أجمع فنانون عرب شاركوا مؤخرا في مهرجان المالوف بقسنطينة، على أن الإعلام العربي الثقيل، قصّر في تفعيل التبادل الفني الثقافي بين المشرق والمغرب، والدليل الجهل الكبير بفن المالوف المنتشر في المغرب العربي، كما حمّلوا في ندوة "الخبر" الهيئات والسياسات الثقافية جزء من المسؤولية. يعد فن المالوف جزءا من الطرب الأندلسي، ونوع من الموسيقى الكلاسيكية ببلاد المغرب العربي، قادما إليها من الأندلس، إلا أن الإشكال الذي لا يزال مطروحا هو عدم انتشار المالوف في مصر وبلاد الشام واستقراره في دول المغرب العربي دون غيرها باختلاف طبوعه بين الجزائر، تونس وليبيا. وقد حاولت الجزائر استقطاب العرب بخلق مهرجان دولي لاستعادة التراث الباقي من تزاوج الحضارات العربية بطبع المالوف منذ تواجد العرب في إسبانيا "الأندلس"، لكن تعكس المشاركات العربية في معظم طبعات المهرجان مدى جهل دول المشرق بهذا الفن الأصيل، بالمقابل وجد ضيوف قسنطينة جمهورا متلقيا جيدا ومتعودا على سماع الكلاسيكيات الشرقية. وتداولت أسماء عربية وأجنبية على المشاركة في الطبعة السابعة للمهرجان الدولي للمألوف في قسنطينة، منها من صنفت بالكبيرة وأخرى المهتمة بالبحث في التراث الفني العربي، كالفرقة النسوية «نايا" التراث الغنائي الأردني، والفنانة نادين الباروكي مؤسسة فرقة شرقية نسوية من لبنان، وقارىء المقام العراقي سعد الأعظمي، إلى جانب الباحثة في غنائيات البحر الأبيض المتوسط والسوبرانو سميرة القادري من المغرب، والفنانة المصرية ريهام عبد الحكيم، إضافة إلى الفنان التركي ديمتري أوغلو، وفرقة الجاكوميزي كانطي من إسبانيا، ودور صاف الحمداني من تونس، إلى جانبهم مجموعة من فناني المالوف بقسنطينة وعنابة وفرق أندلسية من قسنطينة ومعسكر ومستغانم، حيث طرحت "الخبر" إشكالية نشر فن المالوف المعروف مغاربيا في المشرق العربي، وهل تمكن المهرجان من بعثه خارج الجزائر بإحياء المالوف عن طريق ثنائيات قد تفتح المجال لأعمال مشتركة مستقبلا. احترافية الإعلام الثقيل تساهم في نشر الفن اعتبرت الفنانة المصرية ريهام عبد الحكيم، صوليست الفرقة القومية للموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية ومغنية للموشحات في لقاء مع" الخبر"، أن غياب فناني هذا الطبع من الوسط الفني العربي بصورة عامة، جعله منغلقا على نفسه، وأشارت إلى أن زيارتها الأولى للجزائر جعلتها تكتشف ولأول مرة فنا يسمى المالوف، بعد تلقيها دعوة لحضور المهرجان، وأضافت أنها تعرفت عليه وتمكنت من الاستماع إليه من خلال الفرق الجزائرية التي شاركت في الطبعة السابعة، حيث اعتبرت قوة الصوت من المقومات الأساسية لغنائه. وأشارت ريهام عبد الحكيم إلى أن محافظة المهرجان طالبتها بتقديم موشحات أندلسية دون غيرها. وذكرت الفنانة أن مصر تمكنت من نشر فنها بفضل الدعاية الإعلامية في فترة معينة خاصة بالإعلام الثقيل، قائلة "نحن لم نتعرف عن الفن الآخر في المغرب العربي إلا عن طريق التبادل الثقافي، وحاليا يأتي دور الإعلام الجزائري الذي يجب أن يكون قويا لتوصيل تراث بلاده للخارج، ويمكّننا غناء المالوف في فرص قادمة إن أتيحت لنا زيارة الجزائر مرة أخرى". كما تبنى الرأي نفسه قارىء المقام العراقي سعيد الأعظمي، الذي سبق وأن زار الجزائر في إحدى مهرجاناتها، وتحدّث عن المالوف كفن أصيل، لأنه يمثّل أصالة الفن العربي والجزائري. وقال أن الموسيقى الكلاسيكية المغاربية متنوعة جدا وتتشابه مع المقام العراقي القديم، على غرار المالوف والموشحات، وهناك تقارب كبير بين هذه الفنون. وحمّل سعيد الأعظمي مسؤولية عدم وصول المالوف إلى العراق، للإعلام الذي يمكنه أن يستقطب ملايين الناس بقنوات فضائية وإذاعات تحببّهم بهذه الفنون، وخلق قاعدة شعبية تدفع بالفنان إلى التوجه لهذا النوع من الفن، لأن المالوف حسبه فن صادق في الكلمة واللحن . الهيئات الثقافية تتحمل جزء من المسؤولية ترى الفنانة التونسية دور صاف الحمداني، رغم اتجاهها نحو الفن الحديث وغنائها للكبار الذين مروا على الساحة الغنائية العربية، من الإنشاد الصوفي والغناء الطربي، أن العودة الى المالوف تكون عن طريق تكريم وإعادة بعث ما تركه عمالقة فن المالوف في تونسوالجزائر. وتعتقد أن النهوض بالمالوف التونسي، يكون بإعادة أغاني كل من الراحل محمد سعادة والشيخ طاهر غرسة في تونس، وأضافت أنها تحاول إيصال فن بلادها وتراثه الموسيقي في عدة مناسبات وقدّمته بكل من مصر، لبنان، إسبانيا، فرنساهولندا وكندا. بينما حمّل الفنان "سليم الفرڤاني " نجل الحاج الطاهر الفرڤاني، من جهته وزارة الثقافة، مسؤولية عدم انتشار المالوف بالدول العربية، لأنها لم تنظّم أسابيع ثقافية تبادلية لفن وفناني المالوف، خاصة وأن بعض الوصلات تغن باللغة العربية الفصحى. مشيرا إلى أن الحفلات الفنية التي قدّمها في أوروبا قوبلت بالاهتمام من قبل الأوروبيين، لأنهم يدركون أنه فن عربي وقديم. مضيفا في سياق الموضوع، أن وسائل الإعلام مقصّرة في حق هذا الفن، متحدّثا عن ورشات وأيام دراسية خاصة بطبع المالوف سيتم الاجتهاد فيها لتقديمها بأحسن صورة في الفرصة القادمة التي ستكون فيها قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.