على امتداد الساحل الصخري الممتد شمال "كاب غير"، شمال اكادير، على الطريق الوطنية رقم1في اتجاه الصويرة، حيث تنكسر الأمواج بعنف على الصخور السوداء، وتختلط رائحة البحر بنسيم الأطلسي العليل، تبدأ نساء قرويات معركة يومية مع الزمن والموج والملح. في هذه البقعة المهملة من الزمن والخرائط، يعيش البلح البحري، أو ما يُعرف محليًا ب"بوزروك"، حياة صامتة تحت الصخور… تماما كصائداته.
نساء من صخر وملح قبل بزوغ الفجر، ترتدي "الحاجة رقية" (52 سنة) ثياب العمل، وتشد على رأسها غطاء صوفيا مهترئا، وتحمل معها سطلا بلاستيكيا وسكينا. تتوجه نحو البحر في صمت تام، يرافقها عدد من النسوة، تتراوح أعمارهن بين 30 و45 عاما. تقول رقية: نخرج قبل طلوع الشمس، قبل بزوغ الشمس، لا حل لنا سوى ذلك، فالحياة هنا صعبة لا فلاحة ولا عمل، جفاف ضرب المنطقة لسنوات، ولا نملك سوى ما يجود به البحر لنأكل"، تقول الحاجة رقية وهي تهم بالنزول إلى الصخور المبللة. الطريق للوصول إلى "بوزروك" وعر، يتطلب نزولا حذرا بين الصخور، وانتباها دائمًا لأي موجة غادرة. "أحيانا نخسر أدواتنا، وأحيانا نخسر نساء يصبن برضوض في أنحاء مختلفة من أجسادهن نتيجة انزلاقات"، تقول "نعيمة" (38 سنة)، التي فقدت شقيقتها قبل سنتين بعدما جرفتها موجة مباغتة. صيد محفوف بالمخاطر بلح البحر في هذه المنطقة غني، ومطلوب في السوق الشعبية والسوظاء حينما يقل الانتاج والعرض بشكل كبير، ويُستهلك على نطاق واسع في المدن الساحلية. لكن السلطات تعتبر صيده غير قانوني، حينما يتم منع صيده في فترات بسبب تهديده للتوازن البيئي او لخطورته. مع ذلك، لا توفر الدولة بدائل حقيقية لهؤلاء النسوة. "نعرف أنه ممنوع، ونعرف أن هناك غرامات وسجنا، لكن ما الخيار؟ هل نسرق؟ هل نشحت؟"، تتساءل "فاطمة"، وهي أم لخمسة أطفال، تعيش في بيت طيني في دوار معزول بلا ماء ولا كهرباء. تضيف بحزم: "البحر ليس فقط مصدر رزقي… هو أب أولادي". رحلة أخرى من الخوف بعد جمع المحصول، تخبئ النسوة "بوزروك" في أكياس بلاستيكية، يبعنها على قارعة الكريق الوطنية رقم1، يتخذن من أكواخ عشوائية ملاذهن، ينتظرن المارة أو مهنيي الصيد ليبعن المنتوج، وأحيانا يتم تسويق منتوجهن على ظهور الحمير، إلى السوق الأسبوعي في "تامري" أو إلى وسطاء يتولون نقله إلى أكادير. السعر يتراوح ما بين50 إلى 60 درهما للكيلوغرام. عن ذلك ، تقول "الحاجة رقية": "في بعض الأيام لا أبيع سوى بخمسين درهما… لكنها تشتري خبزا وحليبا وسكرا وعلبة شاي". رغم قساوة الظروف، لا تفكر النسوة في ترك البحر. "لقد تربينا على رائحته"، تقول "نعيمة"، التي توارثت المهنة عن والدتها. تضيف: "نحن لسنا مهربات… نحن نساء نحاول العيش بكرامة في بلاد تنسى فقرائها". مطالب بالاعتراف والتأطير يناشد عدد من الفاعلين الجمعويين في المنطقة بضرورة تنظيم المهنة وتأطيرها في شكل تعاونيات، وفي فضاءات تليق، علها تقييم من حرارة الصيف وقسوة البرد. يقول الحسين أيت باها، فاعل جمعوي محلي: "إذا كانت الدولة تحارب الفقر، فلماذا تترك هؤلاء النسوة للبحر وفي الخلاء؟ لماذا لا تنظمهن في تعاونيات رسمية؟" ويضيف: "البحر ملك الجميع، لكنه لا يُفتح إلا للأغنياء… أما هؤلاء النساء، فممنوع عليهن حتى التنفس قرب الموج، يواجهن البحر لوحدهن بلا تأطير يغامرن بحياتهن من اجل لقمة العيش". في شمال كاب غير، ليس البحر لوحة رومانسية للزوار والسياح، إنه معركة يومية من أجل البقاء. تقف النساء فوق صخور البحر، بأجساد أنهكها التعب، لكن بكرامة لا تنكسر. بين أيديهن بلح بحري صغير، لكنه كبير في المعنى: رمز للصبر، وللعيش من أجل لقمة شريفة في وطن لا يرى ملامحهن.