اشتغل الأستاذ العربي المساري في الورقة على تاريخية الصحافة الحزبية و الأدوار التي لعبت و التي مازال مطلوبا منها أن تلعبها ، مارا بالصحافة الخاصة و علاقتها بالمشهد الإعلامي حاليا .. نترك للقارئ حرية الاطلاع على هذه الورقة الرصينة للإعلامي و السياسي و الوزير السابق المساري .. في بلد ينص دستوره على أن « الأحزاب والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم « تكون الصحافة التي تصدرها الأحزاب مدعوة للنهوض بوظيفة حيوية في نطاق المهمة التي أسندها الدستور للمكون الأول للمشهد السياسي من بين الأطراف التي ذكرها الفصل الثالث من القانون الأسمى في البلاد. وقد قامت الأحزاب من خلال تنظيماتها، ومختلف أدوات عملها الجماهيري، بالدور الأول في تحريك الحياة السياسية خاصة في عهد الحماية، واستمر ذلك طيلة عقد من الزمان بعد الاستقلال، إلى أن تم الإجهاز على الأحزاب في سنوات الرصاص، بغرض التقليل من فعاليتها. وبصفة عامة اتبعت سياسة حثيثة كانت ترمي إلى تهميش الأحزاب والحد من إشعاعها، حتى حينما ظهرت جدوى الإبقاء عليها والتعامل معها. وغالبا ما حظيت الصحافة الحزبية بنفوذ كبير في المجتمع، حيث كانت هي صانعة المناخ الثقافي والسياسي في البلاد، رغم كل ما بذل لمعاكسة صحافة الأحزاب الديموقراطية، وذلك باستعمال وسائل شتى منها الرقابة والمنع. إلا أنه برغم ما بذل من أجل التمكين لصحافة صفراء فإن هذه لم تفلح في كسب المصداقية عند القراء. كما ظهرت أحيانا صحافة مستقلة فعلا لكنها لم تصمد، مثل صحافة الأحزاب التي أكدت دورها كأداة نضالية متحملة للتبعات المادية الملازمة لذلك الدور. ومع الانفتاح السياسي الذي تكرس منذ التسعينيات، ظهرت مبادرات استثمارية خاصة في ميدان الصحافة، حينما أصبح المستثمرون في أمن نسبي بفضل الظروف الجديدة التي طرأت في المجال. و بفضل استتباب الانفتاح السياسي وانتظام اللجوء إلى صناديق الاقتراع، كثرت الصحف الخاصة أي التي لا تصدرها الأحزاب ولا الحكومة، بل إن المنبر الوحيد الذي كان للحكومة اختفى من الوجود. وبفضل الحركية التي أنعشت حياتنا السياسية والثقافية، أضيف إلى التعددية السياسية والثقافية، عنصر جديد وهو ظهور مقاولات صحافية لها خطها التحريري الذي يقرره الساهرون على النشر، دون أي معيار آخر سوى تلبية متطلبات القارئ، أو هذا هو المظنون. وكان من نتائج ذلك التطور نشوء ديناميكية جديدة في الوسط الصحافي، على إيقاع التغيرات التي جاء بها تشكيل حكومة التناوب التوافقي وكذا الانتقال السلس إلى عهد جديد في ظل ملك جديد. وفي ظرف عشر سنوات تكرست ظاهرة الصحافة الخاصة بعنفوان كبير. و انخفضت مبيعات صحافة الأحزاب بما قدره 34% إذ انخفضت من 167.569 نسخة في سنة 1994 إلى 156.494 نسخة في 1999 ثم إلى 61.830 نسخة في 2004. وفي الوقت الراهن، حسب أرقام هيئة مراقبة الروجان لسنة 2009 التي تخضع لمساطرها خمسون نشرة منها 18 يومية ستة منها حزبية، فإن هذه الأخيرة تمثل 44.837 نسخة في اليوم. على أن مؤشر الانتشار لايتوازى دائما مع النفوذ المعنوي الدال على المصداقية. كما أن موقع صحيفة حزبية معينة في الأكشاك لا يكون متطابقا على الدوام مع وزن حزبها الانتخابي. وكما كتبت في مناسبة سابقة فإنه لا يصح ربط التأثير الذي اكتسبته الصحافة الخاصة بتضاؤل نفوذ الأحزاب السياسية. إن الأحزاب لها مجالها والصحافة لها مجالها. إلا أن تضاؤل رواج جرائد الأحزاب أمر واقع كما يتجلى من الأرقام الآنفة الذكر. إن حجم السوق لم يتغير إلا قليلا جدا. ويمكن القول إن نفس الجمهور قد تحول إلى العناوين الجديدة لنكهة الجدة، و بسبب رضوخ الصحيفة الصادرة عن الحزب إلى عامل التضامن الحكومي، والتزامها بالإحجام عن مسايرة فضول القراء وهو أمر لا يقيد الصحافة الخاصة. إلا أنه مع انتشار جرائد ديدنها التنافس على السوق، يمكن أن تبقى خارج التغطية موضوعات « لا تبيع «. وقد سجلت ذات مرة أن من يتصفح الصحافة المغربية الواسعة الانتشار لا ينتقل إليه الشعور بأن قضية الصحراء مثلا هي القضية الأولى للمغاربة. وقد وقع تصحيح ملموس في الوقت الراهن في هذا الجانب لحسن الحظ. ولابد أن أذكر هنا مثالا جديرا بالتأمل. فقد صدر عن مجموعة من المهندسين والخبراء كتاب عن الطاقة الشمسية. وهذا الموضوع الذي يظهر الآن أنه علميا واقتصاديا على جانب كبير من الأهمية، لم تحفل به الصحافة المستقلة قليلا ولا كثيرا. بينما تعرضت له الصحافة الحزبية باهتمام عدة مرات. فمنذ سنة 1994 تاريخ بداية ترويج الفكرة، وقع التعرض للكتاب في كل من العلم والاتحاد الاشتراكي وليبيراسيون والأحداث المغربية . وأحيانا وقع تخصيص صفحات وملفات لموضوع الكتاب ليس كإشهار، بل تجاوبا مع موضوع تقني واقتصادي أدلى فيه مهندسون ومغاربة بدلوهم ، وهاهو يصبح قضية الساعة. وأقصد كتابا بعنوان «مدخل إلى الطاقة» لكل من عبد العزيز بنونة ورشيد بنشريفة وإدريس زجلي. طبع معهد التعريب سنة 2008. فلهم التحية بالمناسبة. هناك تطور جديد وهو أن مستثمرين أصبحت لهم ثقة في أن قطاع النشر يمكن أن يكون واعدا. ومع تقوية الصحافة الخاصة ماديا ومهنيا ستصبح صحافة مواطنة. ومن جهة أخرى فإن الصحيفة الحزبية بصدد إعادة صياغة دورها، والحال أن الحزب انتقل من موقع المعارضة من خارج النسق السياسي إلى عنصر يعمل من داخل هذا النسق. وهذه الصياغة أمر سهل، لأنه يعني عدم خضوع الصحيفة تماما لمقولة التكتم (ما كل شيء يقال)، وعدم الانجرار إلى الإثارة التي انتشرت إلى حد الابتذال. والأهم من ذلك هو كيف يمكن للصحافة الحزبية أن تكون رائدة في الدفع إلى تحسين الأداء المهني، على غرار الريادة التي تمارسها أحزابها في صنع المناخ السياسي والثقافي والقيمي بالبلاد رغم اهتزاز مركزها نتيجة عشوائية مناخ الشأن اليومي العام. هناك ملاحظة تفرض نفسها وهي أن تكاثر العناوين التي تصدر عن المبادرة الخاصة، وسعة رواج بعض تلك العناوين، لم يصاحبه وقوع تقدم في الأداء المهني. ولا يرجع التكاثر ( 21 يومية بما فيها الجرائد المجانية و27 أسبوعية ) إلا لعنصر التفتت، على غرار ما حدث في الأحزاب. فكل صحيفة جديدة هي نتيجة انشقاق عن جريدة أم. وهذا راجع إلى الرغبة في الاستقلال بالأمر في نطاق خلايا صغيرة، بدلا من التجمع في مقاولات ذات مؤهلات مهنية كافية لإصدار جريدة ذات كفاءة في إشباع تطلعات القارئ. ولهذا يجب أن نكرر القول إن أداء الصحف المكتوبة سواء كانت يومية أو أسبوعية ، خاصة أو حزبية، يبقى متوقفا على بذل مجهود أشد ترشيدا لإنجاز منتوج يرضي رغبات القراء ويكون معبرا عن الارتقاء الأداء المهني. ولا يخفى أن كل المنابر الحزبية منها والخاصة هي عبارة عن هيئات تحرير صغيرة أو صغيرة جدا، هناك خمس جرائد تشغل ما بين 33 و 61 صحافيا. و3 منها تشغل فوق 20 . و8 جرائد تشغل أقل من 20. واثنتين تشغلان فقط 6 و9 صحافيين. وما زالت الجريدة اليومية المغربية هي ذلك المنتوج الذي يتم صنعه في حوالي 4 إلى 6 ساعات، ويقدم في حوالي 12 إلى 16 صفحة في الغالب، وفي حالات معدودة في 20 إلى 24 صفحة. وهذه معطيات تسم المقاولة الصحافية بالمغرب بمواصفات تصنفها في مرتبة الخصاص. ولم تؤد العقدة البرنامج التي جاءت في 2005 لتعقلن المجال، إلى رفع كفاءة المقاولة الصحافية المغربية، نظرا لتواضع الغلاف المالي المكرس للدعم. وأيضا فإن الصحيفة المغربية تطبع في وقت مبكر، وحجمها محدود أو متواضع، وطاقمها صغير أو صغير جدا، وهذا من بين ما يجب أن تسعى لمعالجته الصحيفة الحزبية إن هي أرادت أن تخاطب القارئ. وإن استمرار مثل هذه الإكراهات لا يساعد على الارتقاء بالمهنة، فضلا عن تعرض الصحيفة إلى الإغراء الشديد للإثارة، طلبا لكسب رهان المنافسة، أو الخضوع إلى إملاءات من طرف أجهزة أو ذوي مصالح. وإن أسوا ما يمكن أن يقع هو أن يكتشف القارئ أن بعض العناوين أو المواد التحريرية موحى بها، أو أنها مدفوعة الثمن. والأدهى من ذلك أن يصبح تمريننا اليومي هو أن نتكهن بمن قام بتلقين افتتاحية اليوم ومن أفتى بان يكتب كذا أو كذا. إن صحافة الأحزاب الديموقراطية، التي هي مبدئيا بمنجاة عن هذا وذاك، مطالبة بأن تعيد النظر في هيكلتها لتقيم مقاولة عصرية وطموحة ذات كفاءة، وأن تولي الانتباه الكافي للاستثمار في التكوين المستمر، وأن لا تكف عن المناقشة المستفيضة بشأن الخط التحرير الذي يضبطه ميثاق مرجعي مكتوب.