كل سنة، يعيش آلاف التلاميذ المغاربة الحاصلين على شهادة الباكالوريا – وخاصة من يحملون طموح دراسة الطب – لحظات من التوتر الشديد والترقب، لأن مصير مستقبلهم الدراسي يُختزل في امتحانات وطنية وجهوية لا تأخذ بعين الاعتبار الضغوط النفسية والاجتماعية الهائلة التي يواجهونها. رغم تحقيقهم لنقط عالية في مشوارهم الدراسي، يجد العديد من هؤلاء الشباب أنفسهم خارج السباق نحو كليات الطب، إما بسبب نتيجة غير موفقة في امتحان جهوي أو عثرة في الامتحان الوطني، غالبًا تحت تأثير الخوف أو غياب ثقافة التعامل مع ضغط الامتحانات. والنتيجة: حلم دراسة الطب يتبدد، رغم أن الإرادة والطموح والجدية كلها حاضرة. لكن الأكثر إثارة للأسف هو أن العتبة التي تعتمدها كليات الطب العمومية – والتي لا تمنح أي فرصة ثانية – أصبحت حاجزًا تعجيزيًا يضع حداً لطموحات الكثير من المتفوقين. أما كليات الطب الخاصة، التي يفترض أن تكون بديلًا مرنًا، فقد تبنّت المنطق نفسه بإغلاق أبواب امتحانات الولوج في وجه هؤلاء التلاميذ، رغم أنهم على استعداد لتحمل أعباء الدراسة وتكاليفها المرتفعة. لماذا لا تُمنح لهم فرصة ثانية؟ المنطق بسيط: إذا كان الطالب مستعدًا لدفع تكاليف الدراسة بكليات الطب الخاصة، وإذا كانت هذه المؤسسات تهدف إلى تكوين أطباء مؤهلين يخدمون الوطن في نهاية المطاف، فلماذا لا يُمنح فرصة لاجتياز امتحان الولوج؟ لماذا هذا الإقصاء المسبق بناءً على عتبة نقط قد لا تعكس مستوى الطالب الحقيقي ولا قدراته الفعلية؟ في عدد من الدول، منها الجارة إسبانيا، تُنظم كليات الطب الخاصة اختبارات خاصة بها، وتمنح فرصًا متعددة للطلبة، إدراكًا بأن امتحانًا واحدًا لا يمكن أن يكون الفيصل في تقرير مستقبل شاب أو شابة. بل إن بعض هذه الدول تعتبر أن تكافؤ الفرص يبدأ من فتح المجال أمام الجميع للتباري في امتحان الكفاءة، لا من خلال غربلة آلية قائمة على عتبة جامدة. تبعات الإقصاء لا تقف عند الأفراد عندما تُغلق الأبواب في وجه الطلبة المغاربة داخل وطنهم، فإن البديل الطبيعي يصبح الهجرة إلى الخارج، وغالبًا نحو كليات الطب في أوروبا الشرقية، مما يعني: فصل الطلبة عن عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي في مرحلة حساسة من حياتهم؛ خسارة المغرب لموارد مالية مهمة نتيجة خروج العملة الصعبة لتغطية تكاليف الدراسة والمعيشة في الخارج؛ إضعاف الدورة الاقتصادية المحلية، في حين أن هذه الأموال يمكن أن تُضخ في مؤسسات تعليمية مغربية تُخلق فيها مناصب شغل وتحرك قطاعات متعددة؛ غياب رؤية استراتيجية لاحتضان الطاقات والكفاءات الوطنية وصقلها داخل الوطن، بدل دفعها إلى الهجرة القسرية. والمفارقة أن معظم هؤلاء الطلبة يعودون في نهاية المطاف للعمل بالمغرب، بعد الحصول على شهاداتهم بالخارج. فلماذا لا نحتضنهم منذ البداية؟ دعوة إلى إلغاء العتبة ومنح فرصة ثانية في ضوء كل ما سبق، من الواجب إعادة النظر في منطق "العتبة" الذي يحرم الآلاف من فرصة التباري الشريف، ويفرض إقصاءً غير مبرر. إننا بحاجة إلى إصلاح جريء، عادل وإنساني، يُعيد الاعتبار للطلبة المغاربة، ويُمكّنهم من تحقيق طموحاتهم داخل وطنهم. فتح أبواب كليات الطب الخاصة أمام الحاصلين على الباكالوريا – بغض النظر عن العتبة – ليس فقط موقفًا تربويًا متقدمًا، بل هو أيضًا قرار وطني راشد، يُؤسس لنموذج تعليمي أكثر عدلًا وفعالية، ويعكس رؤية تنموية شاملة تراعي كرامة المواطن وتُحسن توظيف الطاقات الوطنية. لنمنح أبناءنا فرصة للحلم، والعمل، والبناء في وطنهم.