انتخاب محمد شوكي رئيساً لفريق "الأحرار" بمجلس النواب    صديقي يعقد اجتماعا مع مهنيي قطاع اللحوم الحمراء    موانئ الواجهة المتوسطية : انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري ب 12 في المائة خلال الفصل الأول من العام الجاري    المغرب يدكّ مرمى زامبيا ب13 هدفا دون رد في أمم إفريقيا للصالات    "الكوديم" يبتعد في الصدارة بثنائية في شباك جمعية سلا    طقس الثلاثاء... أجواء حارة بعدد من الجهات    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    تسجيل صوتي يكشف تعرّض عاملات مغربيات في إسبانيا للترهيب والتهديد    مسلم أفندييف مواطن أذربيجاني يتسلق أعلى قمة في المغرب    المبعوث الأممي لليمن يحذر من عواقب وخيمة جراء استمرار التصعيد بالبلاد    أسعار النفط تستجيب صعودا لاحتمال رد إسرائيل على "هجوم إيران"    توقيف عضو في "العدل والإحسان" بمدينة أزمور مناهض للتطبيع مع إسرائيل (فيديو)    وفاة الأمين بوخبزة.. أحد قادة الحركة الإسلامية بالمغرب    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    دوري أبطال أوروبا.. "أم المعارك" بين سيتي وريال وبايرن لانقاذ الموسم امام ارسنال    سانشيز: كأس العالم 2030 ستحقق "نجاحا كبيرا" لأننا 3 دول تعشق كرة القدم    بعد دعم بروكسيل لمبادرة الحكم الذاتي.. العلاقات المغربية البلجيكية تدخل مرحلة جديدة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    حماة المستهلك: الزيادة في أسعار خدمات المقاهي غير قانونية    السكر العلني وإلحاق خسائر بسيارات يوقف أربعة أشخاص    وزان: مصمودة تحتضن الملتقى التلاميذي الأول ربيع القراءة 2024    المديرية الإقليمية بالعرائش تؤسس لمهرجان "داخليات المغرب تتحرك إبداعا"    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    بعد خوصصتها.. وزارة الصحة تدعو لتسهيل ولوج أصحاب المستشفيات الجدد إلى عقاراتهم وممتلكاتهم    بيدرو سانشيز: "كأس العالم 2030 ستحقق نجاحا كبيرا"    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    استعدادا لعيد الأضحى .. وزير الفلاحة يعقد اجتماعا مع مهنيي اللحوم الحمراء    انتقادات لاذعة تطال فيصل عزيزي بسبب "الملابس الداخلية"    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    احذر من تناول هذه الأطعمة بغير وقتها!    "أسود الفوتسال" يستعرضون قوتهم أمام زامبيا وينهون مجموعات "الكان" في الصدارة    الملك يقيم مأدبة غداء على شرف الوزير الأول البلجيكي والوفد المرافق له    الملك يهنئ الطالبي العلمي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا ل"النواب"    مندوبية التخطيط تطلق عملية تحديث البحث الوطني للتشغيل    فلقاء دام 35 دقيقة.. ها شنو دار بين گوتيريش ودي ميستورا حول نزاع الصحرا    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    نسبة ملء سدود حوض سبو 51,15 في المائة    الجمارك تعلن عن تحصيل أزيد من 20 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    السينما المغربية بمهرجان "نظرات افريقية للسينما الإفريقيةوالكريول" بمونتريال الكندية.    برنامج مهرجان مراكش العالمي للشعر    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    دوزي يصدر جديده الفني "الباشا" بفيديو كليب استثنائي    العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جينيالوجيا الراوي العربي
نشر في لكم يوم 07 - 07 - 2022

حين اعتبرت «الراوي» صوتا ثقافيا كنت أنطلق في ذلك من خصوصية هذا الصوت التاريخية، من جهة، ومن جهة أخرى كنت أرمي إلى البحث في جينيالوجيا هذا المصطلح، بقصد رصد تطوره ودلالات استرجاعه مع تطور الدراسات السردية العربية الحديثة. أبدأ بالنقطة الأخيرة لأؤكد أننا استعملنا هذا المصطلح مترجما من اللغات الأجنبية. وهو يعني بوجه عام من يضطلع بسرد القصة. وفي ترجماتنا وجدنا أنفسنا أمام مصطلحات مثل: الحاكي، القاص، السارد. وقع اختياري على مفهوم الراوي لأني أرى أنه أكثر اتصالا بالثقافة العربية في مختلف مجالاتها، اليومية والدينية والأدبية.
لقد برز هذا الراوي، عربيا، في المرحلة الشفاهية، وكثر تداوله في المرحلة الكتابية العربية. كان في المرحلة الأولى متصلا بشخص معين يمكن أن ننسب إليه ما نقله من أقوال (الأصمعي مثلا) لكنه في المرحلة الكتابية، ولاسيما في الثقافة الشعبية، صار صوتا سرديا غير محدد الهوية، حتى إن نسب إليه اسم أو لقب. وحين نقول صوتا سرديا نقصد بذلك، أن وجوده يتحدد في اضطلاعه بسرد قصة من خلال الصيغة المشهورة «قال الراوي». لكن صورة هذا الراوي في المرحلة الكتابية تظل ناقصة لدينا لأننا لم نشتغل بالمخطوطات التي تقدم لنا نصوصا سردية. وقد أتاحت لي فرصة بداية اشتغالي بتحقيق «سيرة سيف التيجان» في بداية التسعينيات أن بدأت تتبلور لديّ إمكانية إدراج مفهوم «الناسخ» في صلته بالراوي. وبذلك نجد أنفسنا أمام ثلاثة أصوات سردية هي على النحو التالي: الراوي، الناسخ، السارد. ويفرض هذا علينا العمل على تحقيب هذه الأصوات السردية لتأصيل المصطلح، والاستفادة منه في تحليل نصوصنا السردية القديمة والحديثة.
تطورت ممارسة السرد العربي، من خلال هذه الأصوات، من خلال ثلاث حقب كبرى. أسمينا الأولى «السرد المجلسي» الذي كان متصلا بالأسمار، التي يمكن أن يمسي فيها كل فرد راويا. فلكل إنسان قصة، وقعت له، أو حكاية سمعها، وقد أدى التناوب على السرد إلى بروز ما سميته «التحاكي» الذي يبين لنا أن السرد ملك مشاع، ولكل إنسان مادة قابلة لأن تحكى. أما المرحلة الثانية فهي وسطى بين الشفاهة والكتابة، وهي ما عرفت بعصر التدوين، حيث سيصبح هذا الصوت السردي مميزا، ومختلفا عن كل من تتاح له إمكانية سرد قصة.
لقد ظل الراوي ذاك الصوت الثقافي الذي سيستمد منه الناسخ والسارد معا أهم المميزات التي ستعطي للسرد العربي تاريخيته وخصوصيته.
يتميز هذا الصوت، من ناحية أولى، بأن له «ذخيرة سردية» هي جماع محفوظاته وسماعاته ومشاهداته مما كان يروى من أخبار، وحكايات وقصص، أو ما يقع أمامه ويحوله إلى مادة سردية. ومن ناحية ثانية، يتميز بالحفظ الذي يجعله يحافظ على ما يسرده بكل أمانة، ومن هنا جاء مصطلح «الحافظ» الذي وظف أساسا لراوي الحديث النبوي الشريف. ولما كان الحفظ معرضا للنسيان، وكان ما يروى يمكن ان يمتزج فيه الصدق بالكذب، كان من اللازم إعطاء هذا الصوت السردي خصوصيته الكامنة في «حجيته» من ناحية ثالثة. إن الراوي الحجة ثقة، ويؤخذ ما يرويه على الصحة والأمانة، ولا عبرة في كونه صدقا أو كذبا، ولاسيما في ما نسميه اليوم بالأدب. يبدو لنا كل ذلك في التشكيك في «القاص» الذي كان يروي قصص الأولين في المسجد، وفي «رواة الشعر» الذين كانوا ينتحلون. أما من يروي في الساحة العمومية فكان التعامل معه على أنه «الراوي» المتميز ببلاغته وأسلوبه السردي وقصصه الممتعة، بغض النظر عن واقعيتها أو خياليتها. وتقدم لنا المقامات نماذج دالة على هذا النوع من هؤلاء الرواة. والتحقق الأكمل والأمثل والأنضج لهذا الراوي هو ما نجده في السيرة الشعبية العربية.
اتخذت أعمال الراوي في المرحلة الوسطى (التدوين) صيغة جمع الأخبار، والحكايات والقصص، وتقديمها من خلال الكتابة على شكل نصوص تبرز من خلال شذرات سردية ذات بداية ونهاية، عملنا على تصنيفها من خلال الأنواع السردية التالية: الخبر والحكاية والقصة، باعتبارها بنيات تامة، ومنتهية: أخبار الأصمعي والجاحظ مثلا، وما تقدمه لنا المصنفات الجامعة الخاصة والعامة من خلال أعمال التنوخي والتوحيدي والثعالبي، وسواهم.
أما المرحلة الثالثة فهي استغلال وتطوير لما تحقق في المرحلتين السابقتين، حيث بدأ الإبداع السردي مستفيدا من الترجمات، ومما تراكم من مواد سردية في الحياة اليومية، وفي كتب الإخباريين وكتاب الدواوين، ومجالس الخلفاء والأمراء والولاة والشعراء، وغيرهم من «أبطال» الحياة اليومية من شخصيات مثيرة، وذات جوانب مختلفة عما هو أليف ومعتاد (البخلاء، المكدون، الظرفاء، الزهاد..).
لقد استمر في هذه المرحلة دور الراوي الذي يقدم إلينا من خلال المصنفات التي تكتفي بسرد ما يمكن تسميته ب»الأنواع البسيطة» إلى جانب التأليف الذي بدأ يبرز مع جمع مواد حكائية مختلفة، و»تنظيمها» و»نظمها» وتقديمها من خلال «الأنواع المركبة» وتعتبر السيرة الشعبية العربية خير تمثيل لهذا النوع من الرواة. وتأتي في الدرجة الثانية القصص الطويلة التي تعرض علينا الليالي العربية نماذج دالة منها.
لقد ظل الراوي ذاك الصوت الثقافي الذي سيستمد منه الناسخ والسارد معا أهم المميزات التي ستعطي للسرد العربي تاريخيته وخصوصيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.