأمن والأمان ومبادئ وحريات الدستور الحالي، مستنكرة ربطها بالأخلاق في ظل انبثاق منظومة حقوق الإنسان وتحولات المجتمع. النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي عمر بلافريج، أثناء كلمته في نفس الندوة الحقوقية، التي شهدت حضورا كبيرا لاسيما من الشباب، تحدث عن نقاشات الحريات بالبرلمان المغربي، مؤكدا أن موضوع الحريات الفردية لم يتم مناقشته من طرف النواب المغاربة بالرغم من أن مشروع القانون الجنائي معروض على أنظار مجلس النواب. بلافريج كشف كيف أن بعض النواب المحسوبين على صفوف المحافظين، خلال مناقشتهم في كواليس البرلمان لموضوع الحريات الفردية، يعلنون استعدادهم للنقاش وتبادل الآراء، فيما البعض الآخر، ترفع الأحزاب التي يتنمون إليها شعارات الحداثة والديمقراطية، لكن عند التعرض لهذا الموضوع يستنكرون القيام بذلك. أما الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفض)، اعتبر أن الإشكال الوحيد المتبقي فيما يخص الحريات الفردية يكمن فقط في الحريات الجنسية أساسا، بينما باقي الحريات الهامش فيها واسع، بما في ذلك حرية الضمير والاعتقاد، مشددا أن هذا الإشكال يطال المرأة أكثر من الرجل، ذاكرا تجريم الإجهاض على سبيل المثال. وعلى خلاف دفوعات من يعتقد أن النصوص المجرمة للحريات الجنسية وعدم تحييدها هي إبقاءٌ على شيء من الدين، أكد رفيقي أن القوانين المجرمة لهذه الحريات ليست أصلا قوانين نابعة من الدين، بل تم فرضها من طرف المستعمر خلال فترة الحماية. وفي ختام الندوة، تطرق الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد إلى طبيعة التمثلاث الاجتماعية عن الحريات الفردية السائدة في الذهنية المغربية، معتبرا أنها تتعارض مع قيم الحداثة وحقوق الإنسان، داعيا إلى مواجهتها من خلال مداخل التربية والتعليم. وشدد عصيد أن هذه التمثلات الاجتماعية هي نتيجة السياسات السابقة التي اخترتها الدولة للتربية والتعليم ووسائل الإعلام ومختلف المرافق التي تحتكرها، معتبرا ذلك من العوائق الأساسية لترسيخ الديمقراطية.