وحيدا ، جامع ، مانع، هناك على جنبات البحر ، يبقى سيدي علي افني ، من أولياء ايت اعزا ويهدا، يتأمل النفاق المستشري في المدينة ، ويوبخ نفسية المفسديين في المنام بهلاوس الكوابيس التي لا تتوقف تلاحقهم. رأى كل ما يدل على خسارتهم اللاحقة. سيدي علي ليس فاقد الاسم والهوية، أو أنه زائر جديد حَلَّ في مدينة السردين . تلك المدينة المنسية، تكره الغرباء وعابري السبيل من المنافقين ، بل من رجال السلطة من لايستطيع حتى المنام فيها ولو مخمورا . مدينة بلا ضوضاء أو طموحات كما يريدها البعض . مدينة صامتة ومنازلها مختبئة بين التلال . النهار هنا جاحد بالمدينة ، صلب، عنيد، لئيم. الشمس فيها والضباب مقامران محترفان، والليالي تخلو من ناسها ما عدا عرير الصراصير ، اوصوت الناموس. ومواء القطط في نصف الليل ، إنها علامات نذير شؤم، بسبب..، وهنا القمر أخرس والنجوم عاهرة لا تفصح عن شيء ، هنا أرض الأولياء وهناك ارض سنتاكروز، . هنا الحانة لا تشبع المخمور و بجانبها المحكمة عفوا ، الكنيسة ، لا تغفرلك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ، ويبقى دخولك رغماً عنها. هو سيدي علي افني الآن المنسي في شاطئه يشرف على حركات المد والجزر التائهة في طريق الضاية الملوثة ، وكل ما تبقى له هناك بعض من بقايا الناموس البدائي، يزعج النفوس ، ويقيم الليل.. فقط تلك الضباب والتي تدعى «تكوت» هي التي كسرت قاعدة مدينة "سرنبوك"، يعرفها الجميع ويتجاهلونها في الوقت ذاته، الكل يعرف أنها تصاحب الشياطين، وأنها تستأنس بالجنون ليلاً، وكم من الحكايات عُرفت عنها ورواها من عاشوا لحظات السبت الأسود ، و أصبحت عبرا منذ أعوام. قبل أن يحل الزائر طبعاً، ماعليه إلا أن يطلب "التسليم" ، وكم من الضحكات الشامتة، الساخرة ، والهلوسة المعتادة في المقاهي ، تفصح لك سر التلاعب بمشاعر الناس ، وكم من أشخاص غرباء عند الغريب ، يحسبه في الذهاب والمجيء أحمقا ، وهم لايدركون عن بعضهم أن لهم أباًء خلف التلال ، لايراون ولايمنعون الماعون.. . أناس غرباء الأطوار ، يتحدث طوال الليل من دون توقف، وينامون ويبدوا لهم واقفين. يكترون ، بل يملكون ، منازل تبدوا لهم كوخاً صغيراً في قمة التل . يقولون هنا أنهم يأكلون التراب والصخور عوض السرديين..، ويستحمون بالهواء، ولا يتغوطون أبداً. يخترع بعضهم الأساطير قسرا ويخطها في أوراق ولا يتدولها بين الناس خوفا من وسواس مملكة الجن. معتقلين مظلومين ، عاينوهم أمام أعينهم ألف مرة وفي كل مرة يستفيق الضمير ويذهب إلى التل يتحدث من دون توقف، يتمنى أن يتخلص من التأنيب الذي يلاحقه . في الليلة التي هبَّت عاصفة شديدة، أحاطت المدينة من كل اتجاه بمياه جارفة . استيقظ واد الصراخ "أسيف اندر" ، وانتقم للمظلومين ، وعند غروب الشمس توقف سيدي على افني شامخا ، يراقب بركة الوادي وهو يحمل الأخشاب والحيوان وكل الثروات ، ثم وضعها في الضاية الكبيرة... أما "تكوت" أسرعت وانحنت هي الأخرى لوالدها سيدي على ،وبكت ... أثناء ذلك كان المسوؤلون يراقبون المدينة المنسية ، يتصنعون أعذارا لصعوبة الوصول إليها ، لم يكن يدركون أن سيدي علي افني ، تباركه العجائز والأبناء فوجدهم للمرة الأولى ينظرون إليه باهتمام وتساؤل وحيرة، دون أن يدركوا ذلك ، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على محادثته حتى ولو بإشارة، وما بالك بتهنئته . لم ينحني سيدي علي افني لصراخ واد "أسيف اندر"، كما لم ينحي أحفاده لاتهامات الغريب عن المدينة ، فكان الزائر إلى المدينة ، سرق إبنا لها متجهاً به إلى زنازين ، وترك من ورائه المدينة منهارة. دون أن يدرك أن حاميها سيدي علي افني ،يساند المظلوم على الظالم لأنه لايقبل الظلم ...