[RIGHT]مساء الخميس الماضي، اتصل بي أحد صحافيي "اخبار اليوم"، لكي يسألني عن المغرب الذي احلم به. لم اقل له ان مكالمة عجلى ،على المحمول قد لا تناسب دعوته الكريمة لكل التداعي الحر الذي قد يستفزه هذا الاستفسار الصغير!،لكني تذكرت للتو تعريف اندريه مالرو، للوطن "كشراكة أحلام" ،ثم فكرت في سؤال اخر :هل لايزال الحلم جزءا من واقعنا؟ خلال بداية تسعينيات القرن الذي مضى،كان العالم الليبرالي يرقص احتفالا،بافول الكتلة الشرقية و الفكر الاشتراكي. و بسذاجة المنتصرين سيطور "فوكوياما"أطروحة نهاية التاريخ،متحدثا عن الرأسمالية كافق وحيد لتطور البشرية،في نفس القالب سيجتهد باحثون آخرون ،مفتونون،بسقوط الجدار الالماني الاكثر شهرة في التاريخ،لكي ينسجوا منظومة كاملة من فكر النهايات: نهاية المثقف،نهاية الأيديولوجيا،نهاية اليقينيات000،في المحصلة كانوا يتحدثون عن نهاية الأحلام ! كان العالم يبدو منقادا بخدر ،الى الاله الجديد:السوق، منتشيا بالديانة المنتصرة:المال،حيث ديكتاتورية الفكر الوحيد لن تترك مجالا ،لا للاختلاف و لا للبدائل .و حيث الاحزاب لن تعود ملهمة للتغيير ،بقدر ما ستصبح فاعلا باهتا على هامش الاختيارات التي يتحكم فيها اصحاب الرساميل و التقنيين.و حيث المثقفون صانعوا الأحلام ،تواروا لصالح فئة من الخبراء الذين يوظفون كفائتهم لخدمة النسق.و حيث السياسة كفت عن ان تعرف كتدبير للأحلام الجماعية،و تحولت الى حاشية مهملة على هامش المال و الاقتصاد. في ذلك السياق،اذكر ان اتحاد كتاب المغرب،كان قد استدعى الراحل محمد عابد الجابري،لكي يحاضر في الدارالبيضاء ،حول موضوع:هل لا يزال التغيير ممكنا؟.النخب الثقافية هنا و في كل العالم،كانت تقاوم ايديولوجيا النهايات ،دفاعا عن التاريخ و عن الحق في الحلم! كان من البؤس ان يتصور المرء ان العالم قد اصبح-فجأة- اضيق من ان يسع حرارة المشاريع المعباة،و ان الافكار الكبرى التي عبرت القرن العشرين :المساواة،الحرية ،العدالة،الحقوق،الإنسية ...قد اندحرت الى غير رجعة،امام جبروت الشركات المتعددة الجنسية،و قوى الرأسمال العالمي! انحسار الأيديولوجية الاشتراكية،كمحرضة على حلم جماعي ،بحياة افضل و اكثر إنسانية،جعل العالم يلتفت الى سؤال الهويات ،حيث مع اختفاء صراع الأفكار انبعث تقاطبات القوميات و الإثنيات ،و مع تصاعد تدافع الحضارات والنزعات الأصولية و الدينية، بدا كما لو ان الأحلام ،لم تغادر تماما عالمنا ،بقدر ما انتقلت من الارض الى السماء! اليوم ،ليس ثمة شك،ان تسارع تاريخ محيطنا الاقليمي،و انبعاث الثورات،بغض النظر عن مالاتها،يبقى في عمقه عودة لقدرة الشعوب العربية على الحلم .الحلم ،هنا،كاقصى درجات انتصار "الإرادة"،الم تكن الثورات دائماً الملهمة الاولى لكل الحالمين؟ من جهتها هبة فبراير المغربي ،لم تكن فقط تفصيلا عابرا في يوميات السياسة،بل جسدت حالة أخلاقية ،عاد فيها لحياتنا السياسية،شئ من المثل و القيم و الأحلام و اليوتوبيا.عودة لاشك انها زحزحت سقف الممكن السياسي ببلادنا. تنهض فكرة التقدم على اننا لا نعيش ،الان و هنا،الا ماكان أحلاما -ربما مجنونة-لآخرين سبقونا للمغامرة الانسانية،لذلك لا بديل عن الأحلام لكي نكون جديرين بالمستقبل! الأحلام هنا ،بالتعريف الشهير لجداريات ماي 68،اي تلك "الواقعية" القصوى ،التي تجعل الشعوب تطالب بالمستحيل. نعم، ينطوي التاريخ ،على كم هائل من النكسات و التراجع و الخيبات.لكن في النهاية نكتشف انه مع تعقد الواقع و عناده، فان الأحلام تبقى اكثر عنادا و قوة. فطوبى للحالمين!! ،و معذرة للصحافي الصديق،على العطب المفاجئ للهاتف [/right]