في ظل موجات الحرارة المرتفعة التي يشهدها المغرب خلال هذا الصيف، تظهر يوما بعد يوم معاناة آلاف العمال الذين يقضون ساعات طويلة في أوراش البناء والمشاريع الكبرى تحت أشعة الشمس الحارقة، وسط غياب شبه تام لأي تدابير وقائية تحميهم من مخاطر الإجهاد الحراري أو ضربات الشمس القاتلة. هذه الأزمة التي تتفاقم بصمت دفعت بعض النقابيين إلى رفع الصوت، وعلى رأسهم الحسين اليماني، ناشط نقابي، الذي عبر بمرارة عن قلقه تجاه هذا الوضع، معتبرا أن ما يجري "كارثة إنسانية صامتة" تستدعي تدخلا حكوميا فوريا. اليماني قارن، في تصريح له بين رد فعل السلطات الإيطالية عقب وفاة عامل مغربي بسبب ضربة شمس، والتي سارعت إلى تعليق جميع الأشغال في المواقع المكشوفة خلال ساعات الذروة، وبين الصمت الرسمي في المغرب، حيث تستمر الأشغال في عز الحر، رغم تجاوز درجات الحرارة في بعض المناطق 45 درجة مئوية. ما يضاعف من خطورة الوضع، حسب مراقبين، أن فئة كبيرة من هؤلاء العمال يشتغلون في ظروف هشة، بلا عقود رسمية، ولا تأمين صحي، ولا تغطية اجتماعية، ما يجعلهم أكثر عرضة للضرر، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة. ورغم أن البلاد تشهد طفرة غير مسبوقة في مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالتحضير لكأس العالم 2030، من ملاعب ومنشآت وطرق، إلا أن وتيرة الإنجاز المتسارعة جدا تجعل أبسط حقوق العمال مجهولة. وتطرح عدة تساؤلات اليوم حول موقف السلطات المختصة، وعلى رأسها وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل، ومدى استعدادها لتطبيق إجراءات احترازية شبيهة بما تفعله بلدان أخرى تواجه نفس التحدي المناخي. ففي قطر مثلا، تم اعتماد قوانين تحدد بدقة ساعات العمل المسموح بها في الصيف، إلى جانب توفير نقاط تبريد ومياه ومرافق للراحة. أما في المغرب، فالأمر يترك غالبا لتقدير المشرفين على الورش، دون إلزام قانوني واضح ودون تدخل فعلي لمفتشيات الشغل. يؤكد بعض العمال أنهم يشتغلون في ظروف قاسية، دون فترات راحة منتظمة ودون توفر أي مكان يحميهم من لهيب أشعة الشمس الحارقة وعدم توفر أيضا مياه تبريد لهم بل يجب على كل عامل أن يجلب معه قنينة ماء باردة لا تكفيه حتى في النصف الأول من اليوم، حيث يطلب منهم أحيانا مواصلة العمل رغم الإعياء أو الدوار. هذه الممارسات تفتح الباب أمام حوادث محتملة قد تكون مميتة، وتجعل من ورش البناء مكانا محفوفا بالمخاطر، لا يراعي الحد الأدنى من السلامة المهنية.