مطلع قصيدة مشهورة للشاعر أبي الطيب المتنبي سرى مسرى الأمثال ظل تعبيرا صادقا عن أعيادنا قرونا، حتى أذن عز سلطانه ببزوغ فجر عزة الأمة فأخذت تتهاوى رؤوس جبابرة هذا الزمان على حين غرة مستغشين ثياب العزة بالإثم، ومستخفين بإرادة الشعوب. كان لتونس الخضراء فضل السبق، ثم تلتها أرض الكنانة ليتزلزل عرش من نصّب ونصَب على الشعب المصري فلقبه نفسه "بابا مبارك" بحثا عن شرعية أبوية مزعومة، فجاء التنحي والمحاكمة ليقبع الفرعون في السجن مؤقتا في انتظار أن يتحرر القضاء ليقول كلمته العادلة فيه وفي أزلامه بعيدا عن محاكمات فبركها العسكر المنكشفة عوراته وفضائحه. ثم لحق بالركب "عميد" حكام العرب وقائد ثورة ولا فاتح، وشاء القدر الإلهي أن يتدحرج المتغطرس من أعلى بروج مجد كاذب لينتهي إلى قنوات الصرف الصحي. مرورا بنصف سقطة لطاغوت اليمن الذي ظل شعبه وفيا لحكمته أمام تكالب الأشقاء والأعداء على ثورته حماية لعروش مجاورة هي أوهى من بيت العنكبوت عندما يأذن المولى الكريم بزوالها زوال من طغوا قبلهم في البلاد وأكثروا فيها الفساد. أما فرعون الشام فرأسه تتأرجح وكل الأحرار يتطلعون إلى يوم قريب يدك فيه أحرار سوريا انتصارا لدم الأبرياء من الأطفال والشيوخ والثكالى على رأسه آخر جحوره.
والمغرب لم يكن ليشذ عن القاعدة، لأن ليس في سنن الله تعالى استثناء، بل هي مشيئة الله تتنزل بصور مختلفة تؤول إلى نفس الغاية: أفول نجم الاستبداد وبزوغ عهد التحرر والانعتاق. في المغرب توهم دهاقنة الحكم أنهم تجاوزوا عنق الزجاجة، وصدقوا كذبة أرخوا لها بفاتح يوليوز، وأخذتهم عزة الطغيان، فضاعفوا جرعات إهانة الشعب وكان آخرها تمسكهم بطقوسهم المذلة حينما أدركوا اهتزازها فراحوا يحشدون لها من المسوغات الواهية ما لا يسنده شرع ولا يقبله عقل وتمجه الفطرة السليمة، وإلا متى كان نظام، هو في نظر المبشرين ب"أفضاله" أشبه بخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم، يحتكر الثروة والسلطة؟ فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستثمر في أقوات العباد؟ وهل راكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثروات ليصنف ضمن أغنى أغنياء العالم؟ وهل أخضع الرسول صلى الله عليه وسلم العباد لشخصه وهو أكرم خلق الله فحُشروا طوابير يؤدون فروض الطاعة انحناءً وركوعا وخضوعا؟
واهم من يعتقد أن المغرب خارج إطار رياح الربيع العربي، وإلا كيف يفسر هذا التهاوي لمصداقية النظام و"شرعيته الدينية" وغدت مثار نقاش شعبي تعدى النخب المثقفة ليصبح حديث العموم. الأمر أكبر من طقوس يراد اختزال الاستبداد فيها دهاءً ومكرا قد تفضي بهم سياسة الانحناء المؤقت للعاصفة إلى بعض التعديل فيها احتواءً والتفافا على غضب شعبي يتنامى باضطراد احتجاجا على مصادرة إرادته وحقه في اختيار من يحكمه على قاعدة اقتران المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة، وعلى سوء تدبير شأنه العام فتناسلت المعضلات: فقر وبؤس وحرمان ومرض وأمية وإفلاس لمصداقية البلد السياسية. جوهر الأمر أن هناك نظاما مستبدا محتكرا لأهم السلط ومتلاعبا بالدين ومستحوذا على جل الثروة مهما لبس من لبوس أو تسمى بمسميات، وما ينبغي أن تلهي معارك الشكليات والمسميات، مهما كانت أهميتها، عن ذلكم الجوهر.
ونحن ما نزال نعيش أيام عيد الفطر المبارك، والعيد ابتهاج وحبور على ما أكرم الله تعالى به الأمة من أعطيات وهبات ربانية، فضاعف أجورها ورفع شأنها بين الأمم السابقة تكريما لخير الخلق وإمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه. العيد فرصة لإظهار الفرح بنعم الكريم فسُنَُّ الغُسل والتطيب ولبس الجديد ورفع التكبير حمدا لله الكريم الوهاب، فكيف إذا أتم المولى الكريم النعمة على الأمة وتسربلت بلباس الحرية وتعطرت بعبق الكرامة؟! كيف لا تبتهج الشعوب والعيد بهجة وحبور وقد تخلصت من كابوس جثم على صدرها قرونا، وسامها صنوف العذاب وصادر حقها في الحياة الكريمة وقايض مقدساتها وعزتها وثرواتها ببقائه مخلدا على كرسي السلطة؟ كيف لا يكون للعيد معنى وتونس الثورة كما في مصر المستعيدة زمام المبادرة وليبيا الخالعة أسمال عقود المهانة تخطو بثبات نحو تقعيد نظام حكم يُقرُّ للشعب بالسيادة لينعم بعدل بعد جور وطغيان.
أعياد بحمد الله تتوالى على الأمة وعروش طغاة تتهاوى تباعا. تُرى، على من يكون الدور من الحكام الطغاة في العيد القابل؟ ودامت الأعياد والمسرات والانتصارات والرقي لأمتنا الإسلامية بعد طول استبداد وفساد وما صاحبهما من نكد وغم وهم وهزائم وانحطاط .